سوريا ولبنان - مسرح لصراع نفوذ بثوب طائفي؟
٢٢ نوفمبر ٢٠١٣منذ الهجوم الانتحاري المزدوج والذي استهدف يوم الثلاثاء (19 نوفمبر/ تشرين الثاني) السفارة الإيرانية في جنوب بيروت وأودى بحياة 23 شخصا على الأقل، أصبح السياسيون في لبنان يتحدثون علانية عن انزلاق بلادهم في الأزمة السورية. ففي سياق متصل قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: "إننا ندين هذا العمل الإرهابي الجبان ونضعه في خانة توتير الأوضاع في لبنان واستخدام الساحة اللبنانية لتوجيه الرسائل السياسية في هذا الاتجاه أو ذاك."
وفي أحدث ردة فعل له، ألقى ائتلاف قوى 14 آذار، والذي يضم جماعات سنية ومسيحيين، باللوم على حزب الله الشيعي المدعوم من إيران، قائلا إنه "وراء إثارة أعمال العنف من خلال انضمامه إلى الحرب الدائرة في سوريا لمساندة قوات الأسد". وشدد بالقول إن"حزب الله دخل الحرب في سوريا ونقلها إلى لبنان".
وقد أعلنت "كتائب عبد الله عزام"، وهي جماعة جهادية قريبة من تنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن العمليتين الانتحاريتين. وقال الشيخ سراج الدين زريقات، مرشد كتائب عبد الله عزام، على موقع تويتر إن الجماعة نفذت الهجوم. وأضاف: "غزوة السفارة الإيرانية في بيروت هي عملية استشهادية مزدوجة لبطلين من أبطال أهل السنة في لبنان." كما هدد بمواصلة مثل هذه العمليات الانتحارية حتى تتحقق مطالبهم ومن بينها سحب عناصر حزب إيران من سوريا.
صراع بين إيران والسعودية لبسط النفوذ في المنطقة
ومنذ مايو/ أيار الماضي، أي منذ كشف النقاب عن مشاركة مقاتلي حزب الله إلى جانب قوات الأسد في الحرب الأهلية في سوريا، أصبح الحديث يدور حول تصاعد حدة حرب طائفية بين الشيعة والسنة: فمن جهة تقف إيران، الدولة الشيعية في المنطقة، وإلى جانبها حزب الله ونظام الأسد العلوي، وفي الجهة المقابلة تقف السعودية وإلى جانبها قطر وتركيا. وفي هذا الإطار تقول بينته شيله، رئيسة فرع بيروت لمؤسسة هاينريش بول الألمانية، إن الخلافات بين الشيعة والسنة كانت موجودة منذ قديم الزمان، ولكنها تشدد في الوقت نفسه على أن السلام كان يطغى على تعايش الطائفتين جنبا إلى جنب على مدى التاريخ.
وتوضح الخبيرة الألمانية التوتر الحالي في العلاقات بين السعودية وإيران بأنها "نتاج التوزيع الحالي للسلطة". وفي الواقع، ومنذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والتي أسفرت عن التأثير المتنامي للدين على السياسة والمجتمع، أصبحت السعودية تدرك أن إيران كدولة شيعية تسعى إلى بسط نفوذها على منطقة الشرق الأوسط. ومنذ ذلك الحين والسعودية تحاول ردع التأثير الإيراني في المنطقة.
من جهته، يرى فالتر بوش، الخبير في الشؤون الإيرانية من مؤسسة العلوم والسياسة ببرلين، أن إيران تربطها علاقات تاريخية بالشيعة في المنطقة لا يمكن قطعها. فعندما أُعلن عام 1982 عن ميلاد حزب الله بتحريك من إيران وتحت راية تصدير الثورة الإسلامية، أصبح لإيران ولأول مرة علاقة مباشرة بالمنطقة. "حزب الله إنما هو وسيلة لإيران لإضفاء شرعية على دورها في المنطقة"، يقول بوش. ومنذ أكثر من 30 عاما تعد أيضا سوريا من أهم حلفاء إيران في العالم العربي، وهو حلف يعود تاريخه إلى سنوات الحرب العراقية-الإيرانية (1980 إلى 1988).
"انفجار الوضع في لبنان لا يخدم مصلحة إيران"
وفيما تدعم السعودية المعارضة السورية في حربها ضد نظام الأسد، لا تدّخر إيران - وإلى جانبها حزب الله - جهدا ولا مالا في دعم نظام الأسد. ولا يقتصر الدعم الإيراني فقط على تزويدها بالسلاح والمال فقط، بل وما انفكت طهران ترسل مستشارين عسكريين إلى دمشق. ذلك أن قلق طهران كبير من أن يسقط نظام الأسد. وفي حال حدث ذلك فإن بوش يتوقع سيناريو مقيتا لكل من إيران وحزب الله، بحيث يقول: "في حال تولت جماعات سنية متطرفة الحكم في سوريا، فإن ذلك من شأنه أن يسفر عن عزلة حزب الله: فمن جهة ستكون هناك سوريا سنية، وسيستمر وجود الجماعات السنية المتطرفة في لبنان وفي الجنوب هناك إسرائيل." وعليه، فإنه سيصبح من الصعب على إيران فرض سيطرتها في المنطقة، إذا سقط نظام الأسد وضعف حزب الله.
وعقب الانفجاريين الانتحاريين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في جنوب بيروت سارعت كل من إيران وحزب الله إلى اتهام إسرائيل في الضلوع فيهما، على الرغم من أن "كتائب عبد الله عزام" أعلنت تبنيها للعمليتين. ويفسر الخبير الإسرائيلي في شؤون الشرق الأوسط ماير جافيدانفار هذا الموقف بالقول: "إيران لا تريد الاعتراف بأن تدخلها في الحرب السورية قد أدخلها في صراع طائفي وأنها أصبحت تواجه عدوا جديدا يتمثل في الجماعات السنية المتطرفة". فيما يعتبر فالتر بوش الموقف الإيراني بأنه تكتيك، ويقول: "سوف يتجنب الإيرانيون اتهام السعوديين علنا (بالوقوف وراء العملية). ذلك أنهم يحاولون تحسين علاقتهم بالسعودية." وهو رأي تشاطره فيه بنته شيلر من مؤسسة هاينرش بوش، اذ تشير إلى أنه في حال انفجر الوضع في لبنان، فإن ذلك من شأنه أن تكون له تداعيات وخيمة على إيران وحزب الله. وتقول: "ليس لإيران من مصلحة في اشتعال بؤرة توتر جديدة، يكفي تلك الموجودة في سوريا."