لبنان: الانتحاريون "قاعدة" للقلق... والغدُ مجهول!
٢٠ نوفمبر ٢٠١٣بيروت في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013. الشارع حيث السفارة الإيرانية لم يعد بعد التفجيرين الإنتحاريين كما قبلهما. في هذا الحي الراقي يوجد مبنى قديم مهجور، يسميه سكان الحي "مبنى المهجّرين". من شرفات المبنى يطل فقراء ينظرون إلى الدمار الذي نجوا منه. منظرُهم يكسرُ مشهدا "مُخمليا" يتماهى مع أشجار النخيل الباسقة.
الحي اختلف بعد التفجيرين؛ المباني الفخمة أصيبت بأضرار كبيرة. يتحدث "الحاج حسين"، وهو رجل سبعيني التقته DWعربية في المكان، عن أن "منطقة بئر حسن" تحولت خلال السنوات الـ15 الأخيرة إلى تجمُّع لرجال الأعمال اللبنانيين، ومقر لسكن معظم الشخصيات الشيعية، والمقربة من قوى 8 آذار (الحليفة للنظام السوري). ويقول "الحاج" لـ DWعربية "إننا لطالما شعرنا بالأمان لاسيما وأن المنطقة تعتبر مقرا لعدد من السفارات والقنصليات الدولية، ويقطنها عدد كبير من الدبلوماسيين".
المنطقة، حيث وقع التفجيران الإنتحاريان، تقع غرب الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، "لا تخضع لإجراءات الحزب الأمنية، بحيث أن التدابير الأمنية الأخيرة التي فرضها حزب الله في الضاحية لم تشملها"، يقول مصدر أمني مُطلع لـ DWعربية. ويضيف: "السفارة الإيرانية تعتبر المربع الأمني الوحيد في المنطقة، ويفرض حرس السفارة على مدخليها تدابير أمنية لا تعيق حركة السكان. ولم يُسجَّل أي إغلاق للطرق المحيطة بها على الرغم من أن إجراءات مماثلة اتخذتها سفارات أخرى في بيروت (...)".
التفجيران الانتحاريان من تداعيات الأزمة السورية؟
الجديد في تفجير السفارة الإيرانية هو الانتقال الأخطر في تاريخ العمليات الإرهابية؛ والمتمثل "في دخول الإرهابيين على خط التفجيرات، فيما لم تنجح الأجهزة الأمنية اللبنانية حتى الساعة في استباق أي عملية إرهابية، سوى إصدارها بعض البيانات التي تحوّل تجار الأسلحة إلى إرهابيين يريدون تفجير الضاحية"، وفق ما يقول لـDWعربية عميد متقاعد في قوى الأمن الداخلي، فضّل عدم كشف هويته.
في حي السفارة نصادف الكثير من الإيرانيين، كما يقطنه الشيعة البرجوازيون. شاب لبناني مغترب، وصل قبل أيام إلى لبنان، يقف عند مدخل أحد المباني المتضررة، يقول: "تعوّدنا على أن التفجيرات تستهدف المناطق الشعبية فقط، لذلك كنا نشعر أننا من السكان الذين لن يتم استهدافهم يوماً ما، خصوصاً أن السفارة مقر دبلوماسي يصعب تخيّل استهدافه". ويتابع: "أصبحنا في لبنان وجها لوجه أمام خطر التشدد. ازداد الحديث عن تنظيم القاعدة، والإرهاب يطال الجميع، سنة وشيعة، وغيرهم".
"حسن أيوب"، وهو أيضا من سكان المنطقة، يخاطب صديقه، سائلا عن سكان الحي: "أين هم؟ هل الأغنياء لا ينزلون إلى الطريق بعد وقوع الانفجارات، بينما نحن الفقراء نهرع إلى الشوارع بسرعة؟"، يضحك الفتى ثم يخفي ابتسامته قائلاً: "يبدو أن التفجيرات الآتية لن تميز فقيرا عن غنيّ".
"من الواضح أن الانفجارين الانتحاريين جزء من تداعيات الحرب السورية"، يقول مصطفى طعمة، وهو سنُي، التقته DWعربية في المكان، مضيفا أن "الهواجس حقيقية من أن ينفجر لبنان، نتيجة استعراض القوة من جانب حزب الله". ويردف: "التحارب في لبنان لن يحسم شيئا في سوريا. علينا أن نتوحد لنبعد عن خطر القاعدة والفكر الوهابي التكفيري".
هل تتحول لبنان إلى مسرح لحرب بالوكالة؟
وفي الإطار ذاته يتحدث ماجد شلحة، وهو سني، عن أن "حزب الله، كما الجماعات المتطرفة السنية في شمال لبنان، وبقية الفرقاء الحلفاء، لن يستطيعوا حسم معارك الإرهاب، فالانتقام والانتقام المضاد لن يجدي نفعا. وسيجد الجميع أن الحل الوحيد هو تحييد لبنان عن الصراع السوري الذي قد يطول ويصبح أكثر عنفا، أما نحن فأصبحنا أقرب إلى النموذج العراقي أو الأفغاني، حيث يفجر الإرهابيون أنفسهم ومعهم بلاد حافظت – على الأقل حتى اللحظة - على نوع من الاستقرار مقارنة بمحيطها المشتعل بنار الفتنة والطائفية (...)".
"الإرهاب عملة رخيصة في المنطقة"، تقول جمانة برجاوي. وتضيف اللبنانية الشيعية قائلة: "بوجود جيش من الانتحاريين والسيارات المسروقة، لم يعد الإرهاب يكلف الفاعلين الكثير، ومعظم ضحاياه من لا علاقة لهم بالصراع". وتوضح بالقول: "السيارات الانتحارية مجرد رسائل تهديد وانتقام، عادة يرد عليها الطرف الآخر برسائل مماثلة، ويدفع ثمنها غالبا مارة عابرون. الخطير في الأمر أن الانتحاري لا توُقفه أي حواجز، بل يفجر نفسه عند أول عائق. وهذا هو الأمر المرعب".
وتتباين آراء من التقتهم DWعربية في المنطقة بين مؤيد لتدخل حزبِ الله في سوريا وفي الوقت نفسه غيرَ آبه لما قد يستدعيه هكذا تدخّل على لبنان. وهؤلاء غالبيتهم من الشيعة المؤيدين للحزب والمؤمنين بأيديولوجيته. وبين الفئة المُعارضة لتدخله وغالبيتها من السُنة، يضاف إليهم أكثرية من الدروز والمسيحيين. لكن هناك أيضا بين الشيعة من يرفض تدخل حزب الله في سوريا، وبين السنة من يدعم بالرجال والسلاح المعارضة السورية، لكن ما يوحد الجميع هو "الإقرار بأن المشاركة في النزاع السوري تجلب إلى لبنان التفجيرات والتكفيريين".
للمجهول وجهان... والشعب واحد
خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، شهد محيط السفارة الإيرانية في بيروت الاشتباك الأول مع مُعارضي تدخل حزب الله وطهران في النزاع السوري. وقد أسفر تلك الحادثة عن مقتل هاشم السلمان، الناشط في تيار الانتماء اللبناني الذي يرأسه أحمد الأسعد، وهو من أبرز المعارضين الشيعة لحزب الله. ولم تُسجل بعدها أي مظاهرات أمام السفارة الإيرانية إلى أن وقع التفجيران الانتحاريان، اللذان تبنتهما "كتائب عبد الله عزام"، التابعة لتنظيم القاعدة، والتي صنّفتها الولايات المتحدة الأميركية على لائحة المنظمات الإرهابية في 24 مايو/أيار 2012. وفي لبنان تمركزت هذه الكتائب في مخيم عين الحلوة، وعملت على استقطاب شباب كانوا في تنظيمات إسلامية منحلة.
ومع دخول "الانتحاريين" عنصرا مرعباً على المشهد اللبناني، يؤكد الخبراء أن لبنان يكون قد انتقل من مرحلة خطرة إلى أخرى أشد خطورة. مع النزاع السوري، وبتدخل أطراف لبنانيين مباشرة فيه، يكون سببُ التفجيرات والتوترات الأمنية معلوما، لكنّ المجهولَ يبقى "مُتملكا" الشبابَ اللبناني. "هنا في بلدي، أشعر بغربة قاتلة"، يقول حسن لحاف (وهو سني). ويضيف: "وفي الهجرة مجهول وغربة أقسى، فللمجهول هنا وجهان؛ أول داخلي، مع مستقبل مُرعب لبلاد تنهار بإرهابييها، وثان خارجي مع غربة قد تكون مضيعةً للوقت ومن دون نتيجة". ويختم قوله: "هنا لبنان، هنا المجهول، وأصبحنا في قلب مخطط الإرهاب والانتحاريين...".