السعودية وإيران: تنافس بثوب طائفي لبسط النفوذ على المنطقة
٣٠ أبريل ٢٠١٣الصراع بين السعودية وإيران يظهر جليا في بعض الأمثلة على غرار سوريا والبحرين: ففي الوقت الذي تطالب فيه القيادة السعودية بتنحي نظام الأسد وتزود المعارضة بالدعم المالي لشراء الأسلحة، تزود طهران نظام الأسد بالأسلحة، ووفقا لتقارير إعلامية وتوقعات خبراء، حتى بقوات خاصة لإخماد الانتفاضة في سوريا. وكذلك حزب الله الشيعي (المدعوم بشكل كبير من إيران) فقد أرسل مقاتلين يقاتلون إلى جانب نظام الأسد.
ولكن في الحقيقة فإن السعودية لا تدعم الانتفاضة ضد الأسد بهدف دعم الديمقراطية في المنطقة. وذلك يظهر بوضوح في دولة البحرين المجاورة، التي ينتمي غالبية سكانها، إلى الطائفة الشيعية، حيث كانت السعودية أرسلت مطلع عام 2011 قوات ودبابات لإخماد انتفاضة الشيعة ضد العائلة المالكة السنية ذات الحكم الشمولي. الأمر الذي احتجت عليه طهران بشدة وردت عليه بدعوة علنية لشيعة البحرين بمواصلة المظاهرات الاحتجاجية ضد العائلة المالكة.
"الربيع العربي زاد من حدة النزاع بين السعودية وإيران"
وفي الواقع، فإن التنافس والتسابق بين السعودية وإيران من أجل بسط النفوذ على المنطقة ليس بالأمر الجديد. ولكن الجديد في ذلك أن عددا من دول المنطقة أصبحت مسرحا لهذا التنافس بل التناحر بين السعودية وإيران. "الربيع العربي سرّع من تطور ظاهرة كنا نلاحظها منذ عام 2003 وعلى أقصى تقدير منذ عام 2005"، حسب ما يقول غيدو شتاينبيرغ الخبير في شؤون الشرق الأوسط من مؤسسة السياسية والعلوم في برلين.
والأسباب في هذا التناحر كثيرة: ذلك أن كلا من السعودية وإيران يشكلان وزنا جيواسترتيجيا في المنطقة. كما أن السعودية، التي تصنف نفسها على أنها راعية للسنة، وإيران، الدولة الشيعية الوحيدة في العالم، يتمتعان بمساحة شاسعة وكلاهما يعد من أهم مصدري النفط في العالم. وفي الوقت الذي تعتبر فيه السعودية إلى جانب بقية دول الخليج العربية من أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فإن إيران تتعاون مع دول على غرار روسيا وكوريا الشمالية أو فينزويلا.
وقد كان الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 وإسقاط النظام الديكتاتوري الذي فرضه صدام حسين، الذي كان يعد العدو اللدود لإيران، من العوامل التي ساهمت في تغذية التناحر السعودي-الإيراني، وفق شتاينبيرغ الذي يقول في حديث مع DW "السعوديون لم يرو في الاجتياح الأمريكي للعراق تحريرا له بل تسليما له للأيادي الإيرانية".
مخاوف من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية
وفي الواقع، فإن التأثير الإيراني في العراق ذي الأغلبية الشيعية قد تزايد منذ سقوط صدام حسين، فمثلا تربط كبار السياسيين الشيعة العراقيين، على غرار رئيس الحكومة نوري المالكي، علاقات وطيدة بطهران وكذلك العديد من الأحزاب الشيعية في العراق تحظى بدعم مالي من إيران بالإضافة إلى أن ميليشيات وعددا من المقاتلين الذين يشكلون اليوم جزءا من الجيش العراقي فقد قضوا أيضا فترات تدريبية في إيران.
ولكن ليست السعودية فقط التي تراقب تنامي نفوذ إيران في المنطقة، بل إن "العديد من الحكومات السنية ترى في ذلك صعودا لطائفة معادية"، على ما يوضح شتاينبيرغ. ففي سياق متصل كان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد حذر نهاية عام 2004 من امتداد ما وصفه بـ"الهلال الشيعي" في المنطقة العربية، قاصدا بذلك - إلى جانب العراق وسوريا - لبنان، التي يشكل فيها حزب الله منذ سنوات دولة داخل الدولة.
ولكن هناك عاملا داخليا يغذي قلق السعودية وغيرها من دول المنطقة وهو حقيقة أن في العديد من الدول ذات الأغلبية السنية تعيش أقليات شيعية، ففي السعودية لوحدها يشكل الشيعة ما بين 5 إلى 10 بالمائة من إجمالي السكان. وهناك مخاوف من أن يتم استخدام هؤلاء من قبل إيران، وهي مخاوف يعبر عنها مثلا تعليق نشرته الصفحة الالكترونية لقناة الجزيرة الإخبارية في قطر الجزيرة.نت حيث تُتهم إيران بأنها "تخطط لنشر المذهب (الشيعي) بكل ما تستطيع من قوة في مختلف المناطق". لذلك فهي "تدافع عن الطوائف الشيعية في كل البلدان وتتواصل معها (...) وترسم لها المخططات التي تعزز مكانة إيران في المنطقة والعالم"، على ما جاء في التعليق نفسه.
"حرب باردة" إيرانية -عربية في الخليج؟
وقد أجّج البرنامج النووي الإيراني هذه المخاوف، الأمر الذي دفع السعودية إلى شراء الأسلحة بشكل متزايد، فوفقا لمعهد أبحاث السلام في ستوكهولم "سيبري" سجل الإنفاق العسكري للسعودية خلال عام 2012 لوحده ارتفاعا بنسبة 12 بالمائة. وعلى الرغم من أن السعودية نفسها لا تمتلك حاليا أسلحة نووية، وفق تقدير الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط غيدو شتاينبيرغ، إلا أنه "في حال أصبحت إيران قادرة على صنع قنبلة نووية، فإن السعودية سترد على ذلك فورا"، على حد تعبيره لافتا إلى أن ذلك سيؤدي إلى اندلاع "حرب باردة" في المنطقة. ولكن ومن المنظور السعودي فقد اندلعت هذه الحرب منذ فترة، حيث تحدثت صحيفة الشرق الأوسط ذات التمويل السعودي عن "الحرب الإيرانية الباردة الموجهة تحديدا ضد العرب والدول العربية". واعتبرت أن هذه "الحرب الباردة" تعد "إستراتيجية ثابتة في السياسة الخارجية للدولة الإسلامية الإيرانية".
وتمتزج المصالح الإستراتيجية بالتناحر السعودي الإيراني وبالتنافس التاريخي بين العرب والفرس وبالنزاع بين السنة والشيعة الذي يطغى عليه أحيانا الطابع العدائي. ويقول في هذا الصدد شتاينبيرغ إن "النزاع الطائفي بين السنة والشيعة يحتاج دائما إلى فتيل سياسي". فيما تكتب صحيفة الشرق الأوسط: "كان الخميني يسعى لتصدير الثورة بقوة السلاح." وتضيف قائلة: "ثم جاء خامنئي وحافظ على تصدير الثورة ولكن بأساليب أكثر دهاءا وصبرا."
ولكن السعودية بدورها تلعب أيضا على الورقة الطائفية، حيث تدعم في لبنان الطائفة السنية وفي سوريا المعارضة ذات الأغلبية السنية. والهدف من وراء ذلك هو من المنظور السعودي: كلما ضعف نفوذ إيران في المنطقة مثلا من خلال سقوط نظام الأسد في سوريا، كلما ازاداد نفوذ السعودية، حتى وإن تحتم عليها مواجهة منافسة سنية داخلية من قبل قطر وتركيا. ويرى شتاينبيرغ أن الطابع الديني للأنظمة السياسية في كل من السعودية وإيران يساهم في تصاعد حدة التوتر بين كلا الطرفين، ذلك أن كلاهما يطمح إلى اعتلاء منصب القيادة في العالم الإسلامي. "وإذا لم يتغير شيء أساسي من هذه الأنظمة فإن هذا الصراع سيستمر فترة طويلة وقد يشمل أيضا دولا أخرى."