إيران والغرب والنفط .. من سيصمد ويحسم النزاع لصالحه
٢١ أبريل ٢٠١٣يعتبر النفط الوقود الضروري للرفاهية والتطور التكنولوجي في الدول الصناعية، والنفط نعمة ونقمة للشعوب في نفس الوقت، فبسببه اندلعت حروب أيضاً. ورغم ازدياد استخدام الطاقات المتجددة، تزداد في الوقت نفسه الحاجة إلى الذهب الأسود.
ويملك عدد قليل من الدول احتياطيات كبيرة من النفط. وتتوفر معظم الاحتياطيات في السعودية وكندا وفنزويلا، في حين تحتل إيران المرتبة الرابعة. ورغم محدودية موارد النفط، فإن الغرب يدعي بأنه يستطيع الاستغناء عن بعض الاحتياطيات منه، بينها الاحتياطيات الإيرانية. وأقدمت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي وغيرها من الدول في السنة الماضية تدريجيا على مقاطعة النفط والغاز الطبيعي الإيراني وشددت العقوبات المفروضة على طهران، فما هي آثار هذه الإجراءات على سوق النفط العالمية والاقتصاد الإيراني؟
سيكولوجية سعر النفط
تعتبر أسواق النفط حساسة، فإذا ظهرت معالم نزاع، ينخفض العرض ويرتفع السعر. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عجز كبير في ميزانيات بعض الدول، وخاصة في ميزانيات الدول القوية اقتصاديا. وبموجب تقديرات معهد الاقتصاد العالمي التابع لجامعة كيل الألمانية، من المحتمل أن ينخفض النمو الاقتصادي في ألمانيا خلال فترة قصيرة بنسبة تتراوح ما بين 0,2 و0,3 بالمائة، إذا ارتفع سعر برميل النفط عشرة دولارات.
"لا يوجد في سوق النفط العالمية منتجون كثيرون. ولو كان واحد منهم غائبا، سيكون السعر مهددا بالارتفاع. وتقدم إيران حاليا 1,5 مليون برميل يوميا" للسوق العالمية، حسبما يقول ممدوح سلامه، الخبير في شؤون النفط ومستشار منظمة التجارة العالمية. ويضيف أن سعر البرميل سيزداد في حالة غياب نفط إيران عن السوق بما يتراوح بين 25 و30 دولارا.
ومنذ إقدام الولايات المتحدة على تشديد ضغوطها على الدول التي تستورد النفط الإيراني، أصبحت مجموعة المشترين أصغر. ويبدو أن إيران التي يعتمد اقتصادها على تصدير النفط، ستتكون الخاسر في نهاية نزاعها مع مناهضيها، الذين يجدون، حتى الآن على الأقل، بديلاً للنفط الإيراني.
مدى اعتماد الغرب على النفط الإيراني
"استوردت أوربا قبل المقاطعة 600 ألف برميل من النفط الإيراني يوميا"، يقول سلامه. ويضيف: "بعد فرض العقوبات على إيران، حلت ليبيا محلها". ورغم توقف إنتاج النفط في ليبيا كليا في فترة الثورة، فإن البلاد استأنفت بعدها تصدير النفط سريعا.
لم تترك مقاطعة النفط الإيراني آثارا تذكر على ألمانيا، التي تستورد "إلا كمية قليلة من النفط الإيراني بلغت نسبتها بين الواردات الإجمالية واحدا بالمائة تقريبا"، يقول هانس غيورغ بابيس، الباحث في المعهد الألماني للعلوم الجيولوجية والوقود. ويضيف أن دولا مثل روسيا والنرويج عوضت النفط الإيراني.
أما الولايات المتحدة فقد لجأت إلى الاعتماد على السعودية أكثر من ذي قبل. إلا أن ممدوح سلامه متشائم بهذا الشأن، إذ أنه يعتبر التقديرات بشأن الطاقات الإنتاجية السعودية مفرطة، ويشير إلى أنه: "عندما ارتفع عام 2008 سعر برميل النفط إلى 147 دولارا أمريكيا، لم تكف الطاقات السعودية لاستخراج كمية إضافية كي ينخفض السعر، أي أن السعودية لم تستطع التأثير على السعر، ولم يتغير ذلك". وعليه من المحتمل أن تكون الولايات المتحدة هي الخاسر في نهاية المطاف، كما يقول سلامه.
ما هي آثار المقاطعة على إيران؟
انخفضت إيرادات إيران من تصدير النفط في غضون سنة واحدة فقط إلى النصف، ورغم ذلك لايزال النفط المورد الأكبر لميزانية الدولة، ويستمر تدهور العملة الإيرانية. فمنذ عام 2011 انخفضت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار بنسبة 80 بالمائة. ويستمر تدهور اقتصاد البلاد ، وتزداد أسعار المواد الغذائية إلى حد كبير. فهل أدت العقوبات إلى إصابة إيران بشلل تام؟ كلا، تقول البيانات الإيرانية الرسمية، مشيرة إلى أن البلاد تبيع حاليا كمية أكبر من النفط مما كان هو الحال قبل تشديد المقاطعة السنة الماضية. إلا أن مصادر مستقلة تقول العكس، إذ أن كمية النفط المستخرج انخفضت بنسبة الثلث.
الخبراء ليسوا متفقين بشأن فعالية العقوبات الغربية على إيران، فالخبير في شؤون المواد الأولية ألكسندر بويغل من شركة جاي بي سي إنرجي الإستشارية،يرى الإجراءات ضد إيران فعالة، إذ "يبدو أن موقف المجتمع الدولي، بما فيه الصين، موحد هذه المرة، وهذا بحد ذاته نجاح كبير"، كما يقول. ويعتبر ممدوح سلامه أيضا أن العقوبات تركت آثارها على إيران، لكنها رغم ذلك لا تفكر في الاستسلام؛ ويضيف بأنه "من المحتمل أن تقول إيران: إذا استمريتم في ممارسة الضغط علينا، فإننا أيضا سنمارس الضغط عليكم، وذلك عن طريق إغلاق مضيق هرمز لإجبار دول الخليج الأخرى على عدم تصدير النفط". وفي هذه الحالة سيصبح سعر النفط غير مستقر. وستكون الولايات المتحدة في نهاية المطاف الخاسر الرئيسي، فحتى الآن يمر يوميا 20 مليون برميل من النفط عبر مضيق هرمز.
ويرى سلامه أنه يمكن حل المشكلة من خلال الاعتراف بإيران كدولة مالكة للأسلحة النووية، ويقول: "مهما كان مدى الضغط الذي يمارسه الغرب على إيران، فإنها ستواصل تنفيذ برنامجها النووي. ورغم أنها تقول حتى الآن إن برنامجها النووي سلمي، فإن هذا هو نصف الحقيقة فقط"، إذ أن الجميع يعرف أنه لا توجد دولة قادرة على تخصيب اليورانيوم تتوقف عند حد استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض سلمية فقط. "ستتجاهل إيران في نهاية المطاف كافة الضغوط وستصبح دولة مالكة للأسلحة النووية"، كما يقول سلامه. ولن يبقى للغرب إلا قبول ذلك، وهذا بالذات ما تريد إيران التوصل إليه.