حقبة ما بعد شارون تبدأ بخارطة حزبية أكثر تباينا وتعقيدا
٢٩ مارس ٢٠٠٦أفرزت الانتخابات الإسرائيلية التي جرت يوم أمس معادلة حزبية غاية في التعقيد. وإذا أراد المرء أن يصدر حكما سريعا على نتائج هذه الانتخابات، فان أبسط شيء يمكن قوله هو أن الوضع لم يتغير كثيرا عما كان عليه الحال قبل الانتخابات وأن الامر لن يكون سهلا على رئيس الوزراء القادم، فالمعطيات الحالية تبين عدم وجود إمكانية لتحالف يجمع الوسط واليسار أو الوسط واليمين. كاديما الذي حصل على أغلبية الأصوات بواقع 28 مقعدا أصبح الآن أكبر الأحزاب الإسرائيلية، لكن كلمة "أكبر" يمكن أن تكون غير دقيقة في هذا السياق. فهذا الحزب فاز بأقل من ربع مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعدا، والبقية تتوزع على أحزاب كثيرة متعددة التوجهات والبرامج والمصالح. ويبدو أن الأيام التي كانت فيها الأحزاب الإسرائيلية الكبيرة مثل الليكود والعمل تتجاوز فيها حاجز الأربعين مقعدا قد ولت، حتى أن حزب الليكود الذي سيطر على حكومات الدولة العبرية المتعاقبة في العقدين الماضيين أصبح يجد نفسه في المركز الخامس بعد أحزاب لا يعود تاريخ تأسيسها الا لبضع سنوات مثل حزب "اسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف الذي يمثل أصوات المهاجرين الروس.
بيتر فيليب، الخبير في شؤون الشرق الاوسط وكبير مراسلي دويتشه فيله، علق على نتائج الانتخابات بقوله: "ان انتخاب حزب كاديما لا يشكل بأي حال من الأحوال بداية مشعة لعملية السلام في المنطقة. تصويت الإسرائيليين لكاديما كان بمثابة موافقة خجولة على خطط رئيس الحزب التي لن يكتب لها النجاح مطلقا." وتابع فيليب قوله: "على أولمرت أن يبحث الآن عن أحزاب تدخل معه في تحالف وتتفق معه على الحد الأدنى فيما يتعلق بخططه إزالة مستوطنات إسرائيلية وترسيم الحدود". ويرى الخبير الالماني انه "لا يوجد حزب واحد في اسرائيل يدعم بصراحة خطط كاديما للانفصال عن الفلسطينيين بهذا الشكل، ولذلك يمكن اعتبار فرحة أولمرت بالفوز محدودة للغاية."
حكومة الوسط ـ اليسار: الممكن وغير الممكن
تتفق معظم التحليلات على أن حزبي العمل بقيادة عمير بيرتس (20 مقعدا) وميرتس ـ يحاد اليساري بقيادة يوسي بيلين (5 مقاعد) هي أقرب الاحزاب وربما أقلها تشددا فيما يتعلق بايجاد صيغة توافقية لتشكيل الحكومة مع كاديما، الا انها مجتمعة لن تحصل على 61 من مجموع الاصوات المطلوبة لتشكيل الحكومة. ومن المتوقع أن يشكل كديما ائتلافا يضم الى جانب العمل وميرتس مجموعة من الأحزاب الصغيرة التي تتراوح بين الفصائل اليهودية المتشددة وحتى الجماعات المدافعة عن حقوق المسنين. يوسي فيرتر، وهو محلل سياسي بصحيفة هآرتس لخص الامر بالقول: "في الظاهر يمكن لاولمرت أن يشكل ائتلافا من 80 مقعدا خلال شهر واحد. السؤال هو الى أي مدى يمكنه التحرك مع مثل هذه الحكومة؟"
آفي بريمور، السفير الاسرائيلي السابق في المانيا، اعتبر في حوار مع DW-WORLD.DE أن مشاركة العمل في الحكومة القادمة بقوة سيشكل عامل ضغط على أولمرت باتجاه إجراء محادثات مع الفلسطينيين، وهذا ما لم يرفضه أولمرت صراحة، لكنه ترك الخيار لنفسه مفتوحا باتخاذ خطوات من جانب واحد اذا لم "يثبت الفلسطينيين أنهم أهلا للتفاوض." يذكر أن عمير بيرتس كان قد التقى قبيل الانتخابات بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وأكد في ذلك الحين على رفضه للحلول الأحادية وانه لا بديل عن التفاوض مع الفلسطينيين على خطوات الحل النهائي للنزاع. الخلافات بين اليسار والوسط قد تبدو أكثر اتساعا وتعقيدا على صعيد السياسات الداخلية، فحزب العمل يطالب بمعالجة قضايا الفقر وفرض حد أدنى للأجور واتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق العدالة الاجتماعية في البلاد. وهذه المطالب هي التي ضمنت، حسب المراقبين، للحزب حصوله على الموقع الثاني في الخارطة الحزبية الإسرائيلية بفارق 8 مقاعد فقط عن كاديما.
"انهيار الليكود يشكل "صدمة كبرى"
رأت الصحف الاسرائيلية اليوم الأربعاء ان الانتخابات الإسرائيلية كرست انهيار اليمين القومي المعارض لاي تنازل عن أراض ولرغبة الإسرائيليين في الانفصال عن الفلسطينيين. صحيفة "يديعوت احرونوت" الواسعة الانتشار كتبت تقول: "غالبية الناخبين حسموا امرهم: ايهود اولمرت سيشكل الحكومة المقبلة". وأضافت الصحيفة "ان فوز كاديما وانهيار الليكود يشكلان "صدمة كبرى". من جهتها نشرت "معاريف" في صفحتها الاولى عنوان "السقوط" مع صورة لبنيامين نتانياهو زعيم الليكود الذي كان نوابه يشغلون ثلث مقاعد البرلمان قبل ان ينسحب رئيس الوزراء ارييل شارون لتأسيس حزبه كاديما في تشرين الثاني/نوفمبر 2005.
اما في صحيفة "يديعوت احرونوت"، فقد جاء "انتقام شارون" عنوانا لافتتاحية بقلم ناحوم بارنيا الذي تحدث عن ظل شارون الذي خيم على الانتخابات. وكتب ناحوم بارنيا ان "الخبر المدوي الليلة الماضية لم يكن كاديما ولا حزب العمل بل انهيار الليكود الذي يشكل انتقاما هادئا للرجل الراقد في مستشفى هداسا. هذا الرجل الحق وهو مغمض العينين هزيمة ساحقة بنتانياهو" خصمه السابق في الليكود الذي تزعم معارضة الانسحاب "التاريخي" من قطاع غزة. وتابع "اما الناخبين، فقبلوا ايهود اولمرت وبرنامجه، رغم غياب واضح لحماستهم.
وفي معرض تعليقه على نتائج اليمين الإسرائيلي قال آفي بريمور: "لا شك أن الانتخابات أضعفت اليمين الإسرائيلي بشكل واضح، فهو اليوم مبعثر ومشتت أكثر من أي وقت مضى." ويرى بريمور أن اهم ما في الامر هو "أن اليمين لم يعد قادرا على تشكيل ائتلاف يميني، كما انه غير قادر على الوقوف في وجه تشكيل ائتلاف من أحزاب أخرى." أما مارغريت جوهانسون، الخبيرة الألمانية في معهد أبحاث السلام والدراسات الأمنية في جامعة هامبورغ، فقد خالفت بريمور الرأي معتبرة أن حزب "إسرائيل بيتنا" المتطرف حصل على 13 مقعدا، وهذا يعني أن نسبة مهمة من الشعب الإسرائيلي تؤيد اتجاهات الحزب المتعلقة بترحيل الفلسطينيين عن أراضيهم، وهذا مؤشر خطير حسب رأيها.
ترحيب دولي بفوز كاديما
وقالت مفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي بنيتا فيريرو- فالدنر اليوم الاربعاء ان الاتحاد الاوروبي مستعد للعمل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة لانعاش عملية السلام في الشرق الاوسط. وقالت فيريرو- فالدنر: "ان هذه الانتخابات مهمة لاسرائيل والشرق الاوسط واوروبا". وتابعت "بالاضافة الى الانتخابات الفلسطينية، فان الانتخابات الاسرائيلية سيكون لها تاثير كبير على احتمالات التحرك باتجاه حل سلمي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني". واضافت المسؤولة الأوروبية "ان الاتحاد الأوروبي كعضو في اللجنة الرباعية، على استعداد للعمل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة لتعزيز الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء". من جهته اعلن وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي اليوم الاربعاء ان فوز حزب كاديما بزعامة ايهود اولمرت في اسرائيل "نبأ سار للسلام" لكن على الحكومة الجديدة ان تتخلى عن "السياسة الاحادية" التي تنتهجها مع الفلسطينيين. وصرح الوزير لمحطة "ال سي اي" ان "ايهود اولمرت رجل السياسة الاحادية، في الوقت ذاته لطالما اراد الاعتراف بوجود شعبين ودولتين تعيشان بامن وسلام".
أما على الصعيد العربي فقد قال قادة عرب اليوم الاربعاء انهم لا يتوقعون تغيرا يذكر بعد الانتخابات الاسرائيلية. وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس للصحفيين في الخرطوم حيث يحضر القمة العربية السنوية "هذه النتائج لن تغير /شيئا/ ما لم تتغير اجندة اولمرت نفسه وان يقلع عن موضوع الاتفاقيات احادية الجانب." وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان فوز حزب كديما بزعامة اولمرت كان متوقعا والاكثر اهمية هو رؤية شكل الائتلاف الذي سيقوم بتشكيله وكيف سيكون مساره وهل هو سلمي ام لا. أما أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى فقال انه لا يمكن القبول بالتخلي عن قضية القدس او قبول انسحاب من جانب واحد حسب رغبة الإسرائيليين. واضاف انه مثل هذه الحلول لن تنجح وستؤدي لتفاقم الأوضاع.