جمود الأجور يهدد الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا
٧ يناير ٢٠٠٨شهد الاقتصاد الألماني حالة انتعاش نجم عنها ارتفاع معدل النمو السنوي بشكل غير مسبوق خلال السنوات القليلة الماضية، وهو الأمر أدى بدوره إلى زيادة عدد الذين التحقوا بسوق العمل، وبالتالي إلى تراجع مستوى البطالة في البلاد من أكثر من 4 ملايين إلى 3.4 مليون عاطل عن العمل خلال العامين الماضيين وفقا لآخر الإحصائيات.
حالة الانتعاش هذه حدت بوزير الاقتصاد الألماني ميشائيل جلوز إلى القول بأن المواطنين بدأوا يحصدون ثمار حالة الانتعاش وبأن السنوات العجاف قد ولت، مستدلا على ذلك بتراجع البطالة وبتوقعات النمو السنوي التي تبلغ حوالي 2 في المائة. لكن ورغم تصريحات الوزير فإن السؤال المطروح هو: هل يشعر المواطن الألماني بالفعل بتحسن وضعه الاقتصادي؟
الانتعاش الاقتصادي لم ينعكس على حياة المواطن
تشير استطلاعات الرأي إلى أن هناك ثمانية من كل عشرة ألمان لا يشعرون بالاستفادة من التطوّر الإيجابي للاقتصاد الألماني. ويرجع السبب في ذلك إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة الألمانية كان تقشفيا إلى حد كبير، وهو ما يعني جمود مستوى الأجور وعدم إدخال أية تعديلات على السياسة الخاصة بها كي تتلاءم مع حالة الانتعاش التي حصلت خلال السنوات المنصرمة. كما أقدمت على رفع ضريبة المبيعات بنسبة 2 في المائة لتصبح 19 بدلاً من 16 بالمائة. وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض القوة الشرائية لغالبية المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار. ويخشى خبراء اقتصاديون من أن يؤثر ذلك بشكل سلبي على النمو الاقتصادي بسبب تراجع الطلب الداخلي على الاستهلاك. ويشكّل هذا الطلب أحد أهم عوامل الانتعاش في السوق الألمانية التي يبلغ قوامها أكثر من 81 مليون مستهلك.
تدنى مستوى الدخل بشكل غير مسبوق منذ زمن طويل
في هذا السياق أعرب وزير المالية الألماني بير شتاينبروك عن قلقه فيما يتعلق بتطور الأجور في بلاده، مشيرا إلى أن مستوى الأجور في ألمانيا ساء منذ إعادة توحيد شطري البلاد بنسبة 1.3 في المائة مقارنة بما كان عليه عام 1991. ومما يعنيه ذلك في رأيه عدم استفادة العاملين في ألمانيا من التطور الذي حدث في البلاد خلال العقدين الأخيرين، وفقا لما نقلته صحيفة "فرانكفورتر روندشاو" الألمانية في عددها الصادر السبت الماضي عما أسمتها "ورقة إستراتيجية" تقدم بها الوزير للاجتماع المغلق للهيئة العليا للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه.
وحسب الصحيفة فقد نصت ورقة الوزير على أنه " لم يكن تطور الدخل في تاريخ ألمانيا ضعيفا لهذه الدرجة على مدى مثل هذا الوقت الطويل". كما خلصت إلى القول بأن استمرار النمو الاقتصادي لن يكون ممكنا إلا إذا تعزز الاستهلاك الداخلي إلى جانب قطاع التصدير.
يشار هنا إلى أن موضوع "الدخل المنخفض" أصبح مطروحا للنقاش على طاولة الأحزاب السياسية، حيث تبنى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضمن حملته الانتخابية موضوع وضع حد أدنى للأجور، فيما يرفض شريكه في الائتلاف الحكومي، الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة ميركل الخوض في هذا الموضوع وترك الأمر لآليات السوق.
تراجع مستوى البطالة مع ظهور فئة "العمال الفقراء"
وبالإضافة إلى تراجع مستوى البطالة خلال الفترة الماضية فإن توقعات مكتب العمل الاتحادي الألماني بشأن سوق العمل خلال العام الحالي تشير إلى إن الشركات الألمانية ستواصل توظيف عمال جدد بمعدلات عالية، وهو الأمر الذي يدعم الاستهلاك المحلي. يذكر أن إجمالي عدد العاملين في ألمانيا بلغ بنهاية العام الماضي 39.7 مليون عامل، وهو أعلى مستوى له منذ إعادة توحيد البلاد عام 1990. كما أن معدل البطالة بنهاية العام الماضي كان أقل منه في نهاية 2006 بنسبة 1.7 نقطة مئوية.
لكن انخفاض عدد العاطلين عن العمل وزيادة عدد المشتغلين لا يعني بالضرورة، وفقا للمحللين الاقتصاديين ـ تحسن الوضع الاقتصادي للمواطن الألماني، مشيرين بأن تدني الأجور يجعل من أصحاب الوظائف غير قادرين على المواءمة بين دخلهم المنخفض ومتطلبات الحياة، لاسيما في ظل تزايد مستوى الأسعار. في هذا السياق تشير دراسة صادرة عن اتحاد نقابات العمال الألمانية إلى أن عدد العمال الذين يحتاجون لمساعدات اجتماعية ارتفع عام 2007 إلى أكثر من الثلث، ليصل إلى 1.3 مليون شخص.
وهناك مشكلة أخرى يتنبأ بها الخبراء في هذا السياق، وتتمثل فيما يسمونه "بفقر كبار السن"، حيث يشيرون في هذا السياق إلى أن تدني مستوى الأجور في الوقت الحالي من شأنه أن ينعكس على النظام التقاعدي، إذ تتزايد ظاهرة الفقر مع تقدم العمر. ويشير خبير النظام التقاعدي بيرت ريوروب إلى أنه خلال 15 عاماً على أكثر تقدير سيكون موضوع "فقر كبار السن" من القضايا الملحة.