الملف النووي الإيراني: أما زال للدبلوماسية فرصة؟
١٢ أبريل ٢٠٠٦بإعلانها عن نجاحها في إنتاج اليورانيوم المخصب صناعيا، تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد فجرت المفاجأة التي وعدت بها وساهمت في الوقت نفسه في نقل الأزمة حول ملفها النووي إلى مرحلة جديدة وربما أكثر تصعيدا. وبقدر ما عزز هذا الإعلان من مزاعم الدول التي تؤكد بان طهران تسعى لإمتلاك القنبلة النووية، بقدر ما وضع الدول التي كانت تميل إلى، بل وتراهن على، الحل الدبلوماسي في موضع حرج. أما إيران فقد أرادت من جانبها أن تضع كلا من الأعداء والأصدقاء أمام الأمر الواقع، لاسيما بعد تزايد الضغوط الدولية عليها وبالذات عقب نقل ملفها النووي إلى أروقة مجلس الأمن الدولي الذي بدوره وضع طهران أمام مهلة زمنية ضيقة لوقف نشاطاتها النووية. كما يأتي هذا الإعلان الإيراني بهذا الشكل الاستعراضي كاستمرار لما يمكن تسميته "بسياسة إيرانية جديدة" تتمثل في اللجوء إلى استعراض للعضلات. ولعل المناورات العسكرية الأخيرة قرب مضيق هرمز والإعلان عن تطوير أسلحة تقليدية حديثة يصب في هذا الاتجاه.
ردود الأفعال الدولية
وفي كل الأحوال أثارت هذه الخطوة الإيرانية ردود أفعال دولية سريعة وبالذات من قبل الدول التي تعرب باستمرار عن قلقها من الطموحات النووية الإيرانية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. ومما لاشك فيه أن سرعة ردود الأفعال الدولية على إعلان طهران نجاحها في تخصيب اليورانيوم تعبر عن مدى اهتمام هذه الدول بهذا الموضوع وأولويته على أجندتها. وقد اتفقت كل من واشنطن وباريس وتل أبيب وحتى هذه المرة موسكو على وصف هذه الخطوة الإيرانية بأنها "خطوة في الاتجاه الخاطيء". ولم يذهب الاتحاد الأوروبي بعيدا عن ردود الفعل تلك، إذ قالت ايما اودوين، المتحدثة باسم بنيتا فيريرو فالدنر مفوضة الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية بأن الأمر "يدعو للأسف"، وإن كانت قد أكدت استمرار الاتحاد في مواصلة الضغط للتوصل لحل دبلوماسي للنزاع. من جانبها اعربت المانيا عن "قلقها البالغ" إزاء إعلان ايران عن تخصيبها لليورانيوم. أما الصين، التي وقفت مع روسيا ضد نقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، فلا زالت تعتقد ان حلا دبلوماسيا من خلال المفاوضات هو أفضل سبيل للخروج من الازمة، حسب ما جاء على لسان السفير الصيني لدى الأمم المتحدة.
وكالة الطاقة الدولية لازالت متفائلة
من جانبها مازالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تلتزم الصمت وترفض التعليق على الموضوع. يذكر أن هذا الإعلان الإيراني، جاء عشية زيارة مدير عام الوكالة، محمد البرادعي، لطهران لبحث مسألة ملفها النووي، الأمر الذي اُعتبر خطوة إستباقية من الجانب الإيراني لتوجيه المفاوضات في اتجاه آخر. كما يشكل هذا الإعلان ضربة لآمال الوكالة الدولية وكذا موسكو اللتين كانتا تؤكدان على أن موضوع التخصيب مازال في مرحلة الشكوك حتى قبيل هذا الإعلان. ومع ذلك لازال البرادعي يؤمن بتغليب جميع الأطراف للعقل حتى في هذه الظروف: "لازلت متفائلا وسيتأكد للجميع إن عاجلا أم آجلا بانه لا يوجد طريق آخر غير العودة إلى طاولة المفاوضات". يشار هنا إلى أنه يتوجب على البرادعي تقديم تقرير إلى مجلس الأمن حتى 28 من ابريل/نيسان الجاري حول الملف النووي الإيراني وعما إذا كانت إيران تمتلك فعلا برنامجا لتصنيع الرؤوس النووية. ولكن لا يبدو كما انه من غير المتوقع ان يصل البرادعي إلى نتيجة مع القيادة الإيرانية. فقبل حوالي 24 ساعة فقط من وصوله إلى طهران قال الرئيس الإيراني بانه لا احد يستطيع أن يجبر بلاده على وقف برنامجها النووي. فيما جدد مسئول إيراني اليوم رفض بلاده وقف أنشطتها النووية قائلا بان هذه الأنشطة "مثل شلال بدأ يتدفق. لا يمكن وقفه".
أما زال الحوار ممكنا؟
سياسة الترغيب والترهيب التي اتبعتها الدول الغربية مع طهران لم تأت بنتائج مثمرة، كما أن سياسة التهديد والوعيد التي تسير عليها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الغربية لم تثن إيران عن موقفها. طهران تتمسك بحقها قي تخصيب اليورانيوم "للأغراض المدنية" وتعتبر ذلك "مسالة وطنية"، بينما تعرب الدول الغربية عن مخاوفها من ان تكون طموحات إيران أكثر من مجرد الحصول على الطاقة. إذا والحال كذلك يبقى السؤل العملي هو ما هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الموضوع ؟ يعتقد المحلل السياسي الألماني بيتر فليب بأنه من حيث المبدأ من حق إيران، كدولة غير موقعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. ويشير فليب في تعليق له لمؤسسة دويتشه فيله بان القلق الذي تبديه كل من واشنطن وتل أبيب ومؤخرا بروكسل من أن إيران تسعى إلى امتلاك القنبلة النووية، يقوم في الأساس على الشك وليس على الحقائق. وحتى مع إعلان ايران عن قيامها بالتخصيب وبأنها اصبحت تنمتمي للنادي النووي العالمي، إلا انها لم تصبح بعد قوة نووية، اضف الى أن إنتاج القنبلة النووية يعد أكثر تعقيدا وبحاجة إلى خطوات كثيرة قد تستغرق سنوات، وهو ما لن يسمح به المجتمع الدولي اصلا. ويعتقد الخبير الألماني بأن الحوار البناء مع طهران، وليس الضغوط والرقابة، هو الأسلوب المناسب للتعامل مع هذا الملف وفي إزالة الشكوك بين الدول الغربية وإيران، والسبب في ذلك كما يراه فليب هو ان إيران "تشعر باستمرار بأنها تحت ضغوط الدولية والوصاية وبالتالي فإنها تحاول أن تثبت لنفسها وللعالم بأنها قوية بما فيه الكفاية في مواجهة تلك الضغوط".