التقرير السنوي عن الأجانب في ألمانيا يعكس واقع التعدد الثقافي
إذا اعتبرنا حيازة جواز السفر الألماني المعيار الوحيد لتحديد نسبة الأجانب في ألمانيا، فإن البيانات الإحصائية تؤكد انخفاضا نسبيا في عدد الأجانب المقيمين في ألمانيا. وعلى الرغم من ذلك فإن درجة التعدد الثقافي والإثني في التركيبة الاجتماعية للمجتمع الألماني تزداد بشكل ملحوظ. هذا الظاهرة، التي تبدو متناقضة الجوهر للوهلة الأولي، تعود إلى الارتفاع المزايد في عدد الأجانب الذين يحصلون على الجنسية الألمانية، ففي الخمسة أعوام الأخيرة تم تجنيس ما يزيد على 5 مليون أجنبي.
واقع ألماني متعدد الثقافات
تجري العادة منذ عدة سنوات أن تقوم مفوضة شؤون الأجانب في الحكومة الألمانية الاتحادية ماري لويسة بيك بإصدار تقرير عن فعالية الإجراءات الحكومية في مجال دمج الأجانب في المجتمع الألماني. تؤكد المسؤولة في تقرير عام 2004 الذي صدر مؤخرا أنه يعيش في الوقت الحاضر في ألمانيا أكثر من 14 مليون مواطن ألماني ينحدرون من أصول أجنبية. ورغم أن ماري لويسه بيك تشير مستخدمة لغة الأرقام إلى النجاحات التي حققتها الحكومة الاتحادية في تسهيل إجراءات التجنيس، وخاصة بعد دخول قانون الهجرة الجديد حيز التنفيذ في بداية هذا العام، إلا أنها تؤكد على أنه "يجب على مجتمع الأغلبية الألماني أن يتعلم التعامل البناء مع التنوع الثقافي والإثني". وعلاوة على ذلك فإنها تشير في التقرير نفسه إلى أن كل رابع مولود جديد يحمل على الأقل جواز سفر أجنبي. ويأتي هذا التطور في ظل التراجع الملحوظ في نسبة المواليد لدى الشعب الألماني، وهو ما سيهب هذا القضية بعداً جديداً في القريب العاجل، ويحولها إلى أحد القضايا المحورية في إطار السياسة الداخلية لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
الاندماج سيرورة تبادلية
لا شك في أن عملية دمج المهاجرين الجدد لا تتم بشكل تلقائي ودون بذل جهود كبيرة، لأنها سيرورة اجتماعية تبادلية يرتبط نجاحها إرتباطاً وثيقاً بالتعاون المشترك بين مجتمع الأغلبية (هنا المجتمع الألماني) والمهاجرين القادمين إلأى بلادهم من شتى أنحاء المعمورة. وهنا تشكل معرفة اللغة الألمانية وإجادتها مفتاح الاندماج والمشاركة الاجتماعية الأول. كما أنها أحد الشروط الحاسمة للاندماج المهني وللحصول على فرصة عمل في السوق الألمانية. لذلك فإن مصلحة المهاجرين الجدد تكمن في بذل قصارى جهودهم من أجل تعلم اللغة الألمانية، نطقاً وكتابة، طبقا لمعايير جودة موحدة وأهداف تعليمية محددة. وفيما يتعلق بالمجتمع الألماني فعليه أن يتحرك بمرونة ودون تحفظ، وأن يقابل جهود هؤلاء المهاجرين بكل تقدير. وفي هذا السياق ينبغي الإشارة غلى انه تم نقل ما كانت تقوم به رابطة اللغة الألمانية للأجانب من دعم لدورات اللغة الألمانية للعاملين من الأجانب انتظارا لتوزيع الاختصاصات حسب قانون الهجرة إلى المكتب الاتحادي لقبول اللاجئين الأجانب الذي يواصل القيام بهذا الدعم.
تفاوت في فرص التعليم
ووفقاً لتقرير هذا العام فإن الصعوبات الكبرى تكمن في درجة التفاوت الملحوظ في فرص التعليم في المجتمع الألماني. فكل رابع تلميذ ألماني ينهي المرحلة المدرسية حاملاً شهادة الثانوية العامة، مقابل تلميذ واحد من كل عشرة تلاميذ ينحدرون من أصول أجنبية.وما يزيد الطين بلة في هذا السياق هو أن 20% من هؤلاء التلاميذ يتركون مدارسهم دون الحصول على أية شهادة مدرسية، وهو ما يعود بالدرجة الأولى إلى عدم إجادتهم للغة الألمانية. كما أن آثار هذا العجز لا تخفى عن عين البيانات الإحصائية التي تشير إلا أن نسبة البطالة بين المهاجرين الأجانب أعلى بكثير من نسبتها بين "جيرانهم" الألمان.
وعلى الرغم من أن التقرير لا يحتوي على بيانات حول ظاهرة "الغيتو" و"المجتمعات المحاذية"، التي تصف ظاهرة تكوّن تكتلات عرقية تعيش جنباً إلى جنب دون أن يكون بينها تواصل حقيقي، إلا أن ألمانيا تقف اليوم على عتبة مرحلة جديدة في عملية الاندماج، لأن أبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع لا يرغبون أن يبقوا دائماً مجرد "حالات اجتماعية صعبة". ويعود ذلك إلى أن معظمهم يتطلع بشوق إلى المشاركة في صنع مستقبل وطنهم الجديد. كما يرون أنه من الواجب الاعتراف بطاقاتهم وإنجازاتهم، لأن الاندماج المثمر يصبح حقيقة حين يدرك الجميع أن التنوع الثقافي والحضاري إثراء للمجتمع في حد ذاته.