كلاوس ل. هاوزن: على العرب والمسلمين بناء الثقة في المجتمع الألماني
يعد الدكتور كلاوس لفرينغ هاوزن من الخبراء المعروفين في مجال اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني. وخلال ولايته كمكلف بشؤون الاندماج في حكومة ولاية الراين - وستفاليا، كبرى الولايات الألمانية من حيث عدد السكان، كرس هذا الرجل معظم وقته لقضية اندماج العرب والمسلمين في هذا المجتمع. كما اهتم بشكل خاص في تصحيح صورة الإسلام في ألمانيا بعد الأحداث الأليمة التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية. وفي إطار مساعيه من أجل التوصل إلى تفاهم بين العرب والمسلمين من ناحية وأفراد المجتمع الألماني من ناحية أخرى، دأب على جمع مختلف الأطراف المعنية لمناقشة قضايا حساسة مثل موضوع بناء المساجد في مدن الولاية على سبيل المثال. ويتميز هذا الرجل بحرصه الدائم على إقامة الحوار بين المسلمين وغيرهم على قدم المساواة مما طوّر آليات هذا الحوار بشكل ملموس. موقع دويتشه فيلّه باللغة العربية أجرى معه الحوار التالي:
دويتشه فيلّه: هل لكم بداية إعطائنا فكرة عن تصوركم لمفهوم الاندماج؟
لفرينغ هاوزن: بادئ ذي بدء أود أن أؤكد على أن المهاجرين جزء لا يتجزأ من مجتمعنا. أما اندماجهم فيه فلا يمكن تشبيهه بقطرة ماء ينبغي تلاشيها في لجة بحر كبير. وهنا أقصد تلاشيها في المجتمع الألماني وفقدانها لهويتها. من جهتي أتصور المجتمع الألماني في ظل الاندماج كلوحة بديعة من الفسيفساء يكمن سر جمالها في تنوع وتعدد ألوانها.
دويتشه فيلّه: لكن ماذا عن الرأي السائد في المجتمع الألماني تجاه موضوع اندماج المهاجرين؟
لفرينغ هاوزن: بوجه عام لا يمكن للمرء أن ينكر وجود بعض الصعوبات التي تقف عائقاً أمام إتمام عملية الاندماج وإشراك المهاجرين في الحياة العامة. ولكني لاحظت خلال السنوات الأخيرة أن العديد من المؤسسات الاقتصادية وغيرها تحرص على تكوين مجموعات عمل ينتمي أفرادها إلى ثقافات وأجناس مختلفة، فمثل هذا التنوع يعود بنتائج وحلول فريدة تدر بالنفع على الجميع. أتمنى أن يتبنى المجتمع الألماني هذا الاتجاه أيضاً وأن يدرك أفراده أن التنوع الثقافي والحضاري هو في حد ذاته إثراء للمجتمع.
دويتشه فيلّه: ما هو تقيمكم للإنجازات التي تم تحقيقها في مجال اندماج المهاجرين في هذا المجتمع حتى الآن؟
لفرينغ هاوزن: تقف ألمانيا اليوم على عتبة مرحلة جديدة في عملية الاندماج، إلا أن أبناء المهاجرين من الجيلين الثالث والرابع لا يرغبون أن يبقوا دائماً من ذوي الحالات الاجتماعية الصعبة. ويعود ذلك إلى أن معظمهم يتطلع بشوق إلى المشاركة في صنع مستقبل وطنهم الجديد. كما يرون أنه من الواجب الاعتراف بطاقاتهم وإنجازاتهم. وعليه يجب على المسؤولين عن سياسة الاندماج في ألمانيا تشجيعهم على ذلك والتخلي عن فكرة كونهم مجرد اخصائيين اجتماعيين.
دويتشه فيلّه: هل هناك خطوات معينة يجب على المهاجرين العرب والمسلمين إتباعها، كي يتمكنوا من التمتع فعلياً بالمساواة في المجتمع الألماني؟
لفرينغ هاوزن: أعتقد أن كثيراً من المسلمين الذين هاجروا إلى ألمانيا يفدون إلينا من مجتمعات يتم فيها الاعتراف تلقائيا بالهوية الإسلامية. ولكن في ألمانيا يختلف الأمر بعض الشيء لأن قسماً هاماً من المواطنين الألمان لا يعرفون الكثير عن الإسلام. أود أن أنصح المنظمات والجمعيات الإسلامية في ألمانيا الابتعاد عن طريق القضايا والمحاكم بخصوص حل النزاعات. وبدلاً من ذلك اعتقد أن عليها السعي من أجل بناء الثقة مع أفراد المجتمع الذي تنشط فيه. ومن الممكن أن يتحقق ذلك عن طريق إظهار وإثبات اهتمامها بكل ما فيه خير للوطن الألماني. أما مجتمع الأغلبية، أي المجتمع الألماني فعليه أن يتحرك وأن يقابل جهود المسلمين بكل تقدير. كما يجب عليه أن ينفتح أكثر على الإسلام وأن يتعرف على هذا الدين الحنيف من الداخل من خلال الحوار البناء مع معتنقيه.
دويتشه فيلّه: ما هو تصوركم لمستقبل سياسة الاندماج في ألمانيا؟
لفرينغ هاوزن: أعتقد أن قضية اندماج المهاجرين ستكون في القريب العاجل أهم القضايا المحورية في إطار السياسة الداخلية لجمهورية ألمانيا الاتحادية. وبسبب تراجع نسبة المواليد لدى الشعب الألماني سيشكل أبناء المهاجرين في المستقبل جزءاً كبيراً من الجيل الشاب في ألمانيا. بناء عليه لا يمكن إيقاف عملية الاندماج، لكنها لن تتم بشكل تلقائي ودون بذل جهود كبيرة.
دويتشه فيلّه: نشكركم على هذا الحديث الشيق، وهل لكم أن توجهوا كلمة إلى قرائنا العرب؟
لفرينغ هاوزن: لدي إحساس أن العالم ينتظر بلهفة نجاح البديل الوحيد لصراع الحضارات. هذا البديل يجب أن نتدرب عليه أولاً في مدننا وبلداننا. وفي حالة توصلنا إلى نتائج طيبة نستطيع تشجيع الآخرين على تفهم حقيقة أن الحوار هو البديل الوحيد للصراع وحل النزاعات.
كلاوس لفرينغ هاوزن في سطور
وُلد كلاوس لفرينغ هاوزن وهو الرجل الذي حلم بالوئام بين الثقافات والأديان منذ نعومة أظفاره في مارس/آذار عام 1934. وفي جامعة كولونيا درس الاقتصاد وعلم الاجتماع ونال درجة الدكتوراة فيها عام 1964. وفي الفترة ما بين 1971 و 1974 كلفه غوستاف هاينهمان، الرئيس الأسبق لجمهورية ألمانيا الاتحادية برئاسة منتدى التنمية والتعاون الدولي. بعد ذلك ترأس المؤتمر الكنسي المشترك لقضايا التنمية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهناك لعب لسنوات عدة دور الوسيط في حل الصراعات العرقية وتهدئة وتيرة الحروب الأهلية. ولعل أبرز المهام التي ضلع بها إبان توليه هذا المنصب الوساطة بين متمردي جنوب السودان والحكومة في الخرطوم بقيادة حسن الترابي. وتحاور مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إبان تواجده في العاصمة اللبنانية بيروت. كما أبرم اتفاقاً مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين من أجل إطلاق سراح الأطفال الأوربيين الذين تم احتجازهم عام 1990 إثر الغزو العراقي للكويت. وفي عام 1995 تم اختياره كمكلف بشؤون العلاقات مع دول الجنوب في مجلس وزراء ولاية شمال الراين - وستفاليا من قبل الرئيس الألماني السابق يوهانس راو الذي شغل آنذاك منصب رئيس وزراء الولاية آنذاك. وبالرغم من تقاعده عام 2000 فقد تم استدعاءه عام 2002 كمكلف بشؤون الاندماج في حكومة ولاية شمال الراين - وستفاليا من قبل رئيس الوزراء السابق ووزير العمل والاقتصاد الاتحادي الحالي فولفغانغ كليمنت. وعلى الرغم من انتهاء فترة مهمته فسوف يتابع جهوده في دعم عملية اندماج المهاجرين في ألمانيا من خلال مشاركته في نشاط العديد من المؤسسات المعنية بذلك.
أجرى المقابلة: علاء الدين سرحان