غياب الصورة الايجابية لاندماج الجالية الإسلامية في الإعلام الألماني
"فشلت عملية اندماج المسلمين"، كم من مرة يسمع المرء هذا الادعاء عندما يدور النقاش حول مدى مشاركة المسلمين في المجتمع الألماني. ومن أجل إثبات هذا الحكم المسبق يستشهد البعض بنماذج سلبية من الحياة. فيتم على سبيل المثال ذكر أحياء سكنية لا يقطنها سوى مهاجرون مسلمون، مع التنويه على ما يعنيه ذلك من انعزالية وتقوقع. أما التطرق إلى مشكلة ضعف مستوى التلاميذ الأتراك في المدارس وعدم إتقانهم اللغة الألمانية فيعد من الأمور المعتادة في الإعلام الألماني، كما قامت وسائل الإعلام الألمانية في الآونة الأخيرة بنشر العديد من المقالات والتقارير التي تعالج حوادث القتل بدواعي الشرف أو الزواج بالإكراه أو العنف في الأسرة المسلمة. ولكن بالرغم من حقيقة تواجد هذا الجانب السلبي، إلا أن بعض الخبراء والباحثين لا ينظرون إلى مدى اندماج المهاجرين المسلمين في ألمانيا بمثل هذا التشاؤم. فهم يؤكدون مراراً على حقيقة وجود جانب آخر ايجابي في الحياة، كما أنهم يرون أن هناك تقدم كبير قد طرأ على عملية الاندماج بدليل التزايد المضطرد لعدد الطلاب المسلمين في الجامعات الألمانية وارتفاع نسبة الحاصلين منهم على مؤهل. أما انخراط العديد من المسلمين في الأحزاب والجمعيات الألمانية فيناقض الصورة التي تبثها وسائل الأعلام، التي يعتب عليها عدم إعطاء النجاح الذي تم إحرازه على صعيد الاندماج اهتماماً كبيراً وفقاً لآراء الخبراء.
على غرار أغلبية الألمان يقرأ السيد بيكر يومياً في الجرائد عن إخفاق محاولات إدماج مهاجرين من دول إسلامية في المجتمع الألماني. يورغ بيكر عالم الاجتماع والإعلام البارز يستعجب من التقارير المقروءة والمسموعة والمرئية حول وضع المهاجرين المسلمين في ألمانيا. وبالرغم من أن بيكر يعلم بتواجد أحياء خاصة بالمهاجرين في المدن الألمانية الكبرى، كما أنه على دراية تامة بحجم المشاكل التي تعاني منها المدارس الألمانية عندما يرتفع عدد التلاميذ ذوي الأصول الأجنبية بها، إلا أنه يسأل نفسه أكثر من مرة: لماذا لا تنقل وسائل الأعلام النماذج الايجابية لاندماج المسلمين في المجتمع الألماني؟
إثراء وليس إفقار
يري عالم الاجتماع يورغ بيكر أن تقدم المستوى العلمي للطلاب المسلمين هو خير دليل على نجاح عملية الاندماج. كما أن بيكر يستطيع رواية أمثلة حسنة مختلفة على ذلك، لأنه يشرف بنفسه على دراسة طلاب ينحدر العديد منهم من دول إسلامية. لكن الرأي العام الألماني لا يعرف الكثير عنهم لان الأشخاص المندمجون بصورة جيدة في المجتمع الألماني لا يُسلط عليهم الضوء من قبل وسائل الإعلام كما يُسلط على الأشخاص الغير مندمجين أو الذين يرفضون فكرة الاندماج برمتها. ويرى بيكر أنه بغض النظر عن المشاكل التي قد تسببها الهجرة لألمانيا، لابد من حتمية الاعتراف بأن تواجد المهاجرين المسلمين في حد ذاته " إثراء للمجتمع الألماني"على عكس ما تصوره وسائل الإعلام المختلفة.
خبرة الألمان بالثقافات الأخرى حديثة
مما لاشك فيه أن الخبرات التي تكتسبها دولة ما من خلال إقامة علاقات وطيدة مع مجتمعات أجنبية، تلعب دوراً محورياً في إنجاح عملية اندماج المهاجرين المقيمين بها. ولكن التاريخ يبرهن على أن خبرات الألمان بأساليب الحياة في المجتمعات الأخرى والديانة الإسلامية حديثة نسبياً. وبغض النظر عن مساوئ الاستعمار كان لألمانيا عدد محدود من المستعمرات في العالم ولمدة قصيرة نسبيا (40 عاما فقط)، في حين أن جيرانها الأوربيين احتفظوا بمستعمراتهم لمدة 400 أو 500 سنة، تعرفوا من خلالها على الثقافات والأديان الأخرى عن كثب. ناهيك عن الحقبة النازية التي شهدتها ألمانيا في القرن الماضي والتي حُرم فيها إقامة علاقات مع الأجانب على حد تعبير بيكر. لذلك نجد أن دول مثل فرنسا وبريطانيا متقدمة على ألمانيا فيما يتعلق بعملية إدماج المهاجرين في مجتمعاتها.
الأفكار المتطرفة أضرت بالمسلمين
لا غرو أن بعض الأفكار التي كانت منتشرة في الساحة الإسلامية، والتي كانت متطرفة بشكل شاذ، قد أضرت بالإسلام وبالمسلمين وساهمت في تشويه صورتهم في وسائل الإعلام المختلفة. ولكن هذا لا يبرر ترويج صورة بغيضة عن الدين الإسلامي. النائب جيم أوتسمير، التركي الأصل والذي يمثل جمهورية ألمانيا الاتحادية في البرلمان الأوربي، لا يخفي لومه لوسائل الإعلام الألمانية بسبب طريقة تعاطيها مع الإسلام والمسلمين. ويعتقد أن هذا التعاطي ينعكس بصور سلبية على محاولات المسلمين للاندماج كما أن ذلك يدعم ويغذي منهج إطلاق الأحكام المسبقة. فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 يتم أحياناً إظهار المسلم على انه إرهابي أو قنبلة بشرية موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. لذلك عندما يدور الحديث عن المسلمين في ألمانيا يعتقد البعض أن شخصية أسامة بن لادن تجسد الدين الإسلامي. "وتعد هذه الخرافات في الوقت ذاته صور خطيرة لا تطابق الواقع بأي شكل الأشكال، كما أنها تصعب علمية اندماج المسلمين في المجتمع الألماني" على حد قول أوتسيمير. و يرى النائب في البرلمان الأوروبي أن المسلمين في ألمانيا مندمجون على نحو أفضل من ذلك النحو الذي تجسده وسائل الإعلام.
اندماج وليس ذوبان
ولكي تنجح عملية اندماج المهاجرين المسلمين وغير المسلمين يجب على الدولة الألمانية أن تعي أن مصطلح "الاندماج" ليس مرادفا لمصطلح "الذوبان" في المجتمع والتطبع بكل عادات وتقاليد البلد المضيف، إذ أن الناس لديهم الحق في الحفاظ على جذورهم الثقافية والحضارية. أما مطالبة المهاجرين بالتخلي عن جذورهم فهو شيء غير منطقي وغير معقول بالمرة. لذلك يجب أن يقع على عاتق وسائل الإعلام والدولة الألمانية التشديد على فكرة أن المهاجرين جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني، وأنه لا يجب عليهم أن يتخلوا عن جذورهم المتمثلة في دينهم ولغتهم الأصلية وعادتهم وتقاليدهم. بالإضافة إلى ذلك يجب أن لا ينظر المرء إلى هذه الجذور كمصدر تنافر في المجتمع الألماني، لأن المرء يستطيع أن يكون مواطناً ألمانياً صالحاً وأن تكون لغته الأصلية في نفس الوقت التركية أو العربية على سبيل المثال، وذلك بغض النظر عن انتماءه الديني لليهودية أو المسيحية أو الإسلام على حد تعبير جيم أوتسيمير.
تقرير: فيدات أسيكجوز / إعداد: علاء الدين سرحان