هل تنجح فكرة العفو عن المهاجرين غير الشرعيين في ألمانيا؟
عندما حضرت ماريا الرومانية، ابنة الثانية والعشرين إلى ألمانيا بتأشيرة سفر سياحية كانت تحلم في تحقيق وضع معيشي أفضل. وبعد انتهاء مدة تأشيرتها فضلت البقاء فيها دون تصريح عمل أو تأمين صحي. وقد مر حتى الآن 12 سنة وماريا تعمل بشكل غير قانوني في دار ألمانية خاصة برعاية المسنين. لكن الخوف مازال يطاردها بأن يكشف أمرها ويتم إبعادها إلى بلادها.
قصتها التي تم توثيقها من قبل الجمعية التبشيرية البروتستانتية في ألمانيا ليست فريدة من نوعها، إذ يقدر عدد الأشخاص الذين يقيمون على الأراضي الألمانية بشكل غير قانوني بنحو مليون شخص. وقد حضر قسم منهم بتأشيرة سفر سياحية أو بغرض زيارة الأقارب، لكن الجزء الأكبر يتمثل في أولئك اللاجئين الذين رُفضت طلبات لجوئهم.
وقد تم تجاهل المسألة أثناء الجدل الذي نشب بين الأحزاب السياسية الألمانية بخصوص تنظيم إقامة الأجانب. وقد انتهى ذلك بإصدار أول قانون للهجرة أوائل العام الماضي 2004. والآن وبعد أن خفت موجة الغضب بشأن القانون عادت الكنيسة الكاثوليكية التي طالما دافعت عن حقوق المهاجرين غير الشرعيين إلى التذكير بالموضوع مجدداً. ففي مؤتمرها الذي انعقد في برلين الأسبوع الماضي أصدرت بياناً دعت فيه الألمان إلى مزيد من الوعي تجاه هذه القضية. وقال الخبير يورغ الت رئيس المنتدى الكاثوليكي للهجرة غير الشرعية إن الموضوع لم يتم تناوله بشكل رسمي حتى الآن، وما يزال يناقش وراء أبواب مغلقة من قبل مجموعات هامشية ومنضمات كنسية أو اجتماعية."
نظرة أكثر إنسانية
إن لفت اهتمام المزيد من الناس، خاصة السياسيين لهذه القضية لا يعتبر الا جزءاً بسيطاً من المشكلة. ويزيد من حدتها أن معظم المهاجرين يعانون من نقص ادنى مستويات الخدمات الصحية و التعليمية بسبب عدم توفر الوثائق المطلوبة لهم للاستفادة من هذه الخدمات. وزاد من تعقيد الأمور إلزام الجهات الرسمية حسب قانون الهجرة الجديد بضرورة الابلاغ عن الحالات التي يتم فيها التعامل مع مهاجرين غبر شرعيين. ولا يقف الحد عند ذلك، بل وصل إلى حد التلويح بالعقوبة لكل من يقدم المساعدة الطبية او غيرها لهم، وهو الأمر الذي يضع المهاجرين في عزلة تامة حتى لو كانوا بحاجة الى عون طبي بسبب خوفهم من الترحيل كما تقول وزيرة العدل السابقة و عضو البرلمان سابينة شنارنبرجر.
إضفاء الطابع الشرعي
في الوقت الذي يعاني فيه العمال غير الشرعيين في ألمانيا من مشاكل كبيرة، قامت دول أوروبية أخرى بحل هذه المشاكل. ففي أسبانيا مثلاً بدأت الحكومة بتنفيذ خطة عمل من شأنها تنظيم أوضاعهم بشكل قانوني. وفي هذا الإطار أعطت إقامة لكل من يحصل على عقد عمل لمدة 3 أشهر في القطاع الزراعي أو 6 أشهر في القطاعات الأخرى. ويرى المراقبون أن التجربة الأسبانية لا تعني تسهيل حياة العمال الأجانب غير الشرعيين وإنما رفد ميزانية الدولة المستضيفة بضرائب إضافية كذلك. كما تعني قيام هؤلاء بأعمال يأنف الأسبان عن القيام بها. ولا ينبغي نسيان دورهم في زيادة عدد السكان من خلال رفد المجتمع بولادات إضافية وحيوية. ويقول كارل كوب الخبير في شؤون المهاجرين ان عدد من الدول كايطاليا واليونان والبرتغال منحت بالفعل الصيغة القانونية لإقامة المهاجرين فيها.
خوف على الوظائف في ألمانيا
تُقابل فكرة إضفاء الطابع الشرعي على المهاجرين غير الشرعيين في ألمانيا بالرفض. ويعود ذلك إلى المخاوف من ارتفاع معدل البطالة إلى مستويات أعلى. ويخشى الكثيرون أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى تدفق المزيد من الأجانب الذي يشكلون خطراً على وظائف الألمان. ويؤيد العديد من الخبراء مثل يورغ الت فتح باب الحوار في الموضوع بغية التمهيد لإضفاء الطابع الشرعي على إقامة المهاجرين. كارل كوب فيؤكد على ضرورة الإسراع في وضع النقاط على الحروف بخصوص موضوع الهجرة لأنه لا يوجد في عالمنا الحالي أنشطة في حياة المجتمعات دون المهاجرين.