يوميات سورية ـ القصف والخطف وجهان لعملة الموت الوحيدة
٣٠ أغسطس ٢٠١٢لم أكن أتخيل يوما أن قصص أفلام هوليود البوليسية التي لطالما أحببت متابعتها ستتحول إلى واقع قد تعيشه الأسر السورية يوميا، في ظل الانفلات الأمني الذي أصبح يسيطر على الحياة في سوريا عامة. و في العاصمة السورية دمشق لم تعد أخبار القصف والمجازر هي وحدها التي تثير قلق السكان، بل باتت حوادث الخطف التي انتشرت بشكل كبير في المدينة تشكل واحدا من أهم المخاوف في ظل غياب الأمن وانتشار الفوضى وعدم الاستقرار.
و تبدأ تفاصيل إحدى هذه الحوادث حين تلقيت اتصالا من إحدى صديقاتي لتخبرني بأن زوج صديقتي مها قد تم اختطافه من موقع عمله من قبل جماعة مجهولة، وهم يطلبون مبلغ خمسة ملايين ليرة سورية كفدية لإطلاق سراحه. هذه الرواية المحزنة لم تعد غريبة عن المجتمع السوري، وذلك بعد أن تكررت في الآونة الأخيرة، خاصة مع رجال الأعمال الميسورين في المدينة، والذي قد يعتبر زوج صديقتي مها واحدا منهم لامتلاكه لواحد من أهم مصانع الأغذية في المنطقة. و بات معروفا أن الخاطفين ينتحلون شخصية الضباط الأمنيين التابعين للنظام أو لشخصيات عناصر من الجيش الحر في محاولة منهم لاستغلال حالة الفوضى التي تعيشها البلاد.
اتفقت مع صديقة أخرى على أن نذهب معا إلى منزل مها بالسرعة الممكنة لنستطلع الأمر عن قرب، و لم يكن مصطلح "السرعة الممكنة"، الذي اضطررت إلى استخدامه سوى تعبير عن واقع الحال الذي تفرضه الظروف الأمنية للمدينة. فالازدحام المروري الخانق الذي بات يفرض نفسه على أدق تفاصيل الحياة في دمشق أصبح يشكل أحد الأعباء الإضافية على السكان. و ذلك في ظل النزوح الكبير لأهالي ريف دمشق إلى داخل العاصمة، حيث يجدون فيها ملاذا آمنا مؤقتا هربا من المجازر التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أحياء دمشق نفسها، كما يقول الناس هنا. و بالإضافة لذلك يأتي إغلاق بعض الطرق الرئيسية من قبل الجهات الأمنية لإرغام السائقين على المرور من طرقات رئيسية محددة، ليزيد الطين بله. فهذه الحواجز التي وضعت منذ بداية انطلاق حركة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد تؤدي إلى اختناقات مرورية قد تستمر لساعات، خاصة إذا كان عنصر الأمن يحمل قوائم معدة مسبقا بأسماء المطلوبين فيضطر على تقليب صفحاتها عند كل سيارة تمر على حاجزه غير مكترث بطول طابور السيارات الذي يسببه.
أما الطامة الكبرى بالنسبة لي والتي قوضت كل آمالي بوصولي "سريعا" إلى منزل مها فكانت عندما وصلت إلى الحي الذي تسكن فيه. و هو الحي الذي يقع في قلب العاصمة دمشق، و تتواجد فيه أحد الأفرع الأمنية المهمة في المنطقة، وبالتالي تصبح عملية العثور على مكان لركن سيارتي أمرا يشبه المستحيل. و المشكلة ليست بعدم وجود أماكن لركن السيارات ولكن تحول المنطقة برمتها إلى ثكنة عسكرية هو الذي يجعل الأمر مستحيلا. وبعد مرور ساعة تقريبا على عملية البحث عن موقف مناسب اقتربت من أحد عناصر الأمن ودسست في يده مبلغا من المال لكي يغض الطرف عن سيارتي التي ركنتها في إحدى المواقف الممنوعة، فما كان منه إلا أن أوعز إلى شرطي المرور بعدم منعي من إيقاف السيارة ولكن لفترة قصيرة.
و عندما صعدت إلى بيت صديقتي وجدتها تتصرف بشكل هستيري، وذلك بسبب لهجة الخاطفين العنيفة التي لم تكن مطمئنة أبدا، حسبما فهمت منها. و حتى عندما حاولت مساومتهم على مبلغ الفدية لم يستجيبوا لذلك مطلقا بل كان كل ما فعلوه هو الصراخ وتهديدها بحرق زوجها إن لم يصلهم المبلغ في الوقت الذي حددوه بصباح اليوم التالي.
أحد أقرباء مها كان يشجعها على دفع الفدية والاستسلام لمطالب الخاطفين بحجة أنه يعرف الكثير من القصص المشابهة التي حدثت مؤخرا وانتهت بإطلاق سراح الرهينة فور دفع الفدية. اقتربت من مها وحاولت إقناعها بالاتصال بالشرطة وإعلامهم بالأمر، إلا أن المفاجأة الكبيرة كانت عندما أجابت مها "لقد اتصلت بالشرطة فور اتصال الخاطفين، ولكن ردهم كان بأنهم لا يستطيعون فتح محضر بالقضية إن لم يمض أربع وعشرون ساعة على الاختفاء". وأخبرتني مها أنها صعقت حين قالوا لها "إن مهمة ملاحقة المجموعات الإرهابية تفوق في أهميتها حاليا متابعة بعض الأخطاء الفردية التي قد يرتكبها بعض المجرمين في المدينة وأن عليهم تقدير الظرف الصعب الذي تمر به البلاد"، وبالطبع الإشارة واضحة هنا وهي لمقاتلي المعارضة السورية.
و بعد هذا الرد لم يكن أمام العائلة سوى الرضوخ والاستسلام لقدرها ومواجهة هذه الظروف الأكثر صعوبة التي مرت عليها، حسبما قالت مها. العائلة قررت الامتثال لأوامر الخاطفين وجمع المبلغ المطلوب لإيصاله في الوقت المحدد من قبلهم. و في صبيحة اليوم التالي انطلق أحمد، الأخ الأكبر للزوج المخطوف، إلى المكان الذي حدده الخاطفون وسلمهم المبلغ في المكان المطلوب بعد أن وعدوه بتسليم الرهينة بعد نصف ساعة من استلام الفدية. انتظر أحمد قرابة ساعتين إلا أن الرهينة لم يظهر. عندها قرر العودة لعله يتلقى اتصالا جديدا أو تكون زوجة أخيه قد تلقت اتصالا من الخاطفين، لكن لشدة دهشته وجد، في طريق عودته جثة أخيه ملقاة على الأرض إلى جانب الطريق وقد اخترقت جسده عدة رصاصات أدت إلى مصرعه.
وعلى الرغم من تشابه قصة خطف زوج مها وغيرها والواقع المأساوي الذي تعيشه دمشق وسوريا عموما من أحداث وشخوص إلى حد كبير مع أفلام هوليوود البوليسية، التي تتمحور حول الاختطاف وطلب الفدية، وتدخل عناصر الشرطة الذين يقومون بدورهم بتحرير هذه الرهينة من أيدي اللصوص والمجرمين، إلا أن النهايات ليست سعيدة كالتي نراها في هذه الأفلام الخيالية.