وسائل التجوال البديلة في برلين: متعة للزائر وإلمام بالمعالم
١٤ مايو ٢٠١٢إذا كان أحدنا مستعجلاً وأراد التنقل بسرعة داخل العاصمة الألمانية برلين، فما عليه إلا ركوب قطارات الأنفاق أو ما تسمى قطارات المترو التي تسير تحت الأرض. لكن إذا أردنا الاستمتاع بمَشاهد المدينة ومعالمها السياحية، فبرلين تقدم لنا خيارات تنقل ومواصلات أخرى مثيرة للاهتمام كالعربات الهوائية والأخرى الشخصية الكهربائية وقوارب الممرات المائية وسفنها الصغيرة.
عربة تسير بعضلات امرأة
شتيفاني تعمل سائقة لعَرَبات الـ"ريكشا" في برلين، وتعتمد في عملها على القوة العضلية للسائق. وها هي شتيفاني تأكل ثالث قطعة شكولاته في هذا اليوم، لأنها تحتاج إلى طاقة حيوية كثيرة كي تتنقل بالسياح أو بالسكان المحليين عبر شوارع برلين، ليستمتعوا بمناظر المدينة ومعالمها الشهيرة. ويجلس الرُّكّاب في مقدمة العربة ليتمكنوا من رؤية المدينة بشكل بانورامي أثناء جولتهم وخلال مرورهم مثلاً ببوابة براندنبورغ التاريخية المجاورة لمبنى البرلمان الألماني "البوندستاغ"، في حين تقود شتيفاني العربة من خلفهم على مبدأ الدراجة الهوائية.
وفي ظهيرة يوم الأحد في إحدى عطلات نهاية الأسبوع المشمسة، تمشي شتيفاني في سوق البضائع المستعملة أمام جامعة هومبولت على بعد مئات الأمتار من بوابة براندنبورغ، وتشق حشود السياح الذين تعج بهم برلين خاصة في فترة الربيع والصيف. وتعرِض شتيفاني على عائلة شابة الركوب في عربتها قائلةً باعتزاز: "ما رأيكم بجولة إلى بوابة براندنبورغ في عربتي؟"
حينما بدأَت قيادة هذه العربة، كانت شتيفاني إحدى النساء القليلات العاملات في هذه المهنة، ولم تتأثر بتعليقات المتشككين من نجاحها في هذا العمل، وخاصة أنه يعتمد على العضلات، فقامت بشراء هذه العربة وبدأت بالعمل بها. زبائنها من كل فئات المجتمع فمنهم السياح العاديون ومنهم رجال الأعمال وأيضاً المشاهير، ومنهم مُصفِّف شعر النجوم الشهير في ألمانيا أودو فالز، الذي ركب عربة شتيفاني ذات يوم إلى إحدى حفلات العشاء.
لكن شتيفاني تحب جميع رُكّاب عربتها وتشعر بسعادة بالغة بهم سواء أكانوا من المشاهير أم من غيرهم، وتقول: "بالنسبة لي لا يوجد شيء أفضل من أن أكون راكبة دراجتي الهوائية في الهواء الطلق. وقد قمتُ بتحويل حبي للدارجات إلى مهنة من خلال عربتي الهوائية". لكن شتيفاني لا تعمل في فصل الشتاء لقلة السياح وبرودة الطقس فيه، وفي هذا الفصل من السنة تضطر شتيفاني إلى العيش من مدخراتها المالية التي كسبتها في المواسم السياحية.
الحفاظ على التوازن أهم شيء
وتوجد وسائل أخرى للتجول في برلين، مثل الوسيلة التي يستخدمها السائح البريطاني جون، الذي جاء لزيارة برلين مع تسعة من رفاقه البريطانيين. وهي وسيلة نقل شخصية التي تسمى "سيغواي". وهم يستمتعون بوسيلة النقل الكهربائية هذه التي تعود جذورها إلى الولايات المتحدة. الزائر يقود هذه العربة بنفسه وهو واقف عليها، ويجب أن يتحكم بمركز ثقل وزنه عليها ويحافظ على توازنه أثناء قيادتها كي يتمكن من السيطرة عليها وهي تتدحرج به إلى الأمام. ويقول جون أثناء قيادته لها: "إنه شعور رائع أن أقود هذه العربة وأنا واقف عبر المدينة".
في البداية كان لدى جون بعض التحفُظات حول ما إذا كان يستطيع الانطلاق بها، لكن بعد أن تم له شرح أسلوب قيادتها باختصار شعر جون بالدهشة لقدرته على سواقتها. ويضيف حول ذلك: "أشعر وكأني مثل أبطال أفلام الخيال العلمي الذين يسيرون في شوارع المُدُن بمركباتهم الخيالية". ويمكن قيادتها في الشوارع وكذلك تجنب الزحام من خلال سواقتها على الأرصفة أيضاً. ورغم افتتاح العديد من المحلات مؤخراً التي تقدم وسيلة المواصلات هذه في برلين، إلا أن العديد من السياح الآخرين والسكان المحليين لم يتعوّدوا بعد على هذه الوسيلة الجديدة. لذلك يقف الكثير منهم مندهشين وهم ينظرون إلى كيفية قيادة جون ورفقائه لها.
جولة على ضوء الشموع
وتوجد وسائل نقل أخرى تتحرك على الممرات النهرية الصغيرة المنتشرة في برلين، إذ يبلغ طول هذه الممرات المائية في برلين 180 كيلومتراً ويعلوها أكثر من مئة جسر للمشاة وللسيارات. وهذا يتجاوز عدداً جسور مدينة البندقية الإيطالية وممراتها المائية. وبعكس العربات الهواية والكهربائية، لا تتطلب القوارب المائية أي جهد عضلي ويستطيع الزوار الاسترخاء فيها والاستمتاع بمعالم المدينة ومناظرها، بل والإبحار بها إلى خارج المدينة حيث بحيرة فانزيه في ضواحي برلين. وللمتجوِّل بالقوارب والسُّفُن الصغيرة أن يختار تناول العشاء على ضوء الشموع والاستمتاع بالألعاب النارية على متنها.
ديتليف يعمل في هذا المجال منذ 35 عاماً ويحكي للسياح حكايات من تاريخ برلين على متن سفينته الصغيرة، التي يقودها ويشرف على فريقه العامل على متنها. وبمجرد انطلاق السفينة الصغيرة، يبدأ ديتليف بسرد حكاياته عن تاريخ برلين، عن ساحة القصر "شلوسبلاتس" مثلاً، وهو القصر الجمهوري في ألمانيا الشرقية سابقاً.
وأثناء الجولة، يرى الركاب معالم برلين ويحكي ديتليف شيئاً عنها، مثل كاتدرائية برلين أو مبنى المستشارية أو جزيرة المتاحف، وبعد انتهائه من سرده يضيف مقتبساً من كلام عمدة برلين عبارته المشهورة: "مدينة برلين فقيرة لكنها جذابة ومثيرة"، فتدوّي الضحكات بين الركاب. وتختفي الشمس شيئاً فشيئاً وهي تؤول إلى الغروب، ويبدو الضيوف مسحورين بجاذبية برلين.
أنيكا تسيمَرْمَن/ علي المخلافي
مراجعة: عماد غانم