استخدام وسائل النقل العام: اختيار أم اضطرار؟
٢٥ يونيو ٢٠١٠تعد وسائل النقل العام من أهم معالم المدنية التي تتميز بها ألمانيا، وهذه الوسائل عديدة ومتنوعة كوسائل النقل للمسافات البعيدة بين المدن وتتمثل هذه بالقطارات السريعة والعادية السرعة. إضافة إلى وسائل نقل للمسافات القريبة كالباصات وقطارات الأنفاق والترام. وشبكة المواصلات العامة في ألمانيا واسعة الانتشار، إذ تغطي المدن والقرى والضواحي والأحياء داخل المدن. وأينما أردت التوجه فسوف تجد وسيلة نقل عام توصلك إلى هدفك.
وصل الباص: اضبط ساعتك!
وتشترك وسائل النقل هذه جميعاً باحترام المواعيد المحددة والمنشورة في كل محطة من خلال جداول، الأمر الذي يسمح للركاب بتنظيم مواعيد الانتقال والوصول بدقة. وتأخر انطلاق وسائل النقل هذه عن الموعد المحدد يعد من الاستثناءات وليس قاعدة. لكن دقة المواعيد ليست السبب الوحيد الذي يجعل الناس يقبلون على وسائل النقل العام.
الشاب كريستيان (25 عاماً)، الذي يدرس العلوم الإسلامية في جامعة بون، يرى أن وجود المحطة أمام منزله يجعله لا يفكر حالياً في امتلاك سيارة خاصة، ويضيف قائلاً: "إن تكاليف السيارة كثيرة كالبنزين والتأمين ورسوم المرآب وغيرها من النفقات". أما سابينه، شابة ألمانية تعيش في مدينة بون وتدرس العلوم السياسية في مدينة كولونيا (على بعد 25 كم)، فتستقل القطار يومياً. وتقول عن ذلك مازحة: "أستغل وقت الرحلة بالقطار في قراءة دروسي وتنظيم جدول أعمالي".
ويخالف هانس سابينه في رأيها، فهو يفضل استخدام سيارته الخاصة. ويوضح هانس بالقول: "يبعد بيتي عن مكان عملي حوالي 7 كيلومترات. وما من طريق مباشر ولذلك كنت أضطر إلى استخدام أكثر من وسيلة واحدة للتنقل. ثم أنه في المساء يخفّ معدل مرور القطارات والحافلات". ويضيف: "أنا بسيارتي حر في التنقل وقتما أشاء كما أنني أكسب الوقت الذي كنت أضيعه في انتظار الباص أو القطار".
باص واحد مقابل 60 سيارة
إيرينا طبيبة ألمانية تعمل في مدينة بون وللذهاب إلى محل عملها تستقل "المترو في الشتاء أما في الصيف فأستمتع بجمال نهر الراين أثناء رحلتي اليومية إلى العمل بواسطة دراجتي". وإذا كان الأطباء ـ زملاء إيرينا ـ يؤيدون فكرة التنقل بالدراجة لمن يستطيع ممارسة هذه الرياضة بالنظر إلى فوائدها الصحية، فإن أنصار حماية البيئة يشاركونهم الرأي أيضاً لأن الإقلال من استخدام السيارات يخفف الانبعاثات الضارة بالمناخ. وعلى فرض أن كل باص يتسع لـ60 راكباً وأن كل راكب يستخدم سيارته، فإن عملية حسابية بسيطة نكتشف أن استخدام الباص في التنقل يوفر استخدام عدد كبير من السيارات.
وفي ألمانيا كما في العالم العربي تبقى أسعار التنقل بوسائل المواصلات العامة في إطار الممكن. إلا أن سابينه، التي تجولت في بلدان مختلفة، ترى أن أسعار المواصلات العامة في ألمانيا مرتفعة كثيراً مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى. وفي هذا الإطار تقول الطالبة الألمانية: "نعم، هناك تخفيضات خاصة بالطلاب وبكبار السن، لكن تبقى الأسعار مرتفعة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخل المحدود". وتوافق إيرينا سابينه في رأيها وتقول " إن ارتفاع الأسعار في ألمانيا هو ثمن الجودة العالية التي تتميز بها مواصلات النقل العام".
"تعددت الأسباب والترام واحد"
من أوجه الشبه بين ألمانيا والعالم العربي بشأن النقل العام، أن الأسعار معقولة وأن الإقبال على "مواصلات القطاع العام" كبير. لكن الدوافع مختلفة، وفي معظم الأحيان يتغلب الاضطرار على الاختيار. وتؤكد رولا، وهي صحفية لبنانية تعمل في قسم الاقتصاد في جريدة "الأنوار"، أن وسائل النقل العام في بيروت "تجذب شريحة معينة وهي الطبقة الفقيرة إذ أن التعرفة رخيصة" إلا أن عدم تقيدها بمواعيد منتظمة يدفع الشباب للعزوف عن استخدامها.
أما سارة، وهي شابة مصرية مهندسة فنية، فتعتمد وسائل النقل العامة بشكل أساسي في تنقلاتها، وتنتقد ابتعاد الشباب عن استخدام النقل العام في حديث لها مع دويتشه فيله قائلة "إن كثرة استخدام المواصلات الخاصة، مع الاكتظاظ السكاني، الذي تعاني منه القاهرة، يزيد من التلوث". وتشير سارة إلى أن استخدام الدراجات هو أفضل وسيلة لتخفيف التلوث والازدحام، مضيفة: "أحلم بأن يكون لدي دراجة، إلا أن التلوث المسيطر على مناخ القاهرة لا يسمح لنا بذلك، من دون أن نتطرق إلى حالة الطرقات". أما في المغرب فيبدو أن الأمر مختلف. إذ يرى مصطفى، الطالب في كلية الطب، أن خصخصة شركات النقل العامة مؤخراً في المغرب، كان لها دور مؤثر في إقبال الشباب على استعمالها. "أذهب يومياً إلى الجامعة بالباص، إذ أن مواعيده دقيقة وأسعاره مناسبة لي كطالب".
محطات عشوائية وتدخين بالجملة
معتصم، شاب يمني يدرس الطب في جامعة برلين، يشرح الفرق بين النقل العام كما عرفه في ألمانيا وكما عايشه في بلاده قائلاً: "تتميز وسائل النقل في برلين بمواعيدها المنتظمة، وبالمحطات المحددة. على عكس اليمن فالمحطات عشوائية. إذ لا بد للراكب من إعطاء إشارة للسائق لدى الصعود إلى الحافلة أو حين يريد الهبوط منها". كما أن هناك مشكلة أخرى تعاني منها وسائل النقل في العالم العربي، وهي مشكلة التدخين في الباصات.لكن رولا تشكو من شيء آخر.
وتضيف سارة إلى قائمة السلبيات سببا آخر. ففي القاهرة التي بلغ عدد سكانها في النهار 20 مليونا، لا يتناسب عدد الحافلات ومركبات الترام والمترو مع الزيادة السريعة في عدد السكان ما جعل وسائل النقل العامة تنقل فوق حمولتها الطبيعية ولا تترك مكانا لراغب في استخدامها، ما يضطر البعض إلى سيارات الأجرة. وتضيف سارة: "في كثير من الحالات يتلاعب سائقو التاكسي بالعداد ما يجعل الأسعار مرتفعة جداً". وتفتقد سارة في القاهرة وجود وسيلة نقل متكاملة من حيث السعر والنظام والنظافة، "فهناك الكثير ممن يعبثون بنظافة هذه الوسائل التي تعد أحد مظاهر رقي البلد".
الكاتبة: دالين صلاحية
مراجعة: عماد مبارك غانم