وجهة نظر: قطر تبقى شريكاً هاماً لألمانيا
١٨ سبتمبر ٢٠١٤ألقى الجدل العام في المشهد السياسي والإعلامي حول كيفية التعامل مع بربرية وعدمية إرهاب تنظيم ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" بظلاله على أول زيارة يقوم بها أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لألمانيا. وفي إطار هذا النقاش واجهت قطر انتقادات اتهمتها باستخدام ثروتها الضخمة للمساهمة في تمويل تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيمات إرهابية أخرى، رغم عدم تقديم أدلة واضحة تؤكد صحة هذه الادعاءات.
وطالبت عدة أصوات ألمانية المستشارة أنغيلا ميركل بمناقشة هذه الاتهامات خلال لقائها مع أمير قطر في برلين. كما ساهمت تقارير منظمات حقوقية دولية حول ظروف العمل الكارثية لآلاف العمال في العاصمة الدوحة في الإساءة إلى سمعة هذه الدولة الخليجية، وقيادتها التي تطمح إلى لعب دور سياسي هام إقليماً ودولياً.
مفارقات وهمية للسياسة الخارجية القطرية
ورغم هذه الانتقادات الموجهة للسياسة الخارجية القطرية، إلا أن المستشارة الألمانية ميركل أكدت بعد لقائها مع أمير قطر على أهمية الشراكة الألمانية القطرية ومحورية دور الدوحة كشريك لألمانيا في هذه المنطقة الهامة من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية. لكن هذا النهج البراغماتي لميركل لم يحل دون طرحها لملفات شائكة تختلف فيها ألمانيا مع شركائها القطريين، إذ اعترفت ميركل بوجود تباين في الرأي فيما يتعلق بدعم دولة قطر لحركة حماس.
ولا شك أن تأكيد ميركل على ثقتها في إعلان أمير قطر أن بلاده "لم ولن تدعم تنظيمات إرهابية" ما هو إلا تعبير عن براغماتية وواقعية السياسية الخارجية الألمانية، فقطر شريك هام لألمانيا، ليس فقط لأسباب اقتصادية تتمثل في كونها من أكبر المستثمرين ومن أهم زبائن شركات تصنيع الأسلحة في ألمانيا.
ومن منظور صناع القرار السياسي في ألمانيا لا تزال قطر تلعب دوراً سياسياً هاماً ومؤثراً على مجريات الأحداث وموازين القوى في الشرق الأوسط، وهو ما يعود إلى أن سياسة قطر الخارجية تقوم من حيث المبدأ على مد جسور الحوار مع كل اللاعبين المهمين إقليمياً ودولياً ومحاولة إقامة علاقات متوازنة تبتعد عن ثنائيات العدو والصديق "الفسطاطية".
هذه السياسة القطرية، التي تبدو متناقضة للوهلة الأولى كونها تضمن لقطر علاقات قوية مع الغرب وعلاقات وثيقة مع قوى إسلامية حاضرة بقوة في الشارع العربي في الوقت نفسه، تهدف بالدرجة الأولى إلى ضمان أمن واستقرار هذه الإمارة الصغيرة الواقعة جغرافياً بين أكبر دولتين في المنطقة وهما السعودية وإيران.
قطر بعد الربيع العربي ... وصعود "إرهاب داعش"
بعد انطلاق ثورات الربيع العربي حاولت القيادة القطرية استغلال فرصة التغييرات الحادثة في العالم العربي لصالحها من أجل تكريس نفسها كقوة إقليمية فاعلة في المنطقة عن طريق توظيف ثرواتها بشكل حاذق وبمساعدة قناتها التلفزيونية "الجزيرة"، التي تعتبر أداة إعلامية تصب في خدمة "قوة قطر الناعمة".
لذلك قدمت قطر دعماً كبيراً لتيار الإخوان المسلمين في العالم العربي، لاسيما في مصر، ودعمت الثورة السورية ضد نظام الأسد. لكن تغير النخبة الحاكمة في مصر، بعد انقلاب الجيش على الرئيس محمد مرسي، والفشل الذريع للسياسة الغربية والقطرية على حد سواء في إسقاط نظام الأسد أديا إلى تراجع نسبي في الدور السياسي لقطر على الصعيد الإقليمي.
غير أن صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" وإرهابه "الداعشي" ونجاحه في السيطرة على مساحات كبيرة على جانبي الحدود بين سوريا والعراق غيّر موازين القوى بشكل جذري في المنطقة ما دفع بالقوى المؤثرة دولياً إلى التنسيق مع دول الخليج لدرء هذا الخطر، خاصة أن تنظيم "الدولة الإسلامية" الجهادي يمثل تهديداً وجودياً لهذه الدول، وعلى رأسها قطر والسعودية.
ومن جانب آخر فان نجاح الغرب في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يعتمد بشكل أساسي على قدرته على تشكيل تحالف دولي موسع فحسب، بل على مشاركة دول عربية إسلامية على غرار قطر والسعودية فيه، لأن هذه الدول قادرة على منحه غطاء من الشرعية في العالم الإسلامي. ومن هذا المنطلق لا يوجد ما يبرر تشكيك المستشارة الألمانية ميركل بأقوال الشيخ تميم بن حمد، الذي أكد فيها أن بلاده تشارك في محاربة "الدولة الإسلامية" في إطار التحالف الدولي بشكل فاعل.