قطر وألمانيا: علاقات اقتصادية مزدهرة لا تعكرها السياسة
١٧ سبتمبر ٢٠١٤تتعرض إمارة قطر من فترة لأخرى لموجة انتقادات قوية في ألمانيا والدول الغربية الأخرى بسبب ظروف العمل السيئة للعمالة الأجنبية والاتهامات الموجهة لها بدعم جماعات إسلامية متطرفة وتقديم الرشاوى من أجل الفوز بتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022. وعلى غير صورة قطر في المجال السياسي يستطيع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن ينظر بعين الرضا إلى موقع بلاده عندما يتعلق الأمر بعلاقاتها الاقتصادية مع ألمانيا التي يصلها يوم غد الأربعاء (17 أيلول/ سبتمبر 2014) في زيارة رسمية لمدة ثلاثة أيام.
إقبال قطري قوي على الاستثمار في ألمانيا
ظهر التحسن في العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا وقطر بشكل خاص من خلال الإقبال القطري القوي على شراء الأسهم في شركات ألمانية كبيرة أو الاستثمار فيها. وكان آخر تلك الصفقات على هذا الصعيد قيام وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بشراء 5.8 بالمائة من أسهم مصرف "دويتشه بنك"، أكبر المصارف الألمانية والأوروبية. وتمتلك قطر أكثر من 9 بالمائة من أسهم شركة هوختيف/ Hochtiefللبناء ونحو 17 بالمائة من أسهم شركة فولكسفاغن، أكبر شركة مصنعة للسيارات في أوروبا. وفي الوقت الذي تستثمر فيه قطر بشكل مباشر وغير مباشر عشرات المليارات في ألمانيا، فإن الاستثمارات الألمانية لاسيما المباشرة في قطر ضعيفة، إذ تراوحت بين 181 و 285 مليون يورو بين عامي 2010 و 2012.
يعود الإقبال الضعيف على الاستثمار في قطر لعدة أسباب، أبرزها ضيق السوق القطرية التي لا يتعدى عدد ساكنيها 1.7 مليون نسمة، وعدم توفر مقومات إقامة صناعات طويلة الأجل بسبب نقص العمالة المحلية المؤهلة، ومنافسة الإمارات في المجالين التجاري والخدمي، والبحرين في المجال المصرفي. غير أن سليم اده نائب الرئيس للعلاقات الحكومية في فرع شركة س ا ب/ SAPالألمانية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا يرى بأن الوضع آخذ بالتغيير منذ سنتين، حيث يتوجه المزيد من الشركات الألمانية للاستثمار الطويل الأجل. فشركة SAPالعملاقة على سبيل المثال لديها مشروع استثماري طويل الأجل في حديقة قطر للعلوم والتكنولوجيا، يقول اده مضيفا: "المشروع ليس فقط لتوريد التجهيزات على غرار توريد السيارات، بل أيضا لنقل المعارف والتكنولوجيا الألمانية من أجل تطوير برامج وتطبيقات معينة في قطر ومنطقة الخليج بالاعتماد على الكفاءات المحلية".
ازدهار الصادرات الألمانية
أما على الصعيد التجاري فبلغت قيمة الصادرات الألمانية إلى الإمارة نحو 1.26 مليار يورو خلال العام الماضي 2013 مقابل 1.0 مليار يورو في عام 2011. ويعكس هذه الزيادة الدفعة القوية التي أعطاها فوز قطر بحق تنظيم كأس العالم للطلب على السلع الألمانية، لاسيما وأن شركات ألمانية كبيرة فازت بعقود تصاميم وبناء وتجهيز للمنشآت الرياضية والبنى التحتية. ومن بين هذه الشركات، على سبيل المثال لا الحصر، شركة هوختيف/ Hochtiefالتي ستبني العديد من الملاعب وشركة دويتشيه بان/ Deutsche Bahnالتي فازت بعقد بناء شبكة خطوط حديدية بقيمة 17 مليار يورو. ومع توجه قطر لاستثمار 160 مليار دولار في البنية التحتية حتى عام 2019، يتوقع حصول المزيد من الشركات الألمانية على عقود بناء وتجهيز المزيد من المشاريع. وعلى عكس الصادرات فإن الواردات الألمانية من قطر تراجعت من 0.90 إلى 0.76 مليار يورو، وهو الأمر الذي زاد من عجز الميزان التجاري لقطر مع ألمانيا التي تتمتع بفوائض في ميزانها التجاري مع معظم الدول العربية.
آفاق تعاون في قطاع الغاز المسال
ليست قطر دولة نفطية وحسب، فهي تتمتع بثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا وإيران. ومع الأهمية المتزايدة للغاز كمصدر للطاقة وتوجه أوروبا للتخفيف من الاعتماد على الغاز الروسي، يتوقع أن تلعب قطر دورا أكبر في تزويد ألمانيا والاتحاد الأوروبي بكميات هامة من الغاز المسال بعد توفير تجهيزات شحنه وتخزينه. وهو الأمر الذي أكدت عليه المستشارة الألمانية ميركل خلال افتتاح منتدى الأعمال والاستثمار القطري في برلين 2013، عندما قالت بأن الطلب الألماني على الغاز يتزايد وعليه فإن هناك "فرصة لتعاون أوثق مع قطر في مجال لاستيراد الغاز المسال".
بدورها بدأت قطر على خطى جيران لها، مثل الإمارات، بمحاولات تحديث قطاعها التعليمي والتطبيقي عبر مشروعها الطموح حديقة قطر للعلوم والتكنولوجيا ومن خلال استقدام شركات وفروع جامعات أجنبية في مختلف المجالات. وفي هذا الإطار تلعب مؤسسات ألمانية، مثل شركة س ا ب/SAP العملاقة للبرامج، دورا متميزا في تدريب وتأهيل الشباب القطري، على حد قول سليم اده نائب رئيس فرع الشركة للعلاقات الحكومية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضيف اده في هذا السياق: "الشباب القطري معتاد على تولي مراكز قيادية، غير أن هناك تغييرات إيجابية في نظرته للعمل الوظيفي والمهني بشكل سيشجع الشركات الألمانية على الاستثمار بشكل أوسع في قطاعات مختلفة".