هل يهدد فيروس كورونا الأنظمة الاستبدادية أم يقوي مناعتها؟
١٤ مايو ٢٠٢٠يشكل انتشار وباء كوفيد-19 فرصة للأنظمة الاستبدادية لإحكام قبضتها أكثر، غير أنه قد يطرح مخاطر تهدد بتقويض سلطتها في حال أساءت التعامل مع الأزمة الصحية.
ويطرح فيروس كورونا المستجد تحدياً للعديد من الأنظمة في دول تمتد من المجر إلى تركيا مروراً بروسيا ودول الكتلة السوفياتية السابقة، في وقت تواجه بالأساس صعوبات اقتصادية، وفي بعض الحالات عزلة دولية، وقد يزداد الاستياء الشعبي ضدها في حال كانت إدارتها للأزمة الصحية أقل فاعلية من الدول الديموقراطية.
مزيد من السلطات للحكام المستبدين
وأوضحت أندريا كيندال تايلور التي تدير برنامج الأمن عبر المحيط الأطلسي في مركز الأمن الأمريكي الجديد أنه في بداية انتشار الوباء العالمي "ظن العديدون أن هذه الأزمة ستشكل فرصة، ستوجد تربة خصبة للحكام المستبدين تتيح لهم انتزاع المزيد من السلطة" لكن يبدو أن "هذه الأزمة ستتطور بشكل متباين جداً بين مختلف الدول".
ورأى الباحث في معهد كارنيغي لأوروبا مارك بييريني أن "الوباء يعمل على غرار صورة إشعاعية للعالم، فيكشف مكامن ضعف داخلية، بعضها معروف وبعضها خفي، في الأنظمة السياسية والسياسات الاقتصادية والعلاقات الخارجية للعديد من الدول".
بين اردوغان وبوتين
وجد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، وكلاهما في السلطة منذ حوالى عقدين، نفسيهما أمام معادلة صعبة، ما بين كبح انتشار الفيروس والحفاظ على الاقتصاد الذي يشكل ركيزة شعبيتهما.
وفي روسيا، ثاني بلد أكثر تضرراً جراء الوباء حيث تخطى عدد الإصابات 242 ألفا الأربعاء، ظهر الوباء في وقت كان بوتين يعتزم تنظيم استفتاء حول تعديلات دستورية موضع جدل تضمن له البقاء في السلطة لولايتين إضافيتين بعد ولايته الحالية، حتى العام 2024، فاضطر إلى إرجائه.
وبحسب أرقام مركز "ليفادا" للتحليل، وهي منظمة غير حكومية روسية، فإن شعبية بوتين سجلت تراجعا كبيراً فتدنت من 68% في كانون الثاني/يناير إلى 59%، بفارق كبير عن نسبة 89% التي بلغتها في حزيران/يونيو 2015 إثر ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
وقالت أندريا كيندال تايلور إن كوفيد-19 انتشر في وقت "كان النظام يحاول ترتيب عملية انتقالية تمكن بوتين من البقاء في السلطة. وهذا الانتقال هو اللحظة الأكثر هشاشة بالنسبة لأي نظام متسلط". وأضافت "لا أرى كيف يمكن أن يشكل ذلك مكسبا واضحا للنظام في أماكن مثل روسيا".
كما ستشكل الأزمة مرحلة حرجة للرئيس التركي الذي يواجه تحديات سياسية جديدة من قبل رؤساء البلديات المنتخبين حديثا والمنبثقين من المعارضة، وصعوبات اقتصادية أسفرت عن انهيار الليرة التركية.
ومن إنجازات عهد إردوغان زيادة قدرات النظام الصحي، ويشدد المسؤولون على أن الوباء بات تحت السيطرة وأن المستشفيات تقاوم الضغط بشكل جيد.
وانتهجت الحكومة دبلوماسية المساعدات بإرسالها معدات طبية إلى بلدان أخرى. لكن مارك بييريني رأى أن ذلك "لن يحجب الحقائق الأكثر إشكالية". وأوضح أن "الخيارات التي اتخذت في المجال النقدي، والعمليات العسكرية والحركات المخلّة بالاستقرار في شرق المتوسط طرحت إشكاليات كبيرة، ستزداد صعوبة على ضوء الانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء".
ولفتت منظمات غير حكومية إلى أن الأنظمة المتسلطة غالباً ما تواجه هذه الصعوبات بالقمع، فتعمد إلى تقويض المزيد من الحريات المدنية والرقمية.
وحذرت منظمة العفو الدولية مؤخراً في تقرير بأن حكومات أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى تواجه وباء كوفيد-19 بـ"تدابير قمعية وتعسفية لا تحترم واجباتها على صعيد حقوق الإنسان".
وشددت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان بصورة خاصة على أن "أنظمة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى استخدمت سلطات استثنائية أقرت مؤخراً لمضايقة الصحافيين وأشخاص آخرين حاولوا تقاسم معلومات".
وأشارت تحديداً إلى أذربيجان وروسيا اللتين لاحقتا مستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي وصحافيين وعاملين في المجال الصحي نددوا بثغرات في استجابة الحكومتين لانتشار فيروس كورونا المستجد.
كما يبدي المحللون مخاوف من تبعات الحجر الصحي وأنظمة تعقب المصابين، ما قد يمنح السلطات فرصة لاستهداف الحريات المدنية بشكل أكبر وخصوصا على الإنترنت.
وقالت كيندال تايلور "إذا تمكن نظام بوتين والأنظمة المتسلطة بصورة عامة، من تخطي المرحلة، فسيخرجون منها أكثر قمعا وأقل ليبرالية وأكثر تشددا".
ع.ح./ع.ج.م (أ ف ب)