مواقف ألمانيا من الحروب الأمريكية جنبتها ويلات الإرهاب
٤ سبتمبر ٢٠٠٦عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 الإرهابية أعلن المستشار الألماني آنذاك جيرهارد شرودر تضامن بلاده "غير المحدود" مع واشنطن. أحد أسباب هذا التضامن تمثل في أن ألمانيا كانت، كما ثبت في حينه، مقرا لتخطيط وانطلاق ثلاثة من منفذي تلك التفجيرات. وتُرجم ذلك الموقف في المشاركة العسكرية الألمانية في حرب أفغانستان وفي القرن الأفريقي في إطار الحملة الدولية على الإرهاب. لكن الأمر كان مختلفا تماما فيما يتعلق بموقف ألمانيا من حرب العراق، حيث اتخذ المستشار الألماني آنذاك جيرهارد شرودر قرارا شجاعا بعدم المشاركة في تلك الحرب، وهو ما ضمن عدم تورط بلاده في حرب لا ناقة لها فيها ولا بعير وجنبها السقوط في مستنقع تلك الحرب وبالتالي الابتعاد عن شر عواقبها التي امتدت في شكل تهديدات وتفجيرات إرهابية إلى عواصم الدول المشاركة فيها. كما ضمنت حكومة شرودر بذلك الموقف شعبية داخلية تُرجم عبر إعادة انتخابها عام 2004. هذا ودفعت ألمانيا ثمنا غاليا جراء خروجها على خط واشنطن، حيث تعرضت العلاقات بين البلدين للجمود والتوتر. لكن على العكس من ذلك حظيت السياسة الخارجية باحترام الرأي العام العالمي عموما والعربي الإسلامي بوجه خاص، كما زاد ثقلها على الساحة الدولية.
الخوف من البطالة يفوق الخوف من الإرهاب!
لم تمنع مشاركة ألمانيا في "الحرب على الإرهاب" المواطنين الألمان من الإحساس ولو شكليا بالأمان وعدم الخوف من وقوع تفجيرات إرهابية على أراضيهم. وفي هذا السياق أشار استبيان للرأي أُجري في أغسطس/ آب الماضي بأن ربع الألمان فقط عبروا عن مخاوفهم من أعمال إرهابية محتملة. بينما تمحورت مخاوف الأغلبية حول مستقبل إصلاح النظام الاجتماعي ومشكلة البطالة. حتى المخاوف من المتغيرات المناخية احتلت أسبقية لدى الألمان، مقارنة بالمخاوف من الإرهاب. لكن على الأقل منذ العثور على متفجرات في حقائب وضعت في قطارات ألمانية في شهر أغسطس/ آب الماضي أصبح ذلك الإحساس بالأمن مجرد خدعة. كما وضعت هذه المحاولة الإرهابية الفاشلة جميع الإجراءات الأمنية و الإحتياطات على المحك، لاسيما وأن القنابل لم تنفجر لأسباب فنية وليس بسبب سهر رجال الأمن والشرطة الذين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن خطط التفجيرات.
تشديد الإجراءات الأمنية وإصدار القوانين ليس مفتاح الحل
عقب تفجيرات نيويورك وواشنطن سارعت الحكومة الألمانية إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الأمنية الاحتياطية التي طالت الحريات المدنية والشخصية. وكان من هذه لإجراءات على سبيل المثال السماح للشرطة والمخابرات بالإطلاع على المعلومات الشخصية عن طريق البنوك ووكالات السفر والمصالح الخدمية، وكذلك مراقبة المساكن والجمعيات، وتشديد قانون الأمن الجوي الصادر عام 2005 لإجراءات المراقبة على المسافرين والعاملين في المجال، بالإضافة إلى السماح باعتراض الطائرات المدنية المخطوفة وإسقاطها عند الضرورة. لكن المحكمة الدستورية العليا حكمت بتعارض الكثير من هذه الإجراءات ا مع مبادئ الدستور الألماني. يذكر هنا أنه اعتبارا من عام 2004 دخل قانون ألماني خاص بالأجانب موضع التنفيذ تستطيع بموجبه السلطات المختصة إبعاد الأجانب المتطرفين من الأراضي الألمانية بسهوله اكبر من ذي قبل. في هذا السياق يقول أخصائي العلوم السياسية كريستوف بوترفاجه بأن "النقاش حول الهجرة تم ربطة بالنقاش حول الإرهاب والأمن الداخلي"، مضيفا بأن ذلك يمثل "خلطا خطيرا" للأمور.
البيروقراطية الأمنية وتعقيدات القضاء يحدان من فعالية مكافحة الإهراب
في كل مرة وعقب اكتشاف خطط لأعمال إرهابية أو بعد كل تفجيرات إرهابية، لكن إيضا قبل كل انتخابات برلمانية أصبح من الطقوس السياسية المعتادة المطالبة بتشديد الإجراءات الأمنية. لكن المشكلة تكمن، وفقا لرئيس إتحاد موظفي المباحث الاتحادية الألمانية، كلاوس يانزن في كيفية توحيد وتنسيق أعمال الأجهزة المختصة بمكافحة الإرهاب وليس في توفر الوسائل التقنية والقوانين الأمنية. ويشير المسئول الألماني إلى عدم وجود نظام موحد بين الولايات والأجهزة لتبادل المعلومات والخبرات. فالأجهزة التابعة للمكتب ألإتحادي لحماية الدستور وعددها 17 جهازا ليس لديها حتى الآن نظام موحد للمعلومات، حسب يانزن. ويضيف المسئول الألماني قائلا بأن مكافحة الإرهاب تتوزع على حوالي 37 جهة. وحتى مركز مكافحة الإرهاب (GTAZ) الذي أنشأ مؤخرا والذي يفترض أن تنضم تحته جميع الجهات المختصة بهذه المهمة، لا يعمل بالشكل المرضي. أما على الصعيد التعاون الدولي والأوروبي المشترك فإن التعاون الفعال يفترض في البداية فعالية الأجهزة الداخلية وانسيابية المعلومات بينها.
وعلى الصعيد القضائي تعتبر ألمانيا من الدول التي تمتلك نظام قضائي معقد توصف أحكامه بأنها غير شديدة مقارنة بدول غربية كثيرة. ويرجع ذلك لكون ألمانيا دولة قانون توطدت فيها الحقوق المدنية والشخصية عبر عشرات السنين. ويجد الادعاء العام في ألمانيا صعوبات حقيقية في إثبات التهم على المشتبه بهم، حيث هناك إجراءات معقدة وطويلة واستئناف وطعون في الإحكام مما يجعل من عملية إدانة شخص ما وإصدار حكم نهائي عليه غاية في الصعوبة ويستغرق سنوات.
اندماج المسلمين صمام أمان للأمن في ألمانيا
منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر يشكو المسلمون من ووقوعهم جماعيا تحت تهمة الإرهاب كما لو كان لكل مسلم ملتزم دينيا ميول للقتل الجماعي. غير أن العزلة الناجمة عن التهمة الجماعية للمسلمين في ألمانيا أدت إلى اتجاه المسلمين أكثر إلى التدين حسب ما أثبت دراسة قام بها مركز الدراسات التركية. وأكدت هذه الدراسة تزايد أهمية الدين بشكل ملحوظ لدى مسلمي ألمانيا منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. في هذا السياق يعتقد أودو اولكوتا، الخبير في شئون الإرهاب، بأن الحيلولة دون استشراء التطرف في أوساط الجالية الإسلامية يتوجب أن يكون الهدف الرئيسي على سلم اولويات سياسة مكافحة الإرهاب. "لا يمكن محاربة الإرهاب بنصب 10 آلاف كاميرا مراقبة ولكن بالبحث عن جذور المشكلة". لكن في ظل النقاش الهيستيري حول بعض القضايا المتعلقة بالجالية الإسلامية مثل الحجاب والقتل تحت مبرر ما يسمى بغسل الشرف وكذلك قضية الاندماج يتم التغاضي عن حقيقة يؤكد عليها الخبراء باستمرار وهي أن إشراك الجالية الإسلامية في مكافحة الإرهاب ضرورة لتحقيق الأمن في البلاد.