"الدين لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني"
٢٣ نوفمبر ٢٠٠٥لا شك أن الجالية اليهودية أحد أهم مصادر إثراء المجتمع الألماني متعدد الُثقافات والأديان، فمنذ عدة قرون تشمل مساهمات المواطنين اليهود مختلف نواحي الحياة في ألمانيا. لقد كان لمساهمات العلماء اليهود، على سبيل المثال لا الحصر، الفضل في أن تصبح اللغة الألمانية لغة العلم على مستوى العالم إبان القرنين التاسع عشر والعشرين. فهناك قائمة طويلة جداُ لهؤلاء العلماء تضم أسماء عالمية شهيرة على غرار ألبرت اينشتاين وإرفين شرودينغر وماكس بورن. وفي بدايات القرن العشرين لم تؤدي مساهمات المواطنين اليهود في ألمانيا إلى ازدهار الجانب العلمي فحسب، لاسيما وأننا نرى التراث اليهودي متلاحماً مع التراث الثقافي والفني الألماني. ولعل ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى حرص معتنقي الديانة اليهودية منذ زمن طويل على الاندماج في المجتمع الألماني. لكن بالرغم من ذلك تعرض ملايين اليهود في القرن الماضي للاضطهاد خلال الحقبة النازية التي بدأت بفاجعة عام 1933، عندما تسلم الدكتاتور أدولف هتلر زمام الأمور في الرايخ الثالث، وانتهت بإقصاء الحكم النازي في ألمانيا عام 1945.
وبعد ترسيخ مبادئ الديمقراطية في جمهورية ألمانيا الإتحادية أخذت الجالية اليهودية في الانتعاش مجدداُ عن طريق الهجرة والاندماج في المجتمع. وحالياً يقدر عدد اليهود المتواجدين في ألمانيا حالياً بـ 110000 مواطن، هاجر كثير منهم من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً بسبب الاضطهاد ومعادة السامية، التي تشهدها بعض مناطق شرق أوربا. وتُمثل الجالية اليهودية في ألمانيا سياسياٌ من قبل المجلس الأعلى لليهود، الذي أبرمت معه الحكومة الألمانية الاتحادية عام 2003 اتفاقية للتعاون الوثيق والمستمر. ويعمل هذا المجلس على الحفاظ على التراث الألماني اليهودي ورعايته ويضلع بمهة تسهيل اندماج المهاجرين اليهود في المجتمع الألماني. وتضم واجباته أيضاً مكافحة العنصرية ومعاداة السامية في ألمانيا. القسم العربي بموقع دويتشه فيلّه أجرى مع الدكتور ديتر جراومان، عضو رئاسة المجلس الأعلى لليهود في ألمانيا، الحوار التالي:
دويتشه فيلّه: يعد مصطلح "الاندماج" أحد أكثر المصطلحات السياسية شيوعا ً في ألمانيا منذ عدة عقود، إلا أن الكثيرين لا يعرفون تحديداً مفاد هذا المصطلح. هل لكم بداية إعطائنا فكرة عن تصوركم لمفهوم وأهداف عملية اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني؟
جروامان: إن الاندماج من وجهة نظري هو سعي المهاجر إلى التأقلم مع المجتمع، الذي يحيا به، وذلك دون أن يفقد هويته الخاصة. نحن كيهود نرغب في أن نعيش في دولة تحترم هويتنا اليهودية. في الوقت ذاته يجب على هذه الدولة ألا تقصينا عن مجريات الحياة في المجتمع. أعتقد أن هذه الحتمية تشكل أحد أهداف الاندماج المرجوة منا جميعاً.
ما هي خصائص عملية اندماج أعضاء الجالية اليهودية الجدد في المجتمع الألماني؟
تمر عملية اندماج الأعضاء الجدد في الجالية ببعض الصعوبات أحياناً، إذ إنه ليس من الشائع أن تقوم الأقلية بإدماج الأغلبية. لكن هذه العملية تتم بنجاح. في هذا الإطار لابد وأن نذكر أن المهاجرين اليهود لا يمثلون عبئاً علينا، فهم أحد مصادر إثراء الجالية اليهودية والمجتمع الألماني ككل، لذالك فإننا نعمل وبكل جهد ممكن على استمرارية هجرة اليهود إلى ألمانيا. وهو أمر يحمل قدراً كبيراً من الأهمية، لاسيما وأنه يمنح الحياة اليهودية في ألمانيا ديناميكية وحيوية وأفاق جديدة مفيدة للجميع.
إلى أي مدى يمكن للمهاجر أن يتطبع بالطابع الألماني؟
إن لليهود تجربة تاريخية مؤلمة فيما يتعلق بهذا الأمر. لقد عاش في ألمانيا شعب يهودي حاول أن يكون ألمانياً للغاية أو بعبارة أخرى ألمانياً أكثر من الألمان أنفسهم. لكن ذلك لم يساعد اليهود على أي نحو إبان الحقبة النازية. من هذه التجربة نستطيع أن نستخلص ونتعلم أن لا أحد من المهاجرين سيصبح مواطناً ألمانياً بصورة أفصل عندما ينسى هويته اليهودية. ولا غرو أن الإقرار بالهوية الخاصة والحفاظ عليها لا يتعارض بأى حال من الأحوال مع كون المرء مواطناً ألمانياً مقدراً لواجباته. هذا الأمر لا ينطبق على المهاجرين اليهود فحسب، وإنما ينطبق على كافة المهاجرين المقيمين في ألمانيا.
ما هي الصعوبات التي تواجه المهاجرين اليهود في إطار مساعيهم للاندماج في المجتمع الألماني؟
يواجه المهاجرون اليهود الوافدون من دول الاتحاد السوفيتي السابق في البداية مشاكل معيشية صعبة تتمثل في عدم توافر مسكن أو عمل. إنها مشاكل المصيرية تشغل بال المهاجرين إلى أن يتمكنوا من إيجاد حلول لها. ومما لا شك فيه أن الإنسان، الذي يبحث عن وظيفة أو مسكن يقوم في البداية بالتركيز وبذل كل الجهود الممكنة من أجل الوصول إلى تلك الأهداف الرئيسة في الحياة. لكن بمرور الوقت يتحسن الوضع شيئاُ فشيء. ونحن نتمنى أن يتمكن الأشخاص المقيمون هنا لمدة طويلة من التأقلم مع المجتمع الألماني، ونرى في الجيل الثاني من المهاجرين اليهود أنه قد تمكن من تحقيق ذلك.
ما هو الدور الذي يلعبه الدين في عملية الاندماج؟
الدين بحد ذاته لا يشكل عائقاً أمام اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، كما أنه لا يساعد على الاندماج. إن المعتقد هو أمر شخصي بالنسبة للفرد، ولا يمكن أن يمثل عقبة أو تسهيلاً لعملية الاندماج. لا شك أننا نشعر أحياناً بالقلق إزاء تقوقع بعض المهاجرين المقيمين في ألمانيا في مجتمعات منغلقة عليهم. وأعلم عن اليهود أنهم يبذلون كل الجهود الممكنة للحيلولة دون العيش في غيتو مغلق، إذ أننا نؤمن بحتمية العيش في قلب المجتمع وبأهمية رعاية عقيدتنا اليهودية، كما نؤمن بأننا يجب ألا نكون منغلقين على أنفسنا.
ما هي أهمية أن تقوم منظمة واحدة فقط بتمثيل كل مجموعة من المهاجرين؟
لا أريد أن ألقن أحداً درساً ولكن اليهود في ألمانيا لديهم تجربة على هذا الصعيد تتخلص في أنه من المفيد ألا نشتت قوانا وأن نوحد صفوفنا. من يوحد صوته وقواه يؤخذ مأخذ الجد ويحظى بثقل سياسي، على عكس ما هو عليه الحال عندما تقوم عدة منظمات متفرقة بتمثيل مجموعة واحدة من المهاجرين. المحافظة على وحدة الموقف السياسي لا تعدو أمراً سهلاً بالنسبة لنا دائماً، لذالك فإننا نبذل باستمرار قصارى الجهد للحفاظ على وحدة الصف.
أجرى الحوار علاء الدين سرحان