ألمانيا تحتفل بالذكرى الأربعين لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل
تحتفل ألمانيا وإسرائيل اليوم بالذكرى الأربعين لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما. وتعود الولادة الصعبة لهذه العلاقة الخاصة بين جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية سابقاً) وإسرائيل إلى الجهود المضنية التي بذلها كل من المستشار الألماني كونراد أديناور ورئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون، وذلك من أجل إقناع النخب السياسية في كلا البلدين بضرورة هذه الخطوة التاريخية التي رأوا أنها ستخدم مصلحة البلدين. ويرجع الرفض الشديد في الأوساط السياسية الإسرائيلية لإقامة علاقات دبلوماسية مع "بلد المجرمين" آنذاك إلى ذكرى المعاناة الأليمة لغالبية الإسرائيليين الذين فقدوا أقرباء لهم في معسكرات الموت النازية. أما دوافع المستشار الألماني فتمثلت بقناعته الشخصية بأن عودة جمهورية ألمانيا الاتحادية حديثة النشأة إلى المجتمع الدولي مرتبط بقدرة الشعب الألماني على تحمل مسؤوليته التاريخية أمام العالم تجاه ضحايا جرائم العهد النازي.
كاتساف يلقي خطابا في البوندستاغ
كشفت المتحدثة باسم البرلمان الألماني "بوندستاغ" اليوم عن أن الرئيس الإسرائيلي موشي كاتساف سيلقي في 31 مايو الجاري خطابا في مقر البرلمان الألماني. ووفقا للمتحدثة فإن كاتساف سيلقي كلمته في جلسة خاصة للهيئة التشريعية الألمانية الأولى. وقالت مصادر البرلمان إن زيارته لبرلين تأتي على خلفية الاحتفالات بمناسبة مرور 40 سنة على العلاقات الثنائية بين الدولة العبرية وألمانيا. وكانت ألمانيا وإسرائيل قد دشنتا في الثاني عشر من مايو في عام 1965 العلاقات الدبلوماسية بينها، أي بعد مرور 20 عام على انتهاء الحقبة النازية التي أدت إلى إبادة ستة ملايين يهودي أوروبي. أما المستشار الألماني غيرهارد شرودر فقد تحدث اليوم عن أن الألمان والإسرائيليين اقتربوا في السنوات الأخيرة بالفعل من بعضهما البعض. وأشاد شرودر اليوم في برلين أن بالعلاقات بين البلدين قائلا إن لا يوجد دولة أخرى تربطها علاقات قوية بإسرائيل مثل ألمانيا.
بداية الطريق
عُقد أول لقاء قمة ألماني- إسرائيلي بين كونراد أديناور ودافيد بن غوريون في شهر آذار/ مارس في نيويورك. والجدير بذكره في هذا السياق أن "اتفاق لوكسمبورغ" الذي تعهدت فيه ألمانيا تجاه إسرائيل، كممثل لحقوق اليهود الذين فقدوا حياتهم ضحية للإرهاب النازي، بتعويض ذويهم مادياً مهد الطريق أمام إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومما لا شك فيه أن العلاقة الشخصية الخاصة بين هذين الزعيمين المخضرمين اللذان ألقيا بثقلهما السياسي لإنجاح مشروع المصالحة الصعبة بين الشعبين ساهمت بصورة جوهرية في الوصول إلى هذه النتيجة الايجابية.
إعادة قراءة التاريخ
يمثل إجماع الأحزاب السياسية الألمانية على تبني المسؤولية التاريخية تجاه ضحايا النازية ركيزة من أهم الركائز الأساسية التي قامت عليها جمهورية ألمانيا الاتحادية. كما أن الدستور الألماني ينص بشكل واضح على التزام ألمانيا بمحاربة الفاشية والعمل على نشر السلام في العالم. ويلقى التذكير بهذه الهوية السياسية الجديدة لألمانيا اهتماماً خاصاً في ظل عودة أحزاب نازية إلى الحياة السياسية الألمانية، وهو ما يطرح تحدياً لم يسبق له مثيل على الديمقراطية في ألمانيا. ومما يتطلبه استراتيجيات عمل جديدة للتعامل الجاد مع محاولات إعادة قراءة التاريخ الهادفة إلى التقليل من هول الجرائم النازية للتملص من المسؤولية والشعور بالذنب تجاهها.
حساسية العلاقة
رغم أن ألمانيا تعتبر من الناحية السياسية حليف إسرائيل الأول في أوروبا ومن الناحية الاقتصادية شريك الدولة العبرية الثاني بعد الولايات المتحدة، غير أن العلاقات بين البلدين لا تزال بعيدة كل البعد عن أن تكون العلاقات طبيعية. علاوة على ذلك لم تفلح العلاقات التجارية المميزة بين الدولتين في التخفيف من حدة الجدل الذي لا ينقطع حول هذه العلاقة. فالاسرائيليون يعتقدون أن آلامهم التي عانوها على يد النازيين الألمان أكبر من أن تمحوها السنين، والألمان يشعرون بالذنب وبتأنيب الضمير تجاه اليهود ودولتهم. لذلك تبدو العلاقات بين البلدين جيدة على السطح لكنها تخفي الكثير من التعقيدات في العمق.
الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي ينتقد هذا الوضع، معتبراً أن المسؤولية الخاصة لألمانيا تجاه إسرائيل لا تعفيها بل تحتم عليها ممارسة النقد البناء تجاه السياسة الإسرائيلية. وقال الصحفي في حديث مع دويتشه فيلله "أعتقد أننا بالغون بما فيه الكفاية للتفريق بين ويلات الماضي والنقد البناء. أستطيع تفهم مشاعر الألمان التي تبقيهم دائماً متأخرين خطوة عن الآخرين. لكن ذلك لا يعني أن ليس من حق ألمانيا انتقاد اسرائيل. لماذا لا تنقدها عندما تتسبب أيضاً في ويلات". وقد سبق وأن اثير جدل حول تقارير ليفي الصحفية التي تتناول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتنتقد بشدة السياسة الإسرائيلية. خاصة وأن هذه التقارير تنشر في الخارج.
اما الكاتب الإسرائيلي ديفد جروسمان، والمعروف عنه انتقاده اللاذع للحكومة الإسرائيلية، فيقول أن من الصعب نسيان الماضي، فلقد انتزع الألمان من اليهود أسماءهم وملابسهم ومواهبهم بل جردوهم من إنسانيتهم. وأضاف أنه حتى وقت قريب كان لا يتصور امكانية زيارته لألمانيا، إلا أنه مع صدور روايته "ابتسامة الحمل" مترجمةً إلى الألمانية قرر السفر إلى هناك. وقال معلقاً على هذه الرحلة أنه لم يندم عليها.