ملحد مغربي: أي محاولة للتفكير الحر تعد حربا ضد مقدس الجماعة
٢٧ فبراير ٢٠١٤DW عربية: قبل سنوات أشهرتَ إلحادك عبر مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب. لماذا أقدمتَ على هذه الخطوة؟
قاسم الغزالي: في الواقع أنا لم أشهر "إلحادي" بالشكل الذي يفهمه البعض على أنني وقفت لأخاطب الناس كي يتعرفوا على موقفي الرافض للإيمان، أو أنني كنت أرغم المؤمنين على الكفر بالله، فمن المؤكد أن لا مصلحة لي في ذلك. كل ما في الأمر هو أنني كنت أفكر بصوت عال، وأمارس حقي في حرية التعبير، وبما أننا دائما نتحدث عن مجتمع إسلامي بعيد كل البعد عن ثقافة حق الإنسان في الاختلاف، فإن أي محاولة للتفكير الحر والنقاش المفتوح يتم اعتبارها حربا ضد مقدس الجماعة. وللأسف هذه الحالة من رفض الصوت الحر المختلف، لا تقتصر على سؤال حرية المعتقد كما هو الحال بالنسبة لي فحسب، وإنما تشمل جميع القضايا سواء السياسية أو الاجتماعية.
وحتى أجيب على سؤالك بشكل مباشر، يجب أولا أن أوضح أن موقفي الرافض للدين بشكل عام لم يأت بين عشية وضحاها، بل هي نتيجة لمسار طويل عبرت منه من اليقين إلى الشك. وذلك بدءا من دار القرآن إلى معاشرة الجماعات الإسلامية مرورا بأسئلتي الشخصية والشك الذي رافقني منذ طفولتي. وعند مرحلة الدراسة الثانوية كنت دائما أبحث عن مجال يسمح لي بالكتابة والحديث عن أسئلتي ومحو شكوكي. وبحكم الرقابة داخل المدرسة وأيضا الأسرة، لم أجد بديلا عن الانترنت، لأبدأ حياة أخرى من خلال المدونات والمواقع الجتماعية. غير أن علاقتي بالإنترنت وتواصلي مع ملحدين من العالم الإسلامي للمرة الأولى شجعني أكثر على مواصلة التدوين وأدركت حينها أنني لست الكافر الوحيد.
كيف كان رد فعل عائلتك ومحيطك؟
الأسرة هي دائما مرآة مصغرة للمجتمع، وبحكم أنني أنتمي لفئة اجتماعية من الطبقة المتوسطة، تفهم أبي الوضع، لكنه سرعان ما بدأ يؤنبني وطلب مني مغادرة البيت. ويأتي هذا بعد أن تعرض هو نفسه إلى انتقادات قوية من قبل المجتمع والأصدقاء. وهناك بعض الأقارب الذين عوض الحديث إليّ بشكل مباشر، توجهوا باللوم والعتاب إلى أبي بدعوى أنه لم يحسن تربيتي، وأنه المسؤول عن "انحرافي". وهنا نكتشف أننا أمام مجتمع لا يعترف بالفرد واختياراته الشخصية، ويعتبر الأفراد جماعات متحركة فقط.
أما عن المحيط، فإنني عانيت كثيرا من زملائي بالثانوية بعد أن شن عليّ مدرس مادة التربية الإسلامية حملة تشويه وتحريض، حيث كان يحضر حاسوبه المحمول إلى الفصل ليطلع التلاميذ على مدونتي والمواقع التي كنت أكتب فيها، ويقول لهم إنني مرتد كافر وأتلقى دعما من الصهيونية والماسونية لأشعل الفتنة وأحارب دين الله، ليلتحق به مدير الثانوية الذي عقد اجتماعا لجمعية أباء وأولياء التلاميذ كي يرسلوا بلاغا ضدي إلى مندوب وزارة التربية الوطنية يتهمونني بزعزعة عقيدة التلاميذ وعدم الانضباط. في نهاية المطاف، ذكر اسمي بأحد مساجد القرية خلال صلاة الجمعة بعد حوار أجريته مع قناة فضائية غربية حول سؤال كيف يمكن أن تكون مدونا وملحدا بمجتمع إسلامي. وبعد كل هذه الأحداث وغيرها، اضطررت لمغادرة بيت أسرتي ولجأت إلى بعض الأصدقاء الملحدين بمدن مغربية كبيرة كالدار البيضاء والرباط.
اعتبر البعض إعلانك عن الإلحاد مسّاَ بمشاعر عامة المواطنين المغاربة الذين يتدينون بالدين الإسلامي. ما تعليقك؟
الأديان بالنسبة لي كملحد تفتقد لصفة القداسة، وحينما أناقشها وأعبر عن رفضي لها، فأنني أكون أمام مجموعة من النصوص والقوانين التي يحق لكل شخص التعليق عليها، خصوصا تلك التي يتم اعتمادها لتبرير العنف وانتهاكات حقوق الإنسان كما هو سائد اليوم بالعالم الإسلامي. ثم إن المشاعر شيء نسبي لا يمكن قياسه، وهي تختلف من شخص لآخر، فما قد يعتبره السلفي مساسا بمشاعره الدينية، يجده المسلم المعتدل أنه يدافع عن حرية التعبير.
تلقيتَ بعدها تهديدات بالقتل، وطلبتَ اللجوء السياسي في سويسرا. ما الذي تغير؟
تلقيت التهديدات وتعرضت للضرب وأبعدت عن المدرسة وأنا في السنة الختامية للبكالوريا. أعتقد أن تجربتي في المغرب قبل هجرتي إلى سويسرا غيّرت أشياء كثيرة بداخلي. حاليا، أشتغل كممثل لمنظمة دولية لدى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، حيث كنت سعيدا جدا لأنقل نشاطي من الإنترنت وصفحات بعض الجرائد إلى فعل يفضح ويندد بالانتهاكات التي تطال المفكرين الأحرار والملحدين بالعالم الإسلامي وليس المغرب فقط، وذلك من داخل مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وهو منصب ممتاز للدفاع عن قناعاتي.
ماذا عن المسلمين في سويسرا، هل يحترمون اختياراتك أم أنهم يختارون أيضاَ لغة القمع وهل تشعر أنك آمن؟
لا يوجد مكان آمن، هنالك فقط أمكنة أكثر أمنا من أخرى. العالم مليء بالمجانين. هنا بسويسرا، أتلقى بعض التهديدات التي تقول "لا تفرح كثيراُ، المسلمون في كل مكان"، إنهم يعتبرون أنفسهم في حالة حرب دائمة، وهذا مؤسف جدا. كانت لي قضية ضد مسلمة سويسرية من أصول صربية هددتني بالقتل، والقضاء كان عادلا. المتطرفون هنا يخافون من سلطة القانون الذي بدوره يحمي كل الأقليات، وهذا ما ينقصنا بدولنا حيث القضاء غير مستقل وتوجهه أيادي خفية وأخرى مباشرة. بيد أن شعارات الجماعات الإسلامية هنا (في الغرب) أكثر عنفا وتطرفا والسلطات تكتفي بالمتابعة عن بعد فقط. أعتقد أن أوربا لم تستوعب بعد أن لحرية التعبير حدود حيث لا يحق لي أن أحرض على قتل شخص ما وأعتبر ذلك حرية، أغلب المدافعين عن هذا الموقف ينتمون لأحزاب اليسار التي لا تجد حرجا في التعامل مع الجماعات السلفية المتطرفة.
إضافةً إلى دفاعك عن الحرية الدينية تدافع أيضاً عن الحرية الجنسية. فلماذا تعبر ذلك مُهماً أيضاَ؟
المطالبة بالحرية الجنسية، تأخذنا إلى الثورة ضد بؤس الثقافة والمؤسسات. يعد سؤال الجنس من أكثر الطابوهات أهمية، بل هو أكثر حساسية من الأسئلة المتعلقة بالإيمان. الحرية الجنسية تؤدي بنا حتما إلى المصالحة مع الجسد والذات، وتمكن الفرد من التفكير بشكل حر. إنها انتصار على الطابوهات، وتحفيز للفرد من أجل الإبداع، وربط علاقات تواصل حرة مع الآخرين. إننا بحاجة للاشتغال على بناء الفرد فكريا ونفسيا، وتخليصه من كل تلك الطابوهات. نحن لا ندعو طبعا إلى الفوضى فالأمر هنا يتعلق بحق أفراد في ممارسة حرياتهم الفردية كما أن الحرية الجنسية لا تعني فقط السماح لهم بممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج، بل تتعدى ذلك للمطالبة بضمان حقوق المثليين، وعدم التجريم القانوني للخيانة الزوجية، والإقرار من طرف الدولة بأن الحياة الخاصة للأفراد لا تعنيها في شيء، وبأن كل فرد مسؤول عن نفسه وله كامل الحق في اختيار شريكه الجنسي. إنها مطالبة لتسحب الدولة أنفها عن الملابس الداخلية للمواطنين.
ما هي مصادر التضييق الذي يواجهه الملحدون في المغرب؟ هل هي السلطة، الحركات الإسلامية أم المجتمع؟
هنالك مضايقات كثيرة تواجه الملحدين المغاربة، فالسلطة تمسك العصا من الوسط ولا تتخذ مواقف واضحة حول قضية حرية المعتقد، وإن كنا محظوظين عكس دول عربية أخرى حيث يتم اعتقال الملحدين ومتابعتهم. في المقابل، فإن السلطات المغربية تقوم باعتقال مفطري شهر رمضان علنا، والمجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه الملك محمد السادس مباشرة، أصدر فتوى تحلل قتل المرتد. وبات واضحا في السنوات الأخيرة، أن السلطة بالمغرب بدأت مرحلة من التطبيع الرسمي مع الحركات الإسلامية المتطرفة وبعض رموزها التي تدعوا علانية لقتل الملحدين وتكفير بعض الشخصيات العامة من كتاب وسياسيين، وقد قامت بإطلاق سراح الكثير من رموز السلفية الجهادية خلال بداية رياح الربيع العربي بالمنطقة. وفي الأسابيع القليلة الماضية صدر حكم قضائي بتغريم شيخ سلفي مبلغ 50 يورو وحبسه لمدة شهر مع وقف التنفيذ، لأنه كفّر بعض الشخصيات السياسية ومفكرين مغاربة في تسجيل على موقع اليوتوب، كما أنه حرض على ارتكاب أعمال جنائية يعاقب عليها القانون، غير أن الحكم كان بمثابة در للرماد في العيون. أما بخصوص المجتمع المغربي، فأغلبيته وان كانت لا تمارس الشعائر الدينية فإنها متعلقة بشكل قوي بالإسلام المجتمعي، وما زالت هنالك أفكار خطيرة تعتبر أن كل من ارتد عن الإسلام هو شخص "مريض" وجب التصدي له وعدم التعامل معه و في أسوء الحالات فهو، أي المرتد، لا يستحق الحياة. ومن ثمة فإن أغلب حالات الاضطهاد ضد الملحدين تمارس من طرف المجتمع في ظل غياب ضمانات قانونية. حدة هذا الاضطهاد تختلف بين الطبقات الاجتماعية، فالقرى والأحياء الهامشية يكون الوضع فيها سيئا جدا، أما في بعض الأحياء الراقية بالبيضاء أو الرباط فنادرا ما تجد شخصا يكترث بالسؤال عن معتقد جاره أو صديقه. كل هذا يجعلنا نتساءل عن أي اتجاه يسير المغرب؟ هل إلى مغرب المواطنة وحقوق الإنسان أم إلى مغرب الأقنعة واللاتعايش؟!
*قاسم الغزالي: مدون علماني وناشط حقوقي يعيش في سويسرا كلاجئ سياسي. ولد في المغرب عام 1990، وهو ويعمل ممثلاً لمنظمة دولية لدى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.