مفوض حقوق الإنسان في ألمانيا: "لا يمكننا أن نرسم العالم كما نريد"
١٦ مايو ٢٠١٣
DW: دور ألمانيا باعتبارها دولة مصدرة بالنسبة للشركاء التجاريين، وباعتبارها جهة مانحة بالنسبة للبلدان النامية لا يتوافق دوما مع نداءاتها بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. غالباً ما يتولد انطباع بأن السياسة الواقعية في ألمانيا تتفوق على الأخلاق. ما أسباب خضوع سياسة حقوق الإنسان في ألمانيا للسياسة الواقعية؟
ماركوس لونينغ: السياسة الدولية معقدة وتشمل دائماً الكثير من المجالات السياسية المختلفة. لذلك لا أرى الأمر صائباً بأن نقارن بين القيم والمصالح ونضعها في مواجهة ضد بعضها. نعم نحن دولة منتجة ومصدرة. الملايين من الوظائف في ألمانيا تعتمد على بيعنا لمنتجاتنا في جميع أنحاء العالم. ولكننا في الوقت ذاته أمة ذات تاريخ يتميز بأننا تغلبنا على أسوأ انتهاكات لحقوق الإنسان يمكن للمرء أن يتصورها. هذا واجبنا. هذان الأمران مهمان ويجب أن يسيرا معاً. أحياناً قد يبدو أن هناك تناقضاً بينهما، ولكن في أحيان أخرى يكملان بعضهما، لأن التجارة مع الدول الديمقراطية والدستورية هو ما نفضله إذا كان ممكناً.
هل لديك – كمفوض لحقوق الإنسان – إمكانية للحديث وتغيير شيء ما؟
بالطبع. إذا كان لدي انطباع بأن التعاون مع حكومة إحدى الدول يجب أن لا يستمر، فسأقول ذلك طبعاً. ما يذهلني دائماً هو قوة رد الفعل لأسوأ الأنظمة في العالم أمام ضغط الرأي العام. فحتى النظام الإيراني حساس جداً تجاه النقد. وكذلك عندما ترى الجهود الكبيرة التي تبذلها الصين كي لا تتعرض لانتقاد علني من قبلنا، فإن ذلك يدل على أثر النقد الذي يصيب تلك الحكومات. شيء واحد علينا القيام به دائماً: الإشارة بوضوح إلى أولئك الذين ينتهكون حقوق الإنسان.
كيف يمكن في السياسة الخارجية العمل من أجل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
يمكننا فعل الكثير لدعم التنمية القائمة. يمكننا أن نساعد في تدريب الصحفيين والقضاة وضباط الشرطة، أو تقديم المشورة بشأن المسائل القانونية. ولكن الديمقراطية وحقوق الإنسان يمكن أن تتعزز، فقط في تلك البلدان التي تبادر بنفسها للسير في هذا الاتجاه. هنا يمكننا المساعدة، ولكن لا يمكننا أبداً أن نفرض ذلك من الخارج.
منظمات إغاثة ألمانية مدعومة من وزارة الخارجية الألمانية تؤدي أعمالها الآن في سوريا. ألا يعد ذلك انتهاكا للسيادة السورية؟
في سوريا هناك الآن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية التي شهدناها في السنوات الأخيرة: هناك ملايين اللاجئين، والحرب دمرت البلاد، الناس تعرضوا للتعذيب، والكثيرين قُتلوا. نظام الأسد يقتل مواطنيه، ويحاصرهم ويجعلهم في عوز كبير، كما انه يعيق وصول المساعدات إلى المناطق التي لم يعد يسيطر عليها. وتقع على عاتق المجتمع الدولي مهمة حماية أولئك الذين لا يحظون بحماية حكومتهم. ولكل شخص الحق في أن يحصل على المساعدة عندما يكون في مثل هذا الوضع الحرج. ولذلك، فإننا ندعم المنظمات غير الحكومية الألمانية العاملة في ما يسمى المناطق المحررة. ولكننا شبه يائسين ونرى أن ما يقدم قليل جداً، نظراً للحاجة الكبيرة الموجودة هناك.
وماذا يمكن أن تفعل ألمانيا في حال جاءت الديمقراطية المنشودة في بلدان مثل تونس ومصر بعواقب غير مرغوب فيها؟
لا يمكننا أن نرسم العالم كما نريد. ما يمكننا فعله هو أن يقتصر دعمنا فقط على أولئك الذين يقودون بلدانهم نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. هذه العملية، كما نلمس ذلك أيضا في تاريخ أوروبا، لا تسير بسهولة. فالديمقراطية لا تبنى في يوم واحد.
إلى أي مدى يمكن نقل المعايير الألمانية أو الغربية وتطبيقها على دول أخرى؟
لا يوجد أي إنسان (في العالم) يريد أن يُعتقل تعسفياً أو يُعذب أو يُقتل. يريد أن تُحترم كرامته. هذا أمر لا يمكن لأي حاكم مستبد أو جماعة دينية أن تنكره وتقول: 'تقاليدنا تخالف ذلك'. إذا كان هناك تقليد يؤدي إلى عدم احترام حقوق الإنسان، فيجب تغيير ذلك. جوهر حقوق الإنسان: قدسية الحياة وكرامة وحرية الفرد، أمور ليست موضع نقاش أبداً.
في روسيا ومصر تم في الماضي تجريم عمل مؤسسات ومنظمات غير حكومية ألمانية. تم تفتيش مكاتب وأُعيق عملها. كيف يجب على ألمانيا أن تتصرف في مثل هذه الحالات؟
انتقدنا ذلك بشدة. ولكني قلق أكثر من أجل المنظمات غير الحكومية الروسية والمجتمع المدني المحلي، الموجود تحت ضغط كبير. هذا الضغط من النظام الاستبدادي ما هو إلا علامة على أن العمل أصبح يثمر. يجب أن نعمل بشكل مستمر وبكلمات واضحة من أجل توقف الاضطهاد.
ما هي الأدوات التي تمتلكها ألمانيا، من أجل دعم المجتمع المدني في روسيا، إذا كان عمل المؤسسات والمنظمات غير الحكومية يواجه إعاقة؟
هذا صعب جداً، لأن السيد بوتين ومعاونوه يريدون على ما يبدو قطع صلة المجتمع الروسي بالعالم. ولكن لدينا العديد من الوسائل: تبادل المعلومات، ودعوتهم إلينا، والمنح الدراسية للناس حتى يتسنى لهم العيش والدراسة والعمل لبعض الوقت في ألمانيا. الأهمية الأكبر نوليها لبقائنا على اتصال دائم مع المجتمع المدني، وأن يقوم أي سياسي (ألماني) يزور روسيا بالاجتماع بشكل علني مع ممثلي المجتمع المدني.
إلى أي مدى يمكن لألمانيا أن تتعاون مع الأنظمة القمعية؟
خير مثال على ذلك هو التعامل مع الوضع في كوريا الشمالية. إذا كنا نريد دفع كوريا الشمالية إلى نزع ترسانتها النووية، فيجب علينا أن نتعاون مع النظام في بكين، مع العلم أن هذا الأخير لا يحترم حقوق الإنسان. بدون الصين لا يمكن أن تتقدم الأمور في القضية الكورية، فالصين هي الجار الأكثر أهمية وربما البلد الوحيد الذي لديه شكل من أشكال التأثير على النظام في كوريا الشمالية. السياسة هي دائماً عملية موازنة، ويجب أن تكون قادراً على تحمل التناقضات.
أين ترى أوجه القصور في مجال حقوق الإنسان داخل ألمانيا؟
لدينا في هذه الأثناء عملية المراجعة الدورية. وتولد لدي بعض الخوف من نظرة الخارج إلينا وكيف يتم النظر إلى قضايا الأقليات والتمييز والعنصرية في ألمانيا. من الواضح أن تلك هي الأشياء التي نحن بحاجة لتفكير أعمق بشأنها.
ماركوس لونينغ (من الحزب الديمقراطي الحر FDP)، يشغل منذ عام 2010 منصب مفوض الحكومة الاتحادية لسياسات حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية.