مسلمو أوروبا وإشكاليات الهوية
٦ مايو ٢٠١٣الجدل الدائر حول الإسلام في أوروبا، الذي انتقل إلى دائرة الضوء بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابية، بات يركز على قضية هوية المسلمين واندماجهم في المجتمع. هذه القضية قسمت الرأي العام، بين من ينظر إلى الإسلام على أنه عنصر غريب على الثقافة الأوروبية ويطالب بإسلام يتفق مع مبادئ القانون وحقوق الإنسان، وبين من يعتبر أن الإسلام بات جزءاً من أوروبا، مثل المسيحية أو اليهودية.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المسلمين في أوروبا، بما فيها روسيا، يصل إلى 44 مليون شخص، أي ما يشكل ستة في المئة من إجمالي السكان. وهذا بحد ذاته يثير مخاوف لدى بعض الأوساط الرافضة للإسلام، إضافة إلى أولئك المتأثرين بظاهرة رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا).
لكن مسلمي أوروبا بحد ذاتهم يعتبرون أنفسهم إلى حد كبير أوروبيين، بحسب ما يقول سليمان فيلمز، رئيس تحرير "الصحيفة الإسلامية" التي تصدر في برلين. ويضيف فيلمز، في حوار مع DWعربية، أن "خلط النقاش حول الاندماج مع النقاش الدائر حول الإسلام خاطئ، وأعتبر أن من الخطأ القول بأن على أي شخص يدين بالإسلام أن يندمج في المجتمع. هناك بالتأكيد مسلمون من أصول مهاجرة. لكن أهميتهم بالنسبة لمجموع المسلمين في ألمانيا وأوروبا ومع مرور الوقت ليست كبيرة".
مرحلة انتقالية
إن قصْرَ الجدل حول مكانة الإسلام في أوروبا على الهوية الوطنية أو العرقية، والذي يصفه سليمان فيلمز بالخطأ، ساهم في انتشار ظاهرة رهاب الإسلام، وأثار مخاوف المواطن العادي بسبب التركيز على عناصر معينة ومميزة للدين الإسلامي، مثل قضية الحجاب أو بناء المساجد.
وفي هذا الصدد، يعتبر الإمام بنيامين إدريس، رئيس مركز الإسلام في أوروبا بمدينة ميونخ الألمانية، أن الجيل الذي وُلد وترعرع في ألمانيا ودول أوروبية أخرى لن يعاني من "أزمة هوية"، مشيراً إلى أننا نمر حالياً بـ"مرحلة انتقالية، وهي من أصعب المراحل، وتشبه الجسر الذي نعبره من جهة إلى أخرى. لكن هذه المرحلة ستنتهي بقدوم الجيل الذي يخلفنا وزوال الجيل الذي هاجر من مسقط رأسه".
لكن إدريس يربط انتهاء هذه المرحلة أيضاً بوجود المقومات اللازمة للتعاطي مع المسلمين كجزء طبيعي من المجتمع الأوروبي، والتي يرى أنها متجذرة في الدستور الألماني الذي "يضمن الحرية الكاملة للمعتقدات بغض النظر عن طبيعتها".
أما سليمان فيلمز، فهو يلقي باللائمة على الجمعيات التي تمثل مصالح المسلمين، والتي يرى أنها تربط بين الهوية العرقية والدينية، مما يسبب اختلاطاً على الرأي العام في ألمانيا. ويضيف فيلمز: "هذا ليس خطأ، فأولئك الأشخاص ينحدرون من تلك الدول، إلا أن الصلات التي يقيمونها بين هوياتهم الوطنية والإسلام تعطي انطباعاً بأن هاتين الهويتين مرتبطتان، على الرغم من عدم ارتباطهما".
ربط الانتماء الوطني بالهوية الدينية
في ألمانيا يشكل من ينحدرون من أصول تركية الغالبية العظمى من المسلمين، وذلك بحكم العدد الكبير من العمال الأتراك الذين استقدمتهم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية للمساعدة في جهود إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد والصناعة. هذا ولّد شعوراً لدى الألمان يربط بين الإسلام والثقافة والهوية التركيتين. لكن سليمان فيلمز يعتبر أن الهوية الإسلامية لا تقوم على الانتماء إلى دولة أو مجموعة عرقية معينة، بل على اللغة، وتحديداً اللغة العربية، وبالتالي "فإن أي شخص يعيش في أوروبا ويتكلم لغة أوروبية ويعرف العادات والتقاليد الأوروبية هو أوروبي".
كما يضيف الإمام بنيامين إدريس أن بعض التصريحات "غير المسؤولة" لمسؤولين ألمان ساهمت في خلق شعور بأن الإسلام غريب عن ألمانيا وبحاجة إلى أن يندمج في الأطر المجتمعية، وأن بعض الحركات المنتقدة للإسلام والعنصرية استغلت هذه المشاعر لنشر ثقافة الخوف من الإسلام وتأليب الرأي العام عليه.
وفي هذا السياق يقول رئيس تحرير "الصحيفة الإسلامية" سليمان فيلمز: "تصوير شخص من الجيل الرابع من المهاجرين على أنه تركي أو مغربي أو سوري هو سخافة، من وجهة نظر إسلامية. هذا كله مرتبط، للأسف، بخليط من الفكر القومي الأوروبي الراجع إلى القرن التاسع عشر والهوية المسلمة الضعيفة".
ويطالب فيلمز بأن يتقبل المسلمون في ألمانيا وأوروبا النقد البنّاء، وألا يتسرعوا لإلصاق تهمة العنصرية بكل من يخالفهم الرأي، وأن يشيروا بدلاً من ذلك إلى أن الانتقادات الموجهة إلى الإسلام حالياً لا تمتّ له بصلة، بل هي نابعة من أسباب أخرى.
أما رئيس مركز الإسلام في أوروبا بمدينة ميونخ، بنيامين إدريس، فيرى أن "على المسلمين ... أن يقدموا الصورة الصحيحة والجميلة والمعتدلة للإسلام. هذه مسؤوليتنا أيضاً كمسلمين".