مصر: هل تتحول سيناء إلى مركز عمليات للجهاديين والإرهابيين؟
٢١ يوليو ٢٠١٣يسود التوتر الأجواء في الإسكندرية والقاهرة، فيما تشهد سيناء وضعا كارثيا، فمنذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي قبل أسبوعين، ما أنفك متشددون ينفذون يوميا تقريبا هجمات قاتلة على رجال شرطة وعسكريين ومدنيين. وإزاء هذه العمليات تبدو السلطات الأمنية عاجزة عن السيطرة على منطقة شاسعة كشبه جزيرة سيناء. ويراقب خبراء في الشؤون الأمنية التطورات الأخيرة في سيناء بقلق متزايد، فـ"خلال الأسبوعين الماضيين انهار النظام الأمني" على ما يقول آرون زيلين من معهد واشنطن للشؤون السياسية في الشرق الأوسط. ويوضح زيلين في حوار مع دويتشه فيله أن بعض الأطراف استغلت الفراغ السياسي في مصر الذي نجم عن الانقلاب العسكري على حكم الإخوان المسلمين، حسب تعبيره.
وبعد الصومال واليمن ومنطقة الساحل الإفريقي وأفغانستان يبدو أن في سيناء منطقة للعمليات للمتطرفين والمتشددين في طور التكوّن، حيث تعكف جماعات سلفية وجهادية على بناء هياكلها هناك، على ما يوضح فايز فرحات من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في القاهرة. ويلفت إلى أن هذه الحركات إنما تسعى جاهدة - منذ نهاية حكم مبارك في عام 2011 - إلى إقامة دولة إسلامية في سيناء، ولهذا الغرض تقوم بتجنيد مقاتلين وتجميع الأسلحة.
شبكة علاقات معقدة
يذكر أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور منظمات جديدة على غرار "جيش الإسلام" و"أنصار بيت المقدس"، بعضها على علاقة بتنظيم القاعدة الإرهابي. ويعتقد كل من فرحات وزيلين أن هناك علاقات وطيدة تربط بين الجماعات المتطرفة في سيناء وفي قطاع غزة، حيث "ربطت منظمات على غرار أنصار الشريعة والتوحيد والجهاد في سيناء علاقات بالسلفيين الجهاديين في غزة"، على ما يقول فرحات، مشيرا إلى أن حركة حماس بدورها تلعب دورا في هذه العلاقات. وتكاد تكون معرفة أي جماعات تنشط في الصحراء في شمال سيناء وأي جماعات تنشط في الجبال في جنوبها صعبة حتى على الخبراء. كما لا توجد معلومات كافية حول عدد المقاتلين ومن يقف ورائهم، وإنما فقط مجرد تكهنات، على ما يقول زيلين، و "انطلاقا من المعلومات التي يمكن الحصول عليها لا نعرف ما يحصل بالتحديد في بعض المناطق من سيناء".
وإلى جانب الإسلاميين المتشددين الذين ينحدرون من دول مختلفة، يساهم عدد من البدو المسلحين في زعزعة استقرار وأمن المنطقة. ففي تلك الرقعة الأرضية التي تلتقي فيها القارتان الإفريقية والآسيوية تعيش قبائل بدوية لا تربطهم الكثير من القواسم المشتركة مع المصريين الذين يعيشون على ضفاف نهر النيل، فهؤلاء "لا يتكلمون حتى نفس اللهجة"، على حد تعبير يزيد صايغ، باحث في مركز الشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيجي في بيروت. ويضيف أن البدو رأوا أنه تم إقصاؤهم من التطور الذي شهدته المناطق السياحية في المناطق الواقعة على البحر الأحمر. ويبدو أن الكثيرين يعيشون على تهريب البشر والبضائع والأسلحة.
وتعتبر فكرة أن هؤلاء البدو قد يعملون لصالح الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة من شأنها أن تثير قلقا كبيرا. ولكن صايغ يخفف من تلك المخاوف، بحيث يقول: "إن فرضية أن كل البدو الذين يحملون السلاح ويطلقون النار على مراكز للأمن أو للجيش هم جهاديون أو عناصر من تنظيم القاعدة، فهذا أمر خاطئ"، لافتا إلى أن هناك على أقصى تقدير تعاون محدد زمنيا.
"الإخوان حالوا دون تتبع المتشددين بحزم"
وتعتبر سيناء الصحراوية القاحلة وذات الكثافة السكانية الضعيفة من المناطق التي تجتذب المتشددين. وقد حوّلت اتفاقية السلام التي وقعت عليها كل من مصر وإسرائيل عام 1979 إلى منطقة معزولة السلاح. وبموجب هذه الاتفاقية فإنه يحظر على القوات المسلحة المصرية نشر دبابات أو طائرات أو مروحيات عسكرية على الجانب الشرقي من قناة السويس. ووفقا للخبير الأمريكي زيلين فإن الجيش المصري في كل الأحوال لا يسعى إلى استخدام القوة المكثفة ضد الجماعات المسلحة.
من جهتها، أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لجيشها ليكثف من انتشاره في المنطقة الحدودية. يأتي ذلك بعدما تعرضت بلدة إيلات الإسرائيلية منذ عام 2010 ولمرات عديدة لإطلاق الصورايخ والقذائف. وفي هجمات إرهابية انطلاقا من سيناء لقي العديد من الإسرائيليين مصرعهم. وفي إحدى العمليات في الخامس من أغسطس/ آب عام 2012 هاجم مسلحون نقطة أمنية للجيش المصري وقتلوا 16 جنديا مصريا وعبروا الحدود إلى إسرائيل على متن مدرعة عسكرية تابعة للجيش المصري. وفي تبادل لإطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي قتل خمسة مهاجمين، فيما لم يصب أي جندي إسرائيلي، حسب المصادر الإسرائيلية.
ويرى فرحات أن حكومة الإخوان السابقة في مصر هي التي حالت دون تتبع الجيش المصري لهذه الجماعات بحزم، لافتا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن ترغب في الدخول في صراع مع هذه الجماعات قد تكون له تداعيات كبيرة. "الآن وبعد إبعاد مرسي عن منصب الرئاسية فإن للجيش الحرية في اتخاذ الإجراءات الضرورية ضد السلفيين والجهاديين في سيناء"، على حد تعبير فرحات.