مصر: مخاوف من "ثورة مضادة" و"غزل" بين الإخوان والعسكر
٢١ فبراير ٢٠١١تتزايد المخاوف في مصرمما يسميه البعض "الثورة المضادة"، وإشارات على تناغم أو غزل بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويرصد بعض المراقبين مؤشرات على هذا الأمر من خلال تشكيل لجنة تعديلات الدستور، ومن موقف جماعة الإخوان من "تحريم" أو تجريم حركة المطالب العمالية، ويتزامن ذلك مع تباطؤِ إجراءات تفكيك النظام السابق، وخلافات بين الجماعات المشاركة في الثورة على التحدث باسمها.
دويتشه فيله حاورت عددا من النشطاء والخبراء المصريين حول تصوراتهم بشأن الإتجاه الذي تسير نحوه مصر بعد الثورة؟
خالد عبد الحميد عضو ائتلاف ثورة الغضب، يؤكد أن مجموعته تناقش حاليا في اجتماعها كيفية التواصل مع الحركات الاحتجاجية، حيث يميل الائتلاف إلي تبني مطلب إسقاط اتحاد عمال مصر الموالي للحكومة ولجانه النقابية التي انتخبت بشكل مزور، وتكوين لجنة تفاوض باسم "شرفاء النقابيين" تبحث كل ملف علي حِدة، مع تبني الائتلاف ورقة حول المطالب الاجتماعية الاقتصادية، سيجري النقاش حولها خلال هذا الإسبوع.
"فزاعة الإخوان"
وينفي خالد عبد الحميد في حوار مع دويتشه فيله أن يكون الائتلاف قد أعلن قيادته للثورة أو التحدث باسمها، فهم يعبرون عن رؤي المجموعات الستة التي يمثلونها، وأنه يتحفظ علي الهواجس السائدة الآن عن التحالف بين الجيش والإخوان، وذلك لاعتبارات ثلاثة: الأول أن الاستسلام لهذا الهاجس هو استسلام لدعاية النظام مبارك نفسه خلال الأزمة وبعدها، وثانيها أن ثمة منعرجات كثيرة خلال يوميات الثورة كانت مناسبة لإستغلال "الإخوان" للأمر ولم يستغلونها، وثالثها ثقة "الإخوان" في أن التحالف مع أي جناح من أجنحة السلطة القديمة لن يحميهم من انتقام هذا النظام لاحقا.
أما فيما يخص شائعة وائل غنيم وطرد حرس القرضاوي له من على منصة الجمعة الماضية، فهو كان شاهدا عليها، فالقرضاوي ليس له حرس، ولقد صعد وائل غنيم ولم يتحمل زحام المنصة فنزل، مثله في ذلك مثل القيادي الناصري حمدين صباحي والمفكر محمد سليم العوا.
وعن شرعية ائتلافهم في غياب جماهير ميدان التحرير الضاغطة قال:"نحن لسنا ضد أي فصيل سياسي يعمل انطلاقا من مكتسبات الثورة، اللهم إشهار أحزاب بأسماء "التحرير" أو "25 يناير" أو الثوار، فهو ما نرفضه" وأضاف "نحاول خلال الأيام المقبلة توسيع قواعد الائتلاف في المحافظات والأحياء عبر التواصل مع شركائنا خارج الميدان، وفي الوقت الذي نطرح فيه تصوراتنا السياسية للحوار مع الجميع، أحزابا ونقابات ومثقفين".
هل يتحالف الإخوان مع العسكر؟
الناشط السياسي اليساري سامر سليمان، وأستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأميركية، يري أن الاحتجاجات العمالية يمكن تلبية بعض مطالبها دون خسائر، وأضاف ان "ضرب فساد رجال مبارك في المؤسسات الاقتصادية مهمة ثورية، دون انتظار نهاية الفترة الانتقالية" ولكن الأزمة تكمن برأيه في أن لا حكومة تسيير الأعمال ولا المجلس العسكري يحظيان بثقة الحركات الاحتجاجية فكلاهما مؤقت وكلاهما يحمل ظلال الحكم السابق، كما تطل مشكلة أخري خاصة بهذه الاحتجاجات هو عدم ارتباطها بفكرة التنظيم أو التأطير السياسي ، ولابد للعمال من حد أدنى من الوعي السياسي لتجاوز ضعف الحركة العمالية التاريخي.
ويري أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأميركية أنه بافتراض وجود تحالف بين العسكر والإخوان، فإنه تحالف مؤقت، فعلها من قبل ناصر في سنته الأولي بعد الثورة، وفعلها السادات بعد وصوله للحكم عام 1971، بل وفعلها مبارك نفسه عام 1981 بإطلاق سراحهم من المعتقلات، فهم القوة الأكثر تنظيما تاريخيا، لكنه لا يرى في احتوائهم داخل لجنة تعديل الدستور أمرا عابرا، وانما قد يكون لهدف منها محاولة لضرب تحالفهم الواسع الذي كونوه داخل الثورة بطريقة، عملا بقاعدة فرق تسد، والدليل عودة الجهاز الأمني لملاحقة البعض وأصوات السلفيين المرتفعة في الأيام الماضية والداعية لحماية المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وعن تضارب المصالح بين الجهات الداعمة للثورة يري سامر في حواره مع دويتشه فيله أننا مُقبِلون علي مرحلة مختلفة، تنتقل فيها القيادة من التحالفات وعمليات التنسيق السياسي الواسعة- كما ظهر في الثورة- إلي مرحلة التنظيمات الحزبية الراسخة وتحالفات سياسية بالمعني الجذري.
وقال سامر هناك بقايا النظام من تشكيل حزبي متشرذم، فالقوي الليبرالية مفككة بين "الوفد" و"الجبهة الديمقراطية" و"الغد" ، وكذلك الحال بالنسبة لليسار الذي يوجد القسم الأكبر منه خارج الأحزاب الشرعية(المعترف بها قانونيا)، ثم هناك "الإخوان". وفي ظل اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية يحتاج المشهد السياسي المصري، برأي سامر، إلى ما يمكن تسميته "بأحزاب الأرضية الواسعة" التي تبدو للأسف بعيدة المنال.
"مطلب الحد الأدني للأجور ليس مستحيلا"
خالد علي مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعتقد أن الجيش قد يلجأ إلي إجراءات عنيفة لمواجهة الإضرابات، خاصة مع التغطية الإعلامية الرافضة لها، لكنه لا يعتقد أن يسبب ذلك توقفها، فالعمال حتي بعد البيان الخامس حققوا مطالبهم في المحلة، حيث تمت إقالة رئيس مجلس الإدارة وتم احتساب أيام الإضراب أيام عمل، ويري الناشط الحقوقي أن التهديد ربما يخص أكثر قطاع البنوك، لحساسية هذا القطاع وعدم التعاطف الشعبي معه، علي الرغم من معاناة العاملين به من فساد وصل إلي حد تعيين ابنة رئيس الوزراء السابق في مصرف "بنك مصر" بمرتب وصل لـ200 ألف جنيه رغم أنها طبيبة أسنان.
وقد رفع المركز المصري مطالب للمجلس الأعلى للقوات المسلحة تتعلق بتحسين الحد الأدنى للأجور وإلغاء بعض الأنشطة في القطاعين الخاص والعام مثل السخرة والحراسة، بسبب "عدم مراعاتها كرامة العمال"، وهي مطالب يرى المركز، أنها مشروعة وسهلة التحقيق وتعيد للثورة زخم إنجاز المطالب الاجتماعية الاقتصادية بعد غلبة الطابع السياسي علي أهدافها في الفترة الأخيرة.
انتخابات رئاسية قبل البرلمانية
المحلل السياسي وائل عبد الفتاح يري أن الإعلان عن إستمرار قانون الطوارئ لمدة ستة أشهر، هو استمرار لعقلية الاستقرار بالمفهوم العسكري، وهي عقلية تشبه مدرعة بطيئة تحاول لجم سرعة سيارة المطالب الثورية السريعة، ويلاحظ أن التصريح لحزب الوسط ، الذي يتزعمه منشقون عن الاخوان المسلمين وفي مقدمتهم أبو العلا ماضي، بالعمل السياسي "ينسف أسطورة العلاقة بين الجيش والإخوان"، فالأخير منافس شرس للإخوان في ساحة الإسلام السياسي.
أما عن الحوار مع الإخوان فهو يندرج تحت إستراتيجيتين، الأولى قناعة المؤسسة العسكرية الشهيرة بأنهم أعداء الداخل التاريخيين، والثانية تقديم صورة للعالم الخارجي عن قبول النظام بالتعددية السياسية. أما عن ثقافة الإضراب فهي استمرار المواطنين في نهج انتزاع حقوقهم، مثلها مثل الحق في التظاهر، لكن هناك ضرورة لدفع الإضرابات نحو تفتيت بنية التسلط التاريخية للدولة عليها، فيجب إسقاط اتحادات العمال المزيفة، كونها الخطوة الأولى لتدعيم مجتمع مدني سليم. كما تطرح فكرة أسبقية الانتخابات الرئاسية علي البرلمانية، لسببين: الأول إنهاء إنفراد الجيش في موعد محدد، والثاني إعطاء الفرصة للقوى السياسية أن تعود بعد أن تكون قد بنت أحزابا قوية، تمنع إنفراد الإخوان وبقايا النظام من الإنفراد بالبرلمان.
هاني درويش – القاهرة
مراجعة: منصف السليمي