مصر: استمرار توظيف الدين في الصراع السياسي
٨ نوفمبر ٢٠١٣لا يمكن إسقاط الخطاب الديني الموجه من ذهنية السياسة المصرية حتى الآن، حيث انعكست في الفترة الأخيرة الأزمة السياسية على الخطاب الديني، فقد ظهرت حالة من التحريض والتحريض المضاد بين دعاة رسميين تابعين للأوقاف والأزهر من ناحية، وبعض شيوخ الإسلام السياسي من أنصار الرئيس المعزول من ناحية أخرى..
يوضح الداعية أسامة القوصي، المحسوب على التيار السلفي، لـDW عربية:"هناك خلاف سياسي أو حالة من تصفية الحسابات بين بعض مشايخ الأزهر والأوقاف والدعاة المنتمين لهما من ناحية، وقيادات الإخوان من ناحية أخرى، بسبب حالة الخلاف السياسي أيام حكم مرسي، لكن ذلك لا ينفي صحة الموقف الحالي للمؤسسات الدينية الرسمية"، حيث يرى الداعية أن " فتاوى بعض هؤلاء الدعاة ضد من يحمل السلاح، مثل فتوى المفتي السابق علي جمعة جائزة، وأنا أؤيد دفع شر حمّلة الأسلحة". ويعتبر الداعية أن الأزمة السياسية المصرية كان لها تأثير على الخطاب الديني، لكنه يطالب بأن "تلعب دور العبادة دورا دينياً فقط"، ويقول لـDW عربية " المساجد يفترض فيها أن تكون خادمة لا حاكمة..وأتمنى أن أعيش حتى أرى الدستور المصري خالياً من مواد الهوية الدينية والشريعة الإسلامية، خاصة أن هذه المواد لن تزد الإسلام شيئاً"، حسب تعبيره.
كما يعتبر القوصي أن الأسلوب الذي تتبناه المؤسسات الدينية الرسمية "يعد محاولة لإعادة الدين ليكون في خدمة المجتمع وليس السياسة، لأن هذا الاستخدام أمر محرم دينيا، ويجب أن تصدر قوانين تمنع توظيف الإسلام في السياسة، وذلك من أجل إعادة الدين لوضعه الصحيح"، حسب قوله. ويرى القوصى أن المؤسسات الدينية الرسمية تسعى إلى " جعل الخطاب الديني مستقلاً ومنزهاً عن خدمة أحد الفصائل السياسية، وذلك بأن يكون تابعاً لمؤسسات الدولة"، حيث يقول لـDW عربية: "حالة التحريض والتحريض المضاد لن تنتهي الآن. المشكلة قد تستغرق الكثير من الوقت، وربما يكون الخطاب الديني الرسمي عملياً، لكنه لن يكون الحل الوحيد، ولن يحقق النجاح المرجو منه دون التعامل الأمني، والسياسي كذلك وأن تجرى محاكمات عادلة لقيادات التيار الإسلامي، لأن العدالة ستحسم أي صراع". و يوضح لـDW عربية أن:" الخطاب الديني لأنصار الشرعية مثلاً يدفع القواعد للمصادمات، بينما تختبئ القيادات. لم نعد نسمع أية فتاوى جديدة لدعاة وشيوخ هذا التيار منذ أن بدأت المحاكمات".!
"حرب على الإسلام"
أصبحت المساجد والفتاوى الدينية خارج سيطرة المؤسسات الرسمية منذ قيام الثورة المصرية، حيث كان هناك توسع وإعادة انتشار لمواقع الدعوة داخل دور العبادة التابعة للأوقاف، كما ظهر العديد من الشيوخ داخل المؤسسات الدينية الرسمية يميلون لدعم تيار الإسلام السياسي. لكن المشهد تغيّر بعد عزل مرسي، وهو ما يؤكده المدرب الرياضي محمد عُبادة، المؤيد لمرسي، حيث يقول لـ DWعربية: "الفترة الحالية مثالية لتمييز الخبيث من الطيب، حيث تغلق أبواب المساجد أمام الدعاة الأفاضل، وتقوم وزارة الأوقاف بتحويل الدعاة للعمل الإداري لأسباب سياسية، كما أن هناك الكثير من الدعاة والشيوخ غيروا مواقفهم ليقفوا في صف السلطة الحالية. في السابق كنّا نطالب بأن يكون الداعية السلفي محمد حسان شيخاً للأزهر، لكن الحماس لهذا المطلب تراجع، لأن حسّان تخلي عن دعم الشرعية". عبادة يرى أن التشكيلة الحالية للحكم في مصر "تحارب الإسلام" ويقول :" نحن نحتشد حول المساجد كل جمعة لأن خطابنا الديني صار ممنوعاً". وكان من نتائج هذه "الحرب على الإسلام"، على حد تعبيره، أن " يفضل الدعاة المحسوبين على تيار الإسلام السياسي الابتعاد عن المساجد. الغضب يتملك من مشايخنا، هم يحترقون من الداخل، مما يذكر بملاحقة شيوخ الإسلام السياسي قبل الثورة، حينما كنّا نتداول سراً معلومة أن الشيخ محمد حسين يعقوب مثلا سيخطب صلاة الجمعة بأحد المساجد قبل الموعد بساعات فقط".!
يرى عُبادة أن هناك تحريضا ضد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث يوضح "المفتي السابق على جمعة كان يخطب في حضور السيسي والرئيس عدلي منصور (يتوقف، ويقول:عذراً، هو ليس رئيساً، الرئيس هو مرسي بالطبع)، وكانت خطبته تحرّض ضدنا، وهناك تسريبات لكلمة ألقاها "جمعة" أيضاً أمام ضباط الجيش المصري، وأظن أنها عرضت قبل فض اعتصامات الإخوان وأنصار مرسى.. أنا متأكد أن هناك دعاة تم استخدامهم سياسياً لتعبئة الجنود قبل فض اعتصامات الإخوان، منهم المفتي السابق علي جمعة، والداعية عمرو خالد. سمعتُ حكاية أن أحد الضباط كان ضميره يؤرقه لقتله 80 شخصا في أحداث فض اعتصام رابعة، هذا الضابط قابل علي جمعة، الذي احتضنه الأخير وقال له لا تحزن.. ما فعلته هو أمر يرضى الله عنه" حسبما يقول عبادة!
من ناحية أخرى تؤكد وزارة الأوقاف المصرية أن الدعاة غير الحاصلين على شهادة أزهرية تم إبعادهم عن الدعوى بالمساجد وتحويلهم للعمل الإداري، حيث تم اشتراط حصول الداعية على شهادة أزهرية، كما أن الأوقاف أوضحت أنها منعت صلاة الجمعة في المساجد الصغيرة التي تقل مساحتها عن 80 متراً مربعا. ويعلق التاجر محمد إسماعيل على ذلك بالقول: "قرارات الأوقاف هدفها تحجيم المظاهرات، عن طريق السيطرة على المساجد. المسجد الذي أصلي فيه أصبح خطيبه أزهرياً، رجل يتسم بالطيبة، لكنه لا يتحدث في السياسة. كما أن القرار الإداري بإغلاق المساجد الصغيرة وقت صلاة الجمعة أجبر الناس على الذهاب للمساجد الكبيرة التي أصبح جميع شيوخها من الأزهر.. لم تعد هناك فرصة لخطاب تيار الإسلام السياسي داخل المساجد". لا يرى إسماعيل أن ما يجري حالياً هو حرب على الإسلام، حيث يقول "كثير من الناس يقولون إنها حرب منظمة على الإسلام، لست مقتنعا بذلك، لو فرضنا صحة هذا الوصف فذلك معناه أن كل من يؤيد الانقلاب هو علماني، وهذا غير صحيح"، ثم يتساءل مستنكراً:"هل شيخ الأزهر علماني..هل حزب النور علماني أيضاً!؟
"صراع على سلطة الدين"
من جانب آخر، يحلل الكاتب مؤمن المحمدي حالة توظيف الدين في الصراع السياسي الحالي من وجهة نظر أخرى، حيث يقول لـ DWعربية :"لو تأملنا الخطاب الديني لأنصار الشرعية مثلا سنجده لا يهاجم مؤسسة الأزهر بشكل صريح، وإنما يركز هجومه ضد المذهب الأشعري مثلا، دون أن يكون الهجوم على الأزهر كمؤسسة للسلطة، وربما يكون الهدف من هذا الهجوم أن يفتح المجال لمذهب آخر أو تيار جديد، كالتيار السلفي الوهابي، أو الأفكار القطبية، نسبة إلى سيد قطب، ليكون هو السائد داخل هذه المؤسسة، خاصة أن هناك العديد من الأزهريين المنتمين للإسلام السياسي"، أما خطاب المؤسسات الدينية الرسمية، حسبما يحلله المحمدي فهو "محاولة لصناعة كنيسة إسلامية ..بمعنى أن هناك اتجاها لدى الأزهر والأوقاف ليصبحا سلطة دينية إسلامية كهنوتية، أي أن يحتكرا الكلام في الدين وكذلك سلطة الدين الرسمية، تحت مسمى العودة للإسلام الوسطي". كما يشير مؤمن إلى أن السبب الحقيقي للصراع الديني القائم حالياً يرجع إلى فكرة البحث عن مرجعية فيما يخص علاقة الدين بالسياسة، حيث يقول موضحاً " لا يملك أحد الجرأة على طرح خطاب علماني يفصل الدين عن السياسة..لهذا سيظل الأزهر هو المرجعية الأمثل لحسم الصراع بين الدين والسياسة. يمكن القول أن الأزهر يبدو وكأنه المؤسسة الأكثر جاذبية بالنسبة للجميع. كافة الأطرف ترى أن الأزهر هو الجهة الأمثل لتنظيم علاقة الدين بالسياسة، لكن ذلك ليس بسبب كونه معتدلاً، وإنما لأنه جزء من الدولة..بمعنى أنه الجهة الدينية الوحيدة التي لها صفة رسمية لا يمكن حلها، مثلاً جمعيات الإخوان والمؤسسات الأهلية للتيار السلفي كل تلك الكيانات يمكن حلها، أو إغلاقها بأحكام قضائية، لكن الأزهر مؤسسة ستظل موجودة وفاعلة".