مصر: هل تقتلع "الحرب على الفوضى" جذور الإخوان من المساجد؟
٢٠ سبتمبر ٢٠١٣قرار وزارة الأوقاف المصرية بمنع التجمعات في المساجد عقب الصلاوات ومنع المبيت فيهم إلا للعاملين وفتح وغلق المساجد فقط تزامناً مع مواقيت الصلاة أثار الكثير من الجدل. وجاء القرار تزامناً مع استبعاد عدد من أئمة الزوايا غير الأزهريين بقرى الأقاليم وفي ظل قرارات فردية أيضاً من بعض محفظي القرآن الكريم بمنع المنتميين لجماعة الإخوان المسلمين من حضور دروسهم. ويشعر البعض بتخوف نتيجة تلك القرارات لأنها تعدياً وانتهاكاً للحريات العامة وتمهيداً لعودة "عصر أمن الدولة". فيما يرى آخرون أن القرارت تأتي تصحيحاً لأوضاع المساجد بعدما تداخلت بشكل صريح ومباشر في الصراع السياسي وأنتهكت نتيجة لذلك.
ردود فعل متباينة على القرارت
"طبيعي أن يتخذ مثل هذا القرار بعد كل ما أصاب المساجد من خراب منذ ظهور التيار الإسلامي في العملية السياسية"، يقول الرجل الأربعيني شريف عادل لـDW عربية. ويضيف: "الإخوان سيطروا على المساجد واستخدموها أداة في اللعبة السياسية لذا يجب تطهير المساجد منهم". ويستخدم عادل المساجد دائماً لأداء الصلوات نظراً لتواجده معظم الأوقات في الشارع لظروف عمله والذي رفض الإفصاح عنه. ويشرح لDW عربية: "عادة ما أصلي في المسجد وقرار الأوقاف سيسبب لي بعض المشكلات حيث أنني في بعض الأحيان لا ألحق بصلاة الجماعة ولذا فلن استطيع الصلاة في المسجد إذا وصلت متأخراً". ويسترسل: "لكن علينا تقبل الأمر على الأقل حالياً حتى يتم السيطرة على الأمور".
واعرب الطالب الجامعي محمد حازم عن اتفاقه مع ما قاله عادل وعن تفهمه للقرار مفسراً ذلك بإستخدام الإخوان للمساجد كـ"درع للحماية والتحصين" لمعرفتهم بحساسية المكان وصعوبة التعامل معهم بداخله من قبل الأمن لقدسيته – حسب قوله. "لذا كان من الضروري الخروج من تلك المعضلة بحل قانوني كهذا في ظل الطواريء"، يضيف حازم. وعلق حازم على استبعاد أئمة الزوايا في الأقاليم حيث أبدى تأيده "القاطع" لتلك الخطوة "فهؤلاء ليسوا من الأزهر ولا نعلم من أين أخذوا العلم وما الذي يقولونه للناس وليس كل من اطلق لحيته يطلق على نفسه لقب شيخ ويخطب في الناس". أما عن قرار بعض محفظي القرآن الكريم اتفق عادل وحازم في أن "الإخوان بيستخدموا تلك الدروس لنشر أفكارهم بين الدارسين".
وعلى الجانب الآخر أعرب شاب سلفي رفض ذكر اسمه عن استياءه من مجمل تلك القرارات. "تلك القرارات تعيدنا لعصر أمن الدولة وأخشى أن يصبح التردد على المساجد جريمة بعد ذلك"، يقول الشاب السلفي لـDW عربية. ويضيف: "ما معنى أن يمنع الجلوس في المسجد بين الصلاوات لا أحد يملك أن يفرض علينا متى نتعبد والمساجد ليست ملك الدولة بل هي بيوت الله". وكذلك عبر الشاب العشريني عن استياءه من مبدأ منع الإخوان من حضور دروس القرآن الكريم قائلاً: "قرار غريب ولا افهمه حقيقة ما دخل حفظ القرآن بتوجهك السياسي؟".
"قرار الأوقاف يُخرج المساجد من كونها ساحات قتال"
"أنا لا أمنع كل الإخوان من حضور دروس القرآن التي أعقدها، فقط من لديهن أفكار خاطئة أو متطرفة اللاتي يرين أن من يدعم الثورة (30 يونيو) كفرة"، تقول إحدى محفظات القرآن الكريم والتي رفضت ذكر اسمها لDW عربية. وتتسائل: "كيف لي أن أعلمهن القرآن وهن يرين أنني كافرة؟". وتنفي محفظة القرآن أن يكون للأمر علاقة بالثورة أو السياسة "لكن الأمر يتعلق بسماحة الإسلام أنا لم أكفر أحدا لذا ليس من حقهم أن يكفروني أو يعتبروني ضد الدين وضد الإسلام". ويأتي الإستبعاد للمنتمين للإخوان لدواعي أخرى أيضاً حسب قول السيدة. وتفسر: "لدينا تحفيظ قرآن للأطفال أيضاً وبعضهن يختلط بالأطفال لذا فأنا أخشى على الأطفال أن يتأثروا بأفكارهن المتطرفة". وأشارت المحفظة أن بعض المنتميات لجماعة الإخوان قرروا التوقف عن الحضور من أنفسهن.
وفيما يخص قرار الأوقاف بإغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة أعربت محفظة القرآن أنه مقبول لبعض الوقت فقط مع تحفظها عليه فيما اكدت عدم تأثر نشاط دروس تحفيظ القرآن بالقرار. وأتفق الشيخ محمد (تحفظ على ذكر كامل اسمه)، إمام أحد المساجد، مع ما قالته محفظة القرآن الكريم عن عدم تأثر الدروس بالقرار. ويقول في هذا النطاق لDW عربية: "الدروس تقام في دار المناسبات وهو منفصل عن حرم المسجد لذا لا تعارض مع القرار". أما عن تقبله للقرار ذاته فأعرب عن تفهمه للوضع الإستثنائي الذي صدر فيه القرار على حد تعبيره، لكنه عاد وطالب بأن يتم إلغاء القرار فور إنتهاء حالة الطواريء. ويفسر: "المساجد زج بها في الصراع السياسي وتضررت كثيراً وانتهكت حرماتها بسبب اتخاذ الإخوان لها ستاراً لأطماعهم السياسية لذا اتفهم هذا القرار الذي يهدف لإخراج المساجد من كونها ساحات قتال وإعادتها لغرض العبادة". ويضيف: "فقط كل تخوفي أن يستغل القرار في عودة الدولة البوليسية ويتحول المترددون على المساجد إلى مشبوهين". وعلق الشيخ محمد على قرار استبعاد بعض الأئمة قائلاً: "من تم استبعادهم ليسوا ازهريين ومعظمهم لم يدرسوا الدين والشريعة بشكل صحيح وكلِ منهم يجلس في زاوية يعطي فتاوى بقتل فلان وضرب علان..أي فوضى تلك؟". واختتم: "الفتوى لأهل الفتوى فقط وليست لمن يفتي على هوى جماعة".
"قرار الأوقاف "إستثنائي" ويجب أن يلغى بإنتهاء المرحلة الإنتقالية"
ولتحليل سياسي لتلك القرارات واسبابها وتوابعها كان لDW عربية حديث مع د. صبحي عسيلة، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. ويفسر عسيلة أسباب اصدار تلك القرارات قائلاً: "السبب الأساس هو نزع ورقة استخدام المساجد في الصراعات السياسية بتحييد المساجد كي لا تصبح طرفاً في المعادلة أو لطرف ضد طرف". وأرجع الخبير السياسي قرار بعض محفظي القرآن استبعاد الإخوان من دروسهم للخوف من الإخوان وأفكارهم منوهاً لمنع بعض الأهالي ذهاب اطفالهم لمدارس تابعة للإخوان مع ذلك يرى عسيلة أن تلك الأفعال لا تمثل حلاً حقيقياً. ويقول في هذا النطاق: "هذا سيحدث شقاق مجتمعي غير مطلوب وسيؤدي لإحتقانات كثيرة وستشكل قنبلة إجتماعية موقوته تؤدي للعنف". ويضيف: "عزل الإخوان مجتمعياً ليس هو الحل بل بإمكان الأطفال على سبيل المثال أن يذهبوا للمدارس التابعة للإخوان لكن يبقى المتابعة على ما يدرس في تلك المدارس هو الأهم وهنا تأتي المهمة الإشرافية".
أما عن قرار الأوقاف بمنع التجمع في المساجد بعد الصلاوات فيراه الخبير السياسي مطلوب في هذه اللحظة. ورغم تأيد عسيلة للقرار إلا أنه أعتبره غير كافياً لحل المشكلة. ويشرح وجهة نظره قائلاً: "الصحيح هو أن تطرح خطاب سياسي وديني جديد يواجه خطابات الإخوان لأن استمرار هذا القرار لفترة طويلة سيستخدم ضدك (النظام الحاكم) وسيروج لفكرة التي يروج لها الإخوان أنك ضد الدين". وشدد عسيلة مرة أخرى أن القرار هو إجراء إحترازي يجب أن ينتهي بإنتهاء المرحلة الإنتقالية وإنتخاب رئيس جمهورية على أقصى تقدير. "القرار بالطبع ينتقص من الحريات العامة لكن كذلك حظر التجوال فنحن نقبل بمثل تلك القرارات مؤقتاً حتى نعبر الفترة المضطربة لكنها يجب أن تنتهي بنهاية المرحلة الإنتقالية".