"مسلمو فرنسا بين ناري الإرهاب والتطرف اليميني"
١٦ نوفمبر ٢٠١٥لا زالت باريس تضمد جراحها بعد سلسة الهجمات الإرهابية التي حصدت حياة نحو 130 شخصا وأسفرت عن جرح أكثر من 350 آخرين. في غضون ذلك، لا تزال الصدمة تخيم على الفرنسيين الذين لا تزال صور العملية الإرهابية على مجلة شارلي إيبدو مطلع العام الجاري حاضرة في أذهانهم. ولكن نفس تلك الصور والصور المروعة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام للهجمات على ملعب ستاد دو فرانس وعلى قاعة الحفلات باتاكلان وغيرها ليلة الجمعة الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني حاضرة أيضا في أذهان نحو ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، خاصة وأن منفذي العمليات الإرهابية الأخيرة، منذ عملية تولوز في عام 2012، وشارلي إيبدو، كانوا من المسلمين الذين برروا عملياتهم باسم الإسلام. فهل تنذر هجمات باريس الأخيرة بتغييرات جذرية في السياسة والمجتمع قد تشكل قطيعة مع الماضي ويكون مسلمو فرنسا أولى ضحاياها؟
"المسلمون ضحية أيضا، فلا تحملوهم مسؤولية الإرهاب"
قادة الجالية المسلمة وأئمة مساجد سارعوا إلى التنديد بالمذبحة وإلى التأكيد على أن أعمال القتل والعنف لا تمت للإسلام بصلة. ففي سياق متصل، قال محمد موسوي، رئيس اتحاد المساجد في فرنسا، في حوار مع قناة فرانس 24 الفرنسية أمس الأحد (15 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015) "المسلمون هم ضحايا الإرهاب أيضا (...) فالإرهابيون هاجموا الفرنسيين ولم يفرقوا بين أحد"، وذلك في إشارة إلى عدد من الضحايا، الذين تم تحديد هوياتهم حتى الآن، من أصول مغاربية والذين لقوا مصرعهم في سلسة هجمات باريس ليلة الجمعة. لكنه أعرب في الوقت نفسه عن قلقه مما قد يطال المسلمين من ردود فعل لا تفرق بين الإرهابيين وبين المسلمين، بحيث قال: "أنا قلق ممَا من شأنه أن يحدث للمسلمين في المستقبل. لذلك كفى تحميل المسلمين مسؤولية ما يحدث في فرنسا (من أعمال إرهابية)!."
قلق يشاطره فيها الكثير من مسلمي فرنسا الذين يروا أنفسهم في دائرة الاتهام فقط لأنهم يعتنقون الإسلام دينا. ومن بين هؤلاء كوثر بوفروم، طالبة حقوق فرنسية مسلمة وترتدي الحجاب، اختارت أن تعبر عن غضبها واستهجانها لما حدث في باريس عبر مقال شخصي نشرته على الموقع الالكتروني لمجلة لوفسيرفاتور الفرنسية مطلع هذا الأسبوع. وتقول: "أنا لا أفهم كيف تمكن هؤلاء الجلادون، الذين لا قلب لهم ولا ضمير، (...) من أن يبرروا كل هذه الأعمال الوحشية المرعبة بأنهم ارتكبوها باسم الدين. هذا الدين الذي هو الإسلام، هو ديني." وتضيف قائلة: "أنا لم أعد أستطيع سماع كل هذه الدعوات القادمة من كل صوب وحدب تطالبني بأن أنأى بنفسي سريعا عما حدث وأن أبرر انتمائي لدين معين (...) أنا لم أعد أتحمّل أن أُعتبر مذنبة أو مشاركة في الذنب إلى أن تثبت براءتي (...) أنا مرهقة من تحمل النظرات في الشارع التي كلها شك واتهام."
"أيام صعبة لمسلمي فرنسا"
وفي الواقع، فقد زادت - بعد الهجوم الإرهابي على مقر مجلة شارلي إيبدو - التصرفات المعادية للمسلمين مثل الهجوم بقنبلة على أحد المساجد وكتابة الشعارات على جدران المساجد وتوجيه الإهانات للنساء المحجبات. وقد سجل المرصد الوطني لمكافحة الخوف من الإسلام زيادة قدرها 281 في المئة في هذا النوع من الهجمات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالأشهر الثلاثة نفسها من العام السابق.
ووفقا لموقع سفير نيوز، الذي يعنى بأخبار المسلمين، فقد وجد المصلون في صباح السبت (14 من نوفمبر/تشرين الثاني 2015) صلبانا حمراء بلون الدم مرسومة على جدار مسجد بشرق باريس. وذكرت صحيفة لو باريزيان أن شعار "انهضي يا فرنسا" كان مكتوبا بالطلاء على جدار مسجد في جنوب فرنسا، بينما كُتبت عبارة "الموت للمسلمين" على الجدران في أجزاء مختلفة من ايفروشمالي باريس.
هذه التطورات دفعت الصحفي أكرم بالقايد إلى التعليق على موقع هافبوست مغرب بالقول: "الأيام المقبلة ستكون صعبة بالنسبة للمسلمين في فرنسا." رأي يشاطره فيه الدكتور خطار أبو دياب، وهو باحث وأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة السوربون في باريس، بحيث يقول في حديث لـDW: "الإشارات ليست جيدة. هناك احتقان. وسيكون المسلمون بين نار الجهاديين المتطرفين وبين نار اليمنيين المتطرفين من الشعوبيين. حتى الآن صمدت الوحدة الوطنية في فرنسا، لكن ما حدث ليلة الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني هو بمثابة 11 من أيلول/سبتمبر فرنسي أوروبي. وستكون له تداعيات خطيرة". ويشير أبو دياب إلى أن من بين التداعيات تشديد الإجراءات على الهجرة من دول معينة وعلى دور العبادة مثلا وحتى الخروج من منطقة شينغن؛ أي فرض المراقبة على الحدود الفرنسية.
"الإرهاب لن ينتزع روح فرنسا منها"
من جهتها، توقعت صحيفة زود دويتشه الألمانية في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع أن تسفر هجمات الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني عن تغييرات كثيرة. وتقول: "من المرجح أن يستفيد من (الهجمات الأخيرة) الحزب القومي الشعبوي الجبهة الوطنية (اليمني المتطرف) بزعامة مارين لوبين. فرنسا سوف تقبل عددا من اللاجئين يقل بكثير عن الوقت الراهن، وسوف يعاني المسلمون أكثر من الأحكام المسبقة."
ولعل هذا ما دفع صحيفة لا كروا الكاثوليكية الفرنسية في عددها الصادر مطلع هذا الأسبوع إلى مخاطبة ثاني أكبر طائفة في فرنسا بعد الكاثوليك بالقول: "ننتظر من مسلمي فرنسا أن ينأوا بأنفسهم بشكل أكثر وضوحا عن كل الجماعات التي تبرر عمليات القتل بإسم دينهم. ولكن علينا أيضا أن نقابلهم أيضا بالثقة"، مشددة في الوقت ذاته بالقول: "التحدي الذي نواجه جميعا هو الحفاظ على وحدتنا."
فهل يدرك الفرنسيون بأن ما حدث في بلادهم إنما هو اختبار لوحدتهم؟ وهل يدركون أن التنظيمات الإرهابية إنما تسعى إلى تأليبهم على أبناء بلدهم من المسلمين، خاصة وأنهم هؤلاء كانوا أيضا من بين الضحايا في كل العمليات الإرهابية؛ في تولوز عام 2012 وفي عملية شارلي إيبدو، عندما قتل الإرهابيون الشرطي المسلم أحمد مرابط، والآن في أحداث ليلة الـ13 من نوفمبر/تشرين الثاني. لكن صحيفة زود دويتشه ترى أن "الإرهاب يمكن أن يؤثر على فرنسا، لكن لا يمكن أن ينتزع منها روحها"، مضيفة: "وباريس؟ ستبقى دائما باريس (مدينة النور)."
شمس العياري