مخاوف على الاقتصاد العالمي من توسع الصراع بين إسرائيل وإيران
١٧ أبريل ٢٠٢٤حبس العديد من المستثمرين أنفاسهم بعد الهجوم الإيراني غير المسبوق بمسيرات وصواريخ على إسرائيل السبت (13 أبريل/ نيسان) والذي تزامن مع احتجاز القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني ناقلة حاويات "مرتبطة" بإسرائيل قرب مضيق هرمز.
وكان هجوم السبت، وهو أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل، متوقعا إلى حد كبير عقب إلقاء طهران باللائمة في قصف قنصليتها بدمشق قبل أسبوعين على إسرائيل.
واقتصاديا، مازال خبراء الاقتصاد ينتظرون معرفة ما إذا كان الصراع بين البلدين سيتصاعد رغم الضغوط الأمريكية والأممية على إسرائيل لضبط النفس. ويقول الخبراء إن حالة عدم اليقين تربك حسابات الشركات وسط تحذيرات من أن نُذر اقتصادية مشؤومة قد تحوم في حالة تحول الصراع الإيراني-الإسرائيلي إلى حرب مفتوحة.
وأضاف الخبراء أن من شأن ذلك أن يدفع منطقة الشرق الأوسط إلى "حافة الهاوية"، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وفي مستهل اجتماع لمجلس الأمن الدولي بعد هجوم إيران على إسرائيل، قال غوتيريش إن "منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية وشعوبها تواجه خطرا حقيقيا بنشوب صراع شامل. الوقت حان لتهدئة التوترات وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية".
أسعار النفط
وفي حالة اتساع الصراع، فإن الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي سيتمثل في تداعيات ذلك على أسواق الطاقة، خاصة أسعار النفط في ضوء أن الشرق الأوسط يحتل أهمية كبيرة في قطاع النفط عالميا، إذ صدر مثلا الحصة الأعلى من الإنتاج العالمي للنفط في 2022، وفقا لبيانات معهد الطاقة.
وخلال تعاملات الثلاثاء (16 أبريل / نيسان) المبكرة ارتفعت أسعار النفط، خاصة عقب تصريحات نُقلت عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي قال فيها إن بلاده سترد على الهجوم الإيراني.
وبحلول الساعة 0005 بتوقيت غرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم يونيو /حزيران 46 سنتا، أو 0.5 بالمئة، لتبلغ 90.56 دولار للبرميل. وزادت العقود الآجلة للخام الأمريكي تسليم مايو / أيار 43 سنتا، أو 0.5 بالمئة، لتبلغ 85.84 دولار للبرميل، حسبما أفادت وكالة رويترز.
ويأتي الارتفاع عقب الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط خلال جلسة الاثنين (15 أبريل / نيسان) وذلك بعدما تبين أن الهجوم الإيراني على إسرائيل كان أقل ضررا من المتوقع، وهو ما هدأ في البداية المخاوف من نشوب صراع يتصاعد بشكل سريع ويمكن أن يعرقل إمدادات النفط الخام.
وفي تعليقه، قال نيل شيرينغ، كبير المحللين الاقتصاديين في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" البحثية، إن "ارتفاع أسعار النفط من شأنه أن يعرقل الجهود الرامية إلى ضبط معدلات التضخم إلى المستوى المستهدف في الاقتصادات المتقدمة".
ويعزو خبراء عدم تأثير الهجوم الإيراني على إسرائيل بشكل مباشر وقوي على أسعار النفط العالمية حتى الآن إلى امتلاك أعضاء منظمة أوبك قدرة فائضة لإنتاج ستة ملايين برميل أخرى يوميا. وقالت صحيفة "الغارديان" إن بنك "غولدمان ساكس" قد أشار إلى أن دول أوبك قد تستخدام هذا الفائض لدفع أسعار النفط إلى الانخفاض.
عتبة المئة دولار
ورغم ذلك، حذر خبراء من تداعيات خطيرة على قطاع النفط العالمي في حالة اتساع الصراع الإسرائيلي-الإيراني، إذ نقلت الغارديان عن ماكس لايتون، مدير أبحاث السلع في "سيتي غروب"، قوله إن "أسعار النفط قد ترتفع فوق 100 دولار للبرميل في حالة اندلاع صراع مباشر".
وأضاف أن ذلك سيكون أول مرة تكسر فيها أسعار النفط حاجز المئة دولار منذ صيف عام 2022 مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا وهو ما تسبب في أزمة في قطاع الطاقة العالمي.
وقال الخبراء إن سوق النفط الخام يتأهب في الوقت الراهن للرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني وسط حبس الأنفاس السائد حيال ما إذا كان الرد الإسرائيلي المحتمل سيمثل بداية لحرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.
وفي تعليقه، نقلت شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية عن خورخي ليون، نائب الرئيس الأول في شركة "ريستاد إنرجي" قوله إنه "في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن ينجم الانتقام العنيف من قبل إسرائيل عن دوامة من التصعيد، مما قد يؤدي إلى صراع إقليمي غير مسبوق. وفي ظل هذه الظروف، ستزداد التداعيات الجيوسياسية بشكل كبير".
ماذا بعد ارتفاع النفط؟
وفي ضوء تلك التوقعات المشؤومة، قد يتساءل كثيرون عن تداعيات ارتفاع أسعار النفط العالمية على الاقتصاد. وفي معرض إجابتهم، قال اقتصاديون إن الرد السريع على ارتفاع أسعار النفط سيتمثل في طول أمد التضخم في وقت تعاني فيه العديد من البلدان من ارتفاع معدلات التضخم.
وأشار الخبراء إلى أن ارتفاع أسعار النفط قد يعرقل خطط البنوك المركزية، خاصة البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا، الرامية إلى خفض أسعار الفائدة مع تراجع التضخم إلى مستوياته المستهدفة على المدى الطويل.
ويتفق في هذا الرأي محللون بالمصرف الألماني "دويتشه بنك" في مذكرة إلى العملاء جاء فيها أن "التضخم الثابت" يمكن أن يخلق معضلة للبنوك المركزية.
وقالت المذكرة إن هناك "خطرا يتمثل في أن الصدمة الجيوسياسية قد تضر بمعدلات النمو؛ مما يؤدي إلى تقديم توقيت تخفيض أسعار الفائدة".
الأمر مختلف عن حرب حماس وإسرائيل
قبل الهجوم الإيراني على إسرائيل، تعرضت أسواق الطاقة لتداعيات محدودة إثر هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي وما تلى ذلك من قصف إسرائيلي لقطاع غزة.
وفي ضوء عدم كون إسرائيل أو الأراضي الفلسطينية من بين المنتجين الرئيسيين للنفط والغاز، فإن الحرب بين حماس وإسرائيل لم تعرقل إمدادات الطاقة العالمية بشكل ملحوظ. بيد أن خبراء يؤكدون أن هذا الأمر لن ينطبق على سيناريو اندلاع صراع مباشر بين إسرائيل وإيران إذ إن الأخيرة تنتج أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا من النفط الخام وتعد منتجا رئيسيا بمنظمة أوبك.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس أن تنتج إيران 280 ألف برميل إضافي يوميا العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، ما يعني أن عرقلة إنتاج إيران من النفط من شأنه أن يرفع الأسعار.
بايدن لن يقطع شريان النفط الإيراني
ورغم التوقعات الحذرة، إلا أن خبراء يقولون إن من السابق لأوانه التكهن بأن الصراع سيتسع ويجذب دولا أخرى أو قد يؤدي إلى فرض المزيد من العقوبات الأمريكية على إيران أو حتى يضر بالبنية التحتية النفطية بها.
وفي ذلك، نقلت رويترز عن محليين قولهم إن الهجوم الإيراني غير المسبوق على إسرائيل من غير المرجح أن يؤدي إلى فرض عقوبات كبيرة على صادرات النفط الإيرانية من جانب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظرا للمخاوف إزاء ما يترتب على هذه العقوبات من ارتفاع لأسعار الخام وإثارة لغضب الصين أكبر مشتر للنفط.
ونقلت رويترز عن سكوت موديل، الضابط السابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية والرئيس التنفيذي لمجموعة رابيدان للطاقة، قوله إنه "حتى إذا تم إقرار مشاريع القوانين هذه، فمن الصعب أن نرى إدارة بايدن تهرع لمحاولة اتخاذ إجراء أو تنفيذ العقوبات الحالية أو عقوبات جديدة لتقليص أو كبح (صادرات النفط الإيرانية) بأي طريقة مجدية".
وأشار محللون إلى أن واشنطن قد تتخذ بعض الإجراءات لخفض صادرات النفط الإيرانية جزئيا، لكن لن يرقى الأمر إلى مستوى إجراء قوي. وفي السياق ذاته، قال جون ألترمان، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "أتوقع أن أرى تحركا بسيطا في اتجاه (فرض) عواقب اقتصادية على إيران، لكنني لا أتوقع أن يتمكن البيت الأبيض – أو أي إدارة في المستقبل – من إغلاق صنبور النفط الإيراني بشكل كامل".
ومن جانب آخر، حذرت شركة الأمن البحري البريطانية "أمبري" من أنه إذا استمرت إيران أو استمر الحوثيون في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في مضيق هرمز، فإن هذا قد يزيد من "خطر الاستهداف الخاطئ وما يتبع ذلك من أضرار جانبية".
وأشار خبراء إلى أن أي هجوم جوي آخر قد يجر الولايات المتحدة ما يُنذر بمزيد من التضييق وزيادة تكاليف الشحن العالمية وإحداث فوضى في الاقتصاد العالمي.
أعده للعربية محمد فرحان