محاكمة خلية نازية في ميونيخ واستقلالية القضاء الألماني
١٠ أبريل ٢٠١٣قرار محكمة مدينة ميونيخ بالامتناع عن منح ممثلين لوسائل إعلام تركية مقاعد محددة في قاعة المحكمة لحضور وتغطية محاكمة أعضاء خلية يمينية متطرفة من النازيين الجدد متهمة بقتل عشرة ألمان في الفترة الممتدة بين 2000 و 2007، بينهم ثمانية من أصل تركي دفع حكومة أنقرة إلى التحرك، وما برح هذا القرار يثير مزيدا من الجدل.
في هذا السياق اتصل وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو قبل أيام بنظيره الألماني غيدو فيستر فيله مطالبا إياه بتمكين صحفيين وسياسيين اتراك من حضور جلسات المحاكمة المرتقبة في ال 17 من أبريل الجاري.
من جانبه،أعرب فيستر فيله عن تفهمه للمطلب التركي، إلا أنه أشار إلى استقلالية القضاء الألماني وعدم ارتباطه بوزارة الخارجية الألمانية. وترتكز استقلالية القضاء الألماني إلى مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا ما أكده أيضا خبير الشؤون السياسية هايو فونكه خلال حديث مع موقعنا حين قال بأن "استقلالية المحكمة مكسب كبير، إنها مكسب كبير لدولة القانون ولا أحد يحق له، بما في ذلك الأوساط السياسية التشكيك في ذلك". لكن هايو فونكه أكد على أنه من الأفضل أن تبرهن محكمة ميونيخ على مرونة أكبر في تخصيص مقاعد لممثلي الصحافة التركية داخل قاعة المحكمة حتى يتمكن الرأي العام من استيعاب الخلفيات المعنوية والسياسية لتلك الخطوة.
تأخر الصحفيين الأتراك في حجز مقاعدهم في المحكمة
وكانت محكمة ميونيخ قد منحت المقاعد الخمسين المخصصة للصحفيين داخل قاعة جلسات المحاكمة المرتقبة لممثلي وسائل الإعلام السباقين في تقديم طلباتهم لتغطية المحاكمة. وينتقد الكثير من المراقبين هذا الإجراء معتبرين أن من واجب المحكمة أن تخصص منذ البداية عددا محددا من المقاعد لوسائل الإعلام التركية نظرا لاهتمام الرأي العام التركي الكبير بالقضية، لأن ثمانية من الضحايا العشرة كانوا من أصل تركي.
بعض الصحف الألمانية دعت رئيس المحكمة إلى نقل المحاكمة إلى قاعة أكبر تتسع لعدد أكبر من الصحفيين، علما بأن المحاكمة تحظى باهتمام دولي كبير يتجاوز حدود ألمانيا.
أمام ما يعتبره المسؤولون الأتراك إقصاء لممثلي وسائل الإعلام التركية من متابعة وقائع المحاكمة تزداد الشكوك داخل تركيا في مصداقية القضاء الألماني. لكن روبريشت بولنتس، رئيس اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية إنتقد تلك الشكوك ، داعيا إلى الاعتدال، وقال إنه يعتقد شخصيا أيضا أن قرار المحكمة تنقصه الحكمة الحسية، لكن ذلك لا يعني بأن المحاكمة لن تتم وفق الضوابط القانونية المعتمدة.
لكن هذه القضية هزت بشكل سيء المؤسسة الأمنية الألمانية التي تعرضت لانتقاد لاذع بسبب فشلها في تبادل المعلومات، بينما احتفظت بالنازيين الجدد كمخبرين يتم دفع أموال لهم. ومما يزيد الفضيحة تعقيدا، اعتراف الأجهزة الأمنية بإتلاف ملفات العديد من كبار مسؤولي الأمن .
وقد دعا رئيس حزب الخضر في ألمانيا سلطات القضاء في ميونيخ إلى منح مراسلي وسائل إعلام تركية تراخيص تغطية محاكمة أعضاء الخلية النازية. وقال تشيم أوزدمير، وهو من أصل تركي: "ما فعلته المحكمة صحيح من الناحية الشكلية بالتأكيد.. ولكن لدي علامات استفهام كبيرة عما إذا كان ما فعلته المحكمة تصرفا سليما".
وطالب أوزدمير محكمة ميونيخ بالاستجابة لمطالب المراسلين الأتراك والساسة الألمان، وقال "إنه ليس هناك أي شيء على الإطلاق سوى العناد ضد نقل المحاكمة إلى غرفة أخرى، وإن ذلك يحدث في المحكمة الدستورية العليا نفسها" .
انتقادات لاذعة لرئيس المحكمة بميونيخ
في سياق ذي صلة، حذر رئيس حزب الخضر من تضرر سمعة ألمانيا في العالم في حال تمسك المحكمة بقرارها، وقال إن هذه المحاكمة هي إحدى أهم المحاكمات في ألمانيا في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مضيفا: "هذه قضية أثارت اهتماما ليس على المستوى الوطني فقط، بل على المستوى الدولي أيضا، الناس يوجهون أنظارهم إلى بلدنا ليعرفوا كيف سنتعامل مع جميع المواقف الطارئة.. ومواطن القصور التي عانينا منها أثناء سلسلة الاغتيالات التي ارتكبتها الخلية السرية".
ورأى أوزدمير أن على ألمانيا أن تفعل كل ما في وسعها لتوضح للعالم أنها ليس لديها ما تخفيه "وهذه القضية من القضايا التي تبين المكان الذي تقف فيه ألمانيا، نحن دولة قانون".
وفي السياق نفسه، طالبت الحكومة الألمانية محكمة ميونيخ بمنح الصحفيين والإعلاميين الأتراك التسهيلات الضرورية لهم لمزاولة عملهم بشكل حر لتغطية محاكمة المتهمين بقتل مواطنين من أصل تركي.
وعبرت مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج، ماريا بومر عن عدم تفهمها للوائح المعمول بها في منح تراخيص حضور الصحفيين الأجانب للمحاكمات في ألمانيا، وطالبت المسؤولين المعنيين بمراجعة قرارهم بشأن هذه التراخيص التي تحد من حركة الصحفيين والإعلاميين الأجانب داخل محكمة ميونيخ.
واعتبرت بومر أن "احترام الضحايا وذويهم يجعل من الضروري مراعاة ممثلي الإعلام اليونانيين والأتراك عند توزيع أماكن المحكمة المخصصة للإعلام".
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان زايبرت في وقت سابق إن الحكومة تتفهم مدى اهتمام الإعلام التركي بالقضية "ونأمل في أن يتم التعامل مع هذا الاهتمام الإعلامي بحساسية".
"تركيا تثق في القضاء الألماني"
أما السفير التركي لدى ألمانيا حسين عوني قارصلي أوغلو، فقد أعلن أن بلاده سيكون لها ممثل رسمي في قاعة المحكمة. وفي تصريح للصحافة الألمانية قال السفير التركي إن بلاده "تثق ثقة كاملة في القضاء الألماني"، ولكنه رفض الطريقة التي تم بها تخصيص المقاعد.
وأضاف " المحاكمة تهدف إلى استعادة ثقة الناس، إنهم يريدون معرفة حقيقة ما حدث .. ولذا فبالنسبة للقضايا المتعلقة بالصحافة، فانه يتعين على المحكمة أن تظهر سلوكا يتسم بقدر اكبر من الحساسية".
وبالرغم من عدم حصولهم على مقاعد داخل قاعة المحاكمة بميونيخ أعلن ثلاثة من أبرز أعضاء البرلمان التركي نيتهم القدوم إلى ميونيخ لمتابعة المحاكمة "كمواطنين عاديين". وُذكر في أنقرة أنه في حال عدم تخصيص مقاعد للبرلمانيين الأتراك فإنهم "يريدون الانتظار أمام البوابة حتى انتهاء المرافعة". ومن بين البرلمانيين الثلاثة يوجد رئيس لجنة حقوق الإنسان داخل البرلمان التركي.