"ليبيا تحتاج لمساعدة إقليمية ومعضلتها تكمن في غياب الدولة"
١٦ نوفمبر ٢٠١٣بالنسبة للخبير المغربي في شؤون الأمن والإرهاب بمركز الدراسات الإفريقية في الرباط، فإن الأزمة الحالية في ليبيا تشكل امتدادا للأزمات القائمة في منطقة الساحل والصحراء الكبرى. لكن التحدي الأكبر بالنسبة لليبيا، وعلى غرار مالي، يكمن في غياب الدولة والمؤسسات، وهو ما يفسح المجال لهيمنة الجماعات المسلحة ومرجعيات القبيلة والإقليم (الجهة).
وفي حوار مع DWعربية، يرى الدكتور موسى العجلاوي أن نتائج المؤتمر الإقليمي حول أمن الحدود، الذي اختتم أعماله في الرباط أول أمس، تشكل أرضية لمساهمة أوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها منطقتا الساحل والصحراء وشمال إفريقيا، لكنه يشدد على عنصرين حاسمين أولهما: تعاون دول المنطقة نفسها في حل مشاكلها. وثانيهما: تجاوز المقاربة الأمنية لحل المشاكل وطرح رؤية شمولية مجتمعية وسياسية.
وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور موسى العجلاوي، الخبير في شؤون الأمن والإرهاب، بمركز الدراسات الإفريقية في الرباط.
DW: أوصى مؤتمر أمن الحدود في منطقتي الساحل والصحراء وشمال إفريقيا، باعتماد مقاربة شمولية لمواجهة التحديات الأمنية العديدة في هذه المنطقة، فهل هنالك مقومات مالية ومؤسساتية ولوجستية لتفعيل هكذا مقاربة، أم تظل مجرد بيانات وتعبيرعن نوايا؟
الدكتور موسى العجلاوي: لقد كان المؤتمر الوزاري الإقليمي الذي انعقد في الرباط الثاني من نوعه، بعد مؤتمر طرابلس، الذي يخصص لمشكلة أمن الحدود في منطقة الساحل والصحراء وشمال إفريقيا. وينبغي أن نسجل أن مؤتمر الرباط صدر عنه، ما أطلق عليه "إعلان الرباط"، وتم التعبير من خلاله عن قلق المجتمع الدولي إزاء مجريات الأوضاع في منطقة التماس بين منطقتي جنوب الصحراء (تسمى منطقة الساحل والصحراء) ودول شمال إفريقيا. وبأن هذه المنطقة أصبحت تشكل مصدر مخاطر ليس فقط على أمن دول المنطقة نفسها بل أيضا على أمن بلدان البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الأطلسي. فنحن نتحدث عن منطقة جغرافية شاسعة جدا من موريتانيا غربا إلى البحر الأحمر والمحيط الهادي شرقا، وتنتظم دولها في ما يسمى تجمع دول الساحل والصحراء.
وبالإضافة للوعي الجماعي الذي عبر عنه المشاركون في المؤتمر، فقد اتفقوا على إقامة آليات تعاون عملياتي.
وما هي هذه الآليات؟
أولا، إحداث مركز إقليمي لتكوين وتدريب ضباط أمن متخصصين في أمن الحدود. وثانيا، الربط بين أمن تلك المناطق وتنميتها، عبر غرفة عمليات تتولى أيضا إشراك السكان المحليين في مناطق الحدود. وثالثا، إحداث سكرتارية للمؤتمر تتولى الإشراف والتنسيق بين آليات التعاون ومجموعات العمل التي يتم إحداثها، بهدف الحفاظ على أمن حدود تلك المناطق.
لكن في نفس الوقت، نلاحظ أن المؤتمر أبدى قلقا خاصا وتخوفا إزاء الوضع في ليبيا.
وكيف يتم في هذا السياق، التعامل مع المعضلة الأمنية والاضطرابات في ليبيا، ذات المساحة الجغرافية الشاسعة والحدود الطويلة جدا؟
هنالك إشكال كبير فيما يتعلق بالحالة الليبية، فنحن إزاء بلد تمتد مسافات حدوده البرية لحوالي أربعة آلاف كيلومتر، فيما تناهز حدوده البحرية ألفي كيلومتر. والمشكلة الأعمق في ليبيا، وعلى غرار النموذج المالي، تكمن في غياب الدولة والمؤسسات والأمن. فليبيا الآن تقوم على ثلاثة مرجعيات، القبيلة والمدينة والجهة (الإقليم)، وتعبر الفئات عن ردود فعلها وقلقها عبر توظيف القوة وعمليات مسلحة واغتيالات ومحاصرة المؤسسات.
فليبيا محتاجة إلى مساعدة عبر جيرانها (ست دول) والمجتمع الدولي، وقد كانت مشاركة أوروبا والولايات المتحدة والأمم المتحدة في مؤتمر الرباط بمثابة رسالة، مفادها البحث عن وضع ليبيا في سياق هذه المقاربة التشاركية الإقليمية الدولية، لمساعدة ليبيا حتى تتمكن من النهوض بنفسها. وينبغي أن نسجل هنا أن الإشكال الأساسي ليس في جوار ليبيا أو المشاكل الأمنية في المنطقة المحيطة بها وحسب، بل وفي إعادة بناء الدولة الليبية، وهو أمر سيتطلب وقتا، وهذا ما يثير قلق دول الساحل والصحراء وكذلك أوروبا بشكل خاص.
هل يبدو سيناريو تدخل خارجي جديد في ليبيا أمرا واردا، في ظل التهديد الذي أطلقه علي زيدان رئيس الوزراء الليبي واستمرار أعمال الفوضى وإرباك المجموعات المسلحة للأوضاع، سواء في المدن أو على مستوى تصدير النفط؟
المقاربة الأمنية لن تجدي نفعا، لأنها محدودة في الزمان والمكان، والمطلوب نهج مقاربة سياسية ومجتمعية، وإعادة بناء الأحزاب السياسية والمؤسسات والإيمان بأن الديمقراطية والحوار هي السبيل لحل المشكلات، والايمان بضرورة احترام مؤسسات الدولة من طرف الجميع.
وما يجري الآن هو محاولة لضرب ليبيا في مقتل، وذلك عبر خنقها في قطاع تصدير النفط. فقد فقدت ليبيا خلال الآونة الأخيرة حوالي 6 بلايين دولار من مداخيلها البترولية، وهو ما دفع رئيس الوزراء المغلوب على أمره إلى التحذير من تدخل دول أجنبية، في ظل غياب السلطة. وقد تعرض رئيس الوزراء نفسه لعملية اختطاف من مقر سكنه في فندق في قلب العاصمة طرابلس، وهنالك أعمال عنف وعمليات مسلحة واغتيالات تتم بشكل يومي لأطر الجيش.
واللافت أن عددا من المشاكل الأمنية انتقلت من مالي بسبب الحرب إلى الجنوب الليبي، وحدثت اختراقات للنسيج المجتمعي الليبي (في الجنوب)، وهو ما يمنح الجماعات الجهادية وشبكات الجريمة العابرة للحدود والتهريب قوة كبيرة، الأمر الذي يثير قلق المجتمع الدولي. وربما يشكل "إعلان الرباط" مؤشرا إيجابيا على استعداد المجتمع الدولي للمشاركة في التعاون ووضع آليات من شأنها مساعدة ليبيا على تجاوز أزمتها.
رغم قيام فرنسا، مدعومة بالمجتمع الدولي، بعملية عسكرية في شمال مالي، تبدو المشاكل الأمنية والعمليات الإرهابية متواصلة، بل إنها تمددت إلى بلدان شمال إفريقيا، ليبيا وتونس والجزائر. فكيف يمكن ضبط الحالة الأمنية في هذه المنطقة إذن؟
أعتقد أن تداعيات الأزمة المالية امتدت إلى بلدان الشمال، بالخصوص الجزائر وليبيا، حيث وقع تواصل بين الجماعات الجهادية في هذه البلدان (مالي، الجزائر وليبيا) وتدفع تونس الآن، وخصوصا جنوبها، ثمنا للانعكاسات الجيواستراتيجية في المنطقة والأزمة المالية.
ويؤكد عدد من الخبراء أن المقاربة العسكرية في شمال مالي، لن تحل المشكلة نهائيا، لأن جذور الأزمة في مالي تعود إلى ثلاثين سنة، وسيتطلب حلها حيزا زمنيا مهما. وللأسف الشديد فإن الحكومة الحالية في مالي تتلكأ في فتح حوار وطني من أجل تحقيق مصالحة وطنية.
وإذا لم تطرح الأسئلة الحقيقية الكفيلة بحل الأزمة في البلاد، ربما يستمر الإشكال المالي ولو بصيغ أخرى. وستظل الجماعات الجهادية تنوع من عملياتها، وهذا ما يسفر عن وقوع عمليات جديدة، مثل اختطاف وقتل صحافيين فرنسيين في شمال مالي، ثم اختطاف راهب في شمال الكاميرون المحاذي لشرق نيجيريا حيث تنشط جماعة بوكو حرام النيجيرية، وهو ما يرشح تلك المنطقة إلى مزيد من الاضطرابات. وعندما تتقاطع الاضطرابات الأمنية مع الاضطرابات السياسية، فإن المواطن يدفع ثمن تعطل التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.
ألا تعتقد أن الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر والتوتر المزمن بين البلدين يساهم في تعقيد الأوضاع. وفي هذا السياق، كيف تقرأ نوعية المشاركة الجزائرية في مؤتمر الرباط؟
بداية، أسجل أن اتحاد المغرب العربي يمكن وصفه بـ"المرحوم". وأعتقد أن الإشكال الجزائري المغربي ساهم بشكل رئيسي في وفاة هذا التكتل الإقليمي المغاربي. والملاحظ أن تمثيل الجزائر في مؤتمر الرباط كان ضعيفا وهذا يأتي في سياق الشد والجذب الذي وقع بين البلدين مؤخرا.
لكن الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب لا تمثل إشكالا الآن، لأن الجزائر حولت كل ثقلها الأمني والمخابراتي والإعلامي نحو الشرق، بسبب القلق الكبير الذي ينتابها من الأوضاع على حدودها الشرقية مع ليبيا ( أكثر من ألف كيلومتر) ومع تونس (حوالي 600 كيلومتر). بالاضافة إلى حدودها الجنوبية مع مالي (حوالي 1300 كيلومتر). فالنسبة للجزائر تشكل الأوضاع الملتهبة على حدودها الشرقية والجنوبية انشغالا رئيسيا، ولا أعتقد أن لها مصلحة في حدوث توتر على حدودها مع المغرب.
لكن التوتر قائم الآن؟
يمكنني فهم ما يجري الآن من توتر في سياق داخلي جزائري. فالمغرب يشكل ورقة داخلية في الوضع الجزائري، حيث هنالك الآن إعادة تهيئة وتوزيع للأدوار لمرحلة ما بعد بوتفليقة. وهذا يعني أن الشد والجذب القائم مع المغرب ربما يتواصل أو على الأقل يتوقف بعد اتضاح كل الأوراق الداخلية في الجزائر والعبور إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة.
هل يعني ذلك أن التعاون الأمني بين البلدين الكبيرين في المنطقة المغاربية سيظل معطلا، وبالتالي فإن المنطقة ستعاني مشاكل أكبر؟
تثير الخصومة الدائمة بين الجزائر والمغرب، قلق الجميع والمجتمع الدولي. فلو تعاون هذان البلدان الكبيران، لما تطورت الأوضاع في شمال مالي إلى ما هي عليه. ذلك أن الأزمة بين المغرب والجزائر تعد سببا رئيسيا في غياب مقاربة تشاركية للتعاون والتنمية بين دول المنطقة. وللأسف نسجل غياب أدوار ومساعي لحل هذه الخصومة، فلا أحد يريد التدخل في خصومة متجذرة الأسباب، وبعضها يعود إلى عمق الدولة ومصالح استراتيجية وصراع جزائري مغربي على قيادة هذه المنطقة. وقد لاحظنا التوتر الذي ظهر إثر زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى مالي، وكذلك هنالك الآن عرقلة لللتعاون المغربي الليبي في مجال إعادة بناء الأجهزة الأمنية في ليبيا.
هذه الملفات كان يمكن معالجتها داخل إطار اتحاد المغرب العربي، لكن هيمنة النزاع يؤدي إلى تجميد التعاون. وبرأيي فإن التعاون الجزائري المغربي هو المدخل لحل عدد من المشاكل الأمنية في المنطقة المغاربية.
وما هو الدورالذي يلعبه الأوروبيون والأميركيون في مواجهة التحديات الأمنية بالمنطقة؟
لم يعد الأمر مقتصرا الآن على منطقة الساحل والصحراء، بل إن شظايا أزمات هذه المنطقة بدأت تصل إلى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، أي أن مصالح أوروبا ستتعرض للخطر في حال استمرار هذه الأزمات، كما أن الأزمة في ليبيا بحكم قربها الجغرافي من أوروبا تطرح تحديا كبيرا لمصالحها (أوروبا). فهنالك تدفق الهجرة غير الشرعية وتمدد أنشطة الحركات الجهادية.
وهنالك على الخصوص، تخوف من أن يحدث اتصال بين الحركات الجهادية في جنوب الصحراء مع الجماعات الجهادية في سيناء، وذلك عبر الجنوب المصري، وفي هذه الحالة ستكون معضلة أمنية كبرى سواء بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أو بالنسبة لأوروبا.