1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

لعبة حافة الهاوية بين الصدر وخصومه.. إلى أين يتجه العراق؟

عباس الخشالي
٣٠ أغسطس ٢٠٢٢

فجأة تغيرّ المشهد في العراق بعد كلمة لمقتدى الصدر الذي وبخ أنصاره وأمرهم بالانسحاب خلال ساعة. وفي حين أشاد الصدر بقوات الأمن رأى آخرون أن الدولة كانت غائبة. فإلى أين يتجه العراق بعد "لعبة حافة الهاوية" بين الصدر وخصومه؟

https://p.dw.com/p/4GEdp
أفراد من سرايا السلام .
قال مقتدى الصدر في كلمته: "الشعب العراقي المتضرر الوحيد مما يحدث الآن وأن القاتل والمقتول في النار ومن أي طرف". صورة من: Ahmad Al-rubaye/AFP

بكلمة مقتضبة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تغير المشهد من  إراقة الدماء واحتمال بلوغ نقطة اللاعودة إلى الهدوء فجأة، طلب مقتدى الصدر من أنصاره الانسحاب خلال 60 دقيقة ، الانسحاب من المنطقة الخضراء ومن كل مؤسسات الدولة، فانسحبوا مباشرة بعد ختامه لكلمته. منهم من يحمل السلاح ومنهم من يحمل قناني المياه فقط، انسحبوا من المنطقة الخضراء بعد 24 ساعة من المواجهة المسلحة مع قوات أمنية أدت إلى 30 قتيلا ونحو 450 مصابا.

اعتصام أنصار التيار بدأ منذ الثلاثين من يوليو/ تموز  أمام البرلمان ثم اقتحموه بعد ذلك، واتجهوا للاعتصام بعد فترة أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا.

وجاءت هذه الخطوات بعد أشهر من التصعيد السياسي بين طرفين سياسيين شيعيين في العراق: الإطار التنسيقي من جهة والتيار الصدري من جهة أخرى، لكن إعلان مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية يوم أمس الاثنين (29 آب/ أغسطس 2022) دفع الأزمة إلى التطور على شكل صدام مسلح في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، وسيطرة سرايا السلام التابعة للتيار الصدري على مبان حكومية في محافظات ذي قار، وميسان، ومدن جنوبية أخرى.

الأزمة في العراق، أزمة بين القوى الشيعية، ولأن الشيعة يمثلون غالبية عدد السكان في العراق، فإن للأحزاب الشيعية حصة رئاسة الحكومة التي تفرضها صناديق الاقتراع الديمقراطية، وبالنتيجة، فإن الدولة متوقفة عن العمل بسبب عدم اتفاق "المكون الأكبر" على الحكومة أو تشكيلها. والقوى الشيعية المهيمنة على المشهد أو غير المهيمنة يمكن اختصارها كالتالي:

التيار الصدري

دفع سقوط نظام صدام حسين بعد عام 2003 التيار الصدري للظهور بقوة، ومن خلال صناديق الانتخابات وتنظيمه التيار أكثر من القوى السياسية الشيعية الأخرى وبسبب الشعبية التي أسسها والد مقتدى الصدر  في التسعينات داخل الطبقات الفقيرة من الشيعة في المناطق الشعبية في بغداد وجنوب العراق.

ورث مقتدى الصدر عن أبيه قوة اجتماعية وسياسية كبيرة، وتمكن التيار الصدري من المشاركة بشكل رئيس في تشكيل الحكومات المتعاقبة. ويرى مراقبون أن التيار الصدري لعب خلال الفترات الماضية دورا مزدوجا، الأول أنه كان جزءا من الحكومات المتعاقبة سواء على مستوى الحكومة الاتحادية من خلال وزراء تابعين له، أو الحكومات المحلية وترؤس قيادات تابعة للتيار لمؤسسات مهمة في الدولة.

ورغم ذلك كان مقتدى الصدر ينتقد عمل الحكومات ويتهمها بالفساد، ثم يطلب من وزراء تابعين لتياره الانسحاب، مثلما فعل هو أكثر من مرة في انسحابه من الحياة السياسية ليعود إليها من جديد.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021 جرت انتخابات برلمانية مبكرة في العراق، فاز فيها التيار الصدري بـ73 مقعدا، ولم يتم تشكيل حكومة حتى الآن، فيما تقود الدولة حكومة برئاسة مصطفى الكاظمي، رئيس المخابرات العراقية السابق الذي رشحه مقتدى الصدر لقيادة الحكومة بعد تظاهرات أكتوبر 2019 التي أدت إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي.

وبعد انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر2021، رغب مقتدى الصدر بتشكيل حكومة أغلبية سياسية وكسر تقليد الحكومات التوافقية، بالائتلاف مع قوى سياسية سنية وكردية حققت نتائج كبيرة في الانتخابات.

مقتدى الصدر
مقتدى الصدر قال إن العراق بات الآن "أسيرا للفساد والعنف"، مشيرا إلى أن أفراد الحشد الشعبي لا علاقة لهم بما يحدث . صورة من: Alaa Al-Marjani/REUTERS

وبعد فشله في اقناع القوى السياسية الشيعية الأخرى (الإطار التنسيقي) بلعب دور المعارضة في البرلمان، طالب نوابه بالانسحاب من البرلمان وتقديم استقالاتهم، وقبلها رئيس البرلمان يوم 12 يونيو/ حزيران الماضي، ليتطور المشهد تدريجيا إلى مرحلة الصدام داخل المنطقة الخضراء يوم أمس الاثنين.

الإطار التنسيقي

ائتلاف سياسي تشكل من قوى شيعية، ظهر مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2022)، بهدف تنسيق مواقف القوى الشيعية الرافضة للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة، والتي طالبت بإعادة فرزها يدويا، بسبب التراجع الكبير لعدد مقاعدها مقارنة بالانتخابات السابقة.

ويضم الإطار قوى حليفة لإيران ممثلة بـ "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"تحالف الفتح" بزعامة هادي العامري، و"حركة عطاء"، و"حركة حقوق"، و"حزب الفضيلة"، بالإضافة إلى "تحالف قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي.

وشكل الإطار القوة الكبرى داخل البرلمان بغرض اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، بعدد 130 برلمانيا من أصل 329، بعد انسحاب الكتلة الصدرية (73 نائبا) من مجلس النواب.

يرفض الإطار ضغوط الصدر بلعب دور المعارضة البرلمانية، وتمكن من ضمان ثلث الأصوات في البرلمان حتى قبل استقالة كتلة الصدر منه، لتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. وظهر نتيجة ذلك مصطلح "الثلث المعطل" الذي يستعمله الإطار للضغط على مقتدى الصدر والشراكة في الحكومة.

بعد استقالة التيار الصدري من البرلمان أصبح الإطار المرشح الأول لتشكيل الحكومة، فجاء التصعيد من قبل التيار الصدري والمطالبة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وتعديل الدستور. وبين قادة الإطار خصوصا نوري المالكي وبين الصدر خلاف شخصي، يراه مراقبون سببا للأزمة في العراق.

المرجعية الدينية في النجف

بعد أن كانت قد تدخلت لتعديل الأمور خلال الأعوام الماضية انسحبت المرجعية الدينية الشيعية في العراق من أي تأثير سياسي رغم وزنها الذي يفوق أي قوة سياسية أخرى في العراق. واكتفت المرجعية ممثلة بالسيد  علي السيستاني  بتقديم النصح فقط عن طريق خطب صلاة الجمعة يلقيها ممثلوه.

ويرى محللون أن المرجعية الدينية للشيعة غير راضية عن أي طرف داخل العملية السياسة وانتقدت اللاعبين الفاعلين بسبب الفساد وعدم تقديم مصلحة الدولة والناس. ولذا لم تحرك المرجعية ساكنا خلال التصعيد الأخير، رغم مطالبات كثيرة بالتدخل ووقف القتال.

يذكر أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق سجلت أدنى نسبة مشاركة منذ انتخابات عام 2005. إذ بلغت 41 بالمئة، بحسب المفوضية العليا في الانتخابات. ما يعني أن 59 المئة من الذين يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات لم يدلوا بأصواتهم، واتخذوا موقفا سلبيا من العملية السياسية.

ولذا يشكك مراقبون بشرعية أي من القوى السياسية بالانفراد بالقرار السياسي وتشكيل الحكومة، فما هي السيناريوهات القادمة بعد المواجهة المسلحة وبعد انسحاب أنصار التيار من المنطقة الخضراء بأوامر من مقتدى الصدر؟

صورة للمرجع الديني العراقي ىية الله علي السيستاني، أرشيف.
انسحبت المرجعية الدينية الشيعية في العراق من أي تأثير سياسي رغم وزنها الذي يفوق أي قوة سياسية أخرى في العراق.صورة من: Stefan Zaklin/EPA/dpa/picture-alliance

حل البرلمان وانتخابات جديدة؟

في نظر كثير من المراقبين، من المحتمل قبول القوى السياسية المتصارعة لفكرة حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، كما يرى حمزة حداد، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ويوضح لـ DW قائلا: "ستكون الانتخابات هي الخطوة الأولى لتخفيف التوتر وإعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات".

هذا على الرغم من حقيقة أن إقبال الناخبين من المرجح أن ينخفض ​​إلى أبعد من المستويات القياسية التي شهدها العراق في انتخابات العام الماضي وأن "الانتخابات الجديدة (في حال حدوثها) من شأنها أن هدم الثقة في الديمقراطية بشكل أكبر وتقضي أيضا على المكاسب التي حققها المرشحون المستقلون"، موضحا، أن ظهور المستقلين في البرلمان العراقي شكل أول معارضة حقيقية على الإطلاق.

لكن في حالة إجراء انتخابات، فمن المهم أن يكون هناك المزيد من المساءلة والشفافية، على حد قوله. ويقول لـ DW: "لقد وصلنا للتو إلى شفا حرب أهلية، وأتساءل عما إذا كان سيحاسب أي شخص عندما تستقر الأمور ويتنفس الجميع". ويوضح فكرته بالقول: "هذا النقص في المساءلة يضعف الدولة ويضعف الثقة فيها ويزيد من احتمالية حدوث كل هذا مرة أخرى لمجرد عدم إعجاب طرف أو آخر بمشروع قانون معين".

ماذا بعد إراقة الدماء؟

في لقاء مع قناة DW الناطقة بالإنكليزية يقول دانييل غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة "تسينيت" الألمانية المعنية بشؤون الشرق الأوسط، تعليقا على التصعيد الأخير إن مقتدى الصدر "ربما لم يدفع إلى العنف لكنه تسبب به، وهذا هو الوضع في العراق، فإن كنت تريد الوصول إلى أهداف سياسية، فعليك إذن استعراض قوتك".

 ويضيف غيرلاخ: "كانت لعبة خطرة، لأنه كان يعلم جيدا أن الطرف الآخر يملك القدرة على استعمال القوة أيضا وهو على معرفة قديمة بأطراف العملية السياسية الأخرى".

من جهته يرى المحلل السياسي العراق أبو فراس الحمداني أن ما حدث شكل انعطافه كبيرة في العملية السياسية، وربما "سيدفع انسحاب الصدر من الحياة السياسية ورفع يده عن الصدريين، لمنح القوى المعارضة في العراق زخما كبيرا، إذا ما اتفقنا على بقاء التيار الصدري خارج الحكم، بجانب شباب تشرين، وشريحة كبيرة من العراقيين بدأت تهزأ بالنظام السياسي وفقدت الثقة به".

بعد أن كانت قد تدخلت لتعديل الأمور خلال الأعوام الماضية انسحبت المرجعية الدينية الشيعية في العراق من أي تأثير سياسي رغم وزنها الذي يفوق أي قوة سياسية أخرى في العراق.
قتل أكثر من 30 شخصا خلال 24 ساعة في المنطقة الخضراء صورة من: Wissam Al-Okaili/REUTERS

ويضيف الحمداني في لقاء مع DW عربية أن "النظام السياسي بدا هزيلا  أمام الأزمة الأخيرة، أمام رفع السلاح والصدامات. غياب لأجهزة أمنية تأخذ 20 بالمئة من ميزانية الدولة".

لكنه يحذر الإطار التنسيقي  من الظن أن ما حدث هو انتصار له، "وإذا ما اعتقد قادة  الإطار ذلك فهو غباء سياسي كبير. إذ إن هناك استحقاقات كبيرة تواجهها الدولة الفاشلة والفاسدة في العراق". ولذا يرى الحمداني "أن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة هي إجراءات صورية لن تغير الكثير".

 "ولذا يحتاج الجميع إلى وقفة جادة لمراجعة الدستور والنظام السياسي وإقامة حكم رشيد وهذا بحاجة إلى حوار معمق بين الطبقة السياسية مع الشارع، مع الشعب، مع المرجعية. فالحوار بين نفس الطبقة السياسية لن ينتج شيئا، فهي غير متضررة وتستولي على الدولة"، يقول الحمداني.

وختاما مقتدى الصدر قال في كلمته المقتضبة إن العراق بات الآن "أسيرا للفساد والعنف"، مشيرا إلى أن أفراد الحشد الشعبي لا علاقة لهم بما يحدث. وأضاف: "أحزنني ما يحدث الآن في العراق وأتعبني وما يجري الآن ليست ثورة لأنها خرجت عن سلميتها"، مؤكدا أن "الشعب العراقي المتضرر الوحيد مما يحدث الآن وأن القاتل والمقتول في النار ومن أي طرف" وتابع: " إذا لم ينسحب  التيار الصدري، فأنا اتبرأ منه وأن قرار اعتزال العمل السياسي نهائي" ، فهل سيفعلها الصدر هذه المرة وينسحب فعلا؟

عباس الخشالي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد