فرسان حرية الرأي وراء القضبان- ذرائع متعددة وقمع واحد
٢٦ فبراير ٢٠١٥في الوقت الذي ترسم فيه منظمة العفو الدولية صورة قاتمة عن وضعية حرية الرأي والتعبير ضمن تقريرها بخصوص الوضع الحقوقي في سنة 2014 معتبرة إياه كارثيا على كل الأصعدة، مازال يقبع نشطاء وصحافيون وكذلك مواطنون عاديون في سجون دول عربية بسبب التعبير عن مواقفهم وآرائهم. المتابعون للشأن الحقوقي العربي يعتبرون أن حرية التعبير في المنطقة العربية تشهد انتكاسة بعد مرور أربع سنوات على انطلاق ما سمي بالربيع العربي وأصبحت تنتهك باستخدام ذرائع مختلفة، ويستغل الوضع الأمني الخطير في عدد من الدول التي عرفت حراكا شعبيا في السنوات الأخيرة لتبرير هذه الانتهاكات.
رائف بدوي، الحالة الأبرز
خلال الربيع الماضي، حكمت السعودية على المدوّن رائف بدوي بألف جلدة والسجن عشرة سنوات بتهمة «الإساءة للإسلام» بعد تأسيسه الشبكة الليبرالية، التي دأبت على توجيه انتقادات للشخصيات الدينية النافذة والشرطة الدينية في البلاد. ويمضي بدوي (31 عاماً) عقوبة بالسجن عشرة أعوام صدرت بحقه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وحُكم عليه أيضاً بألف جلدة موزعة على 20 أسبوعاً. جرت أول جلسات جلد بدوي رغم موجة الانتقادات الدولية الحادة التي وجهت للسعودية والمطالبة بالإفراج عنه ليتم تأجيل استئناف جلده لأسباب لم يعلن عنها بينما فسرها البعض بالضغوط الكبيرة التي مورست على السلطات السعودية.
وإن كانت قضية بدوي قد استأثرت باهتمام الرأي العام الدولي بسبب تعرضه للجلد إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود حالات مماثلة في دول عربية لأشخاص سجنوا بسبب آرائهم ومنها حالة الناشط السوري مازن درويش وهو مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ولعل الوضع السوري المتأزم يحول دون تسليط الضوء على قضية درويش بالشكل الكافي، لكن الدعوات إلى إطلاق سراحه ومن معه تجددت مع الذكرى الثالثة لاعتقاله هو ونشطاء سوريين آخرين من طرف السلطات في فبراير شباط 2012، إذ طالبت إحدى وسبعون منظمة حقوقية بإطلاق سراح درويش معتبرة أنه معتقل بسبب عمله على كشف الانتهاكات التي تمارس بحق الصحفيين وحالة حقوق الإنسان في البلاد، وتوثيق تقارير عن المدنيين المحتجزين والمختفين.
مصر والخليج: حصيلة سلبية ثقييلة
وتُعتبر قضية المدون والناشط المصري علاء عبد الفتاح الأحدث في سلسلة اعتقالات المدونين السياسيين الذين اصطدموا بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية، بعد أن قضت محكمة جنايات القاهرة الاثنين الماضي بالسجن المشدد 5 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه على الناشط الشاب، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"أحداث مجلس الشورى"، والتي تعود إلى نوفمبر 2013. الحكم خلق جدلا واستنكارا في الأوساط السياسية والحقوقية في وقت ما زالت تشهد فيه مصر اضطرابات سياسية منذ ثورة 25 يناير. وحسب مصادر حقوقية فقد اعتقل الجيش وأدان 12 ألف مدني منذ تنحي مبارك.
ويقول زياد عبد التواب نائب رئيس مركز القاهرة لحقوق الإنسان إن حرية التعبير في مصر وحقوق الإنسان بشكل عام تدهورت بسبب استمرار تدخل السلطة السياسية في القضاء. ويضيف في حديث لـ DWعربية "النظام الحالي يواصل استخدام أساليب نظام مبارك في قمع الحريات وحقوق الإنسان، كما طور قوانين وذرائع جديدة ليزيد القمع"، ويشرح ذلك قائلا "إذا اطلعنا على القوانين التي يحاكم بها المدونون والصحفيون والمثقفون سنرى أن هذه القوانين من إرث مبارك، وحتى عبد الفتاح حوكم بقوانين تشبه تلك التي حوكم بها في عهد مبارك عام 2005". ويحذر عبد التواب من أن القانون المصري الجديد الخاص بالكيانات الإرهابية من شأنه زيادة انتهاكات حرية التعبير، ويؤكد أن "هذا القانون يجرم مثلا حتى أي عملية تعطيل للمواصلات، ما يعني أن كل من يتظاهر، مهما كانت مطالبه، سيعامل وكأنه ينتمي إلى داعش".
دول الخليج نالت نصيب وافرا من الانتقادات بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان وحرية التعبير بشكل خاص. واقع المعارضين السياسيين في السعودية والبحرين على وجه التحديد يبدو حالكا أيضا، إذ تواجه البحرين، التي تحكمها عائلة سنية، اتهامات بقمع المعارضين الشيعة ومنهم نبيل رجب الذي حكم عليه بالسجن ستة أشهر نافذة بتهمة "إهانة مؤسسة عامة وإهانة الجيش" من خلال تغريدات له على موقع تويتر.
ويرى الصحفي والحقوقي المغربي علي أنوزلا أن حرية التعبير في المنطقة شهدت انتكاسة بعد الربيع العربي الذي جاء أساسا للانتفاضة على القمع، "بل وتم ابتداع أساليب جديدة لقمع حرية التعبير والآراء المعارضة، ومنها سحب الجنسية كما في دول الخليج، وخلق أطر تشريعية غير ديمقراطية لكتم أنفاس كل الأصوات المعارضة للأنظمة". ويرى أنوزلا أن القاسم المشترك بين الناشطين والصحفيين القابعين في السجون بسبب آرائهم، هو أنهم يعيشون تحت سلطة أنظمة متسلطة لا تريد أصواتا مختلفة لأنها ترى فيها النقيض لأطروحتها الرامية إلى الاحتكار والقمع.
تونس، الأمل الوحيد؟
وحتى تونس التي يعتبرها البعض "الوجه المضيء" لما يسمى بالربيع العربي، ومع أن البلاد تتمتع بهامش ملموس من الحرية مقارنة مع دول المنطقة إلا أن الناشطين والصحفيين التونسيين لم يسلموا بدورهم من انتهاك حريتهم في التعبير، إذ ما يزال الناشط والمدون التونسي ياسين العياري قابعا في السجن بعدما أصدرت المحكمة العسكرية التونسية حكما بالسجن في حقه لمدة عام نافذ بتهمة المساس بهيبة الجيش والمؤسسة العسكرية، وذلك بعد نشره أربع مقالات عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك انتقد فيها بالخصوص وزير الدفاع التونسي، واعتبر العياري أن محاكمته هي تصفية حساب معه بسبب انتقاداته لمسؤولين في الجيش.
ورغم حالة العياري ومدونين تونسيين آخرين يعتبر أنوزلا أن النموذج التونسي هو الأفضل حتى الآن في المنطقة، "فتونس في مرحلة انتقالية ولا شك أنها تواجه صعوبات وقد تحدث فيها تجاوزات، لكن هذا لا يمنع وجود مجتمع مدني قوي في تونس يناضل من اجل حريته".
وغير بعيد عن تونس يواجه المدون الموريتاني محمد شيخ ولد محمد خطر الموت بسبب مقال نشره وينتقد فيه نظام الطوائف الطبقي في بلاده مشبها إياه بممارسات في عهد الرسول محمد ليتهم بإهانة الرسول. ويواجه ولد الشيخ حكما بالإعدام رميا بالرصاص، وعن كون الدين خط أحمر أمام حرية التعبير في العالم العربي، يرى أنوزلا أن الدين مجرد ذريعة "تستخدمه الأنظمة العربية، إلى جانب كل الذرائع الأخرى، لقمع الحريات بغية التشبث بالسلطة".