مخاوف من تحول مصر لمجتمع مخبرين
٨ فبراير ٢٠١٥تشهد مصر منذ يوليو/ تموز 2013 وقوع تفجيرات بالقاهرة، ومحافظات ومدن أخرى، أغلبها ناتج عن عبوات بدائية الصنع، وبات العثور على هذه القنابل جزء من إيقاع الحياة اليومية مع استمرار المواجهات المتبادلة بين قوات الجيش وجماعات مسلحة في شبه جزيرة سيناء. وقد تفاعل مع دعوات الإبلاغ عن عمليات إرهابية بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تمّ تداول الأرقام الهاتفية الخاصة للإبلاغ عن الإرهاب بكثافة، وقد تنوعت جهات تلقى هذه البلاغات بين وزارة النقل، شرطة المرافق العامة، الشرطة، جهاز الأمن الوطني، وأجهزة تابعة للجيش المصري.
وأعلنت وزارة النقل المصرية، مؤخرا، عن اشتراك مجاني في المواصلات العامة يحمل عنوان "تحيا مصر- الأمن مسئوليتنا جميعاً" لكل من يبلغ عن عملية إرهابية. ووفقا للنهج نفسه أعلنت محافظة أسيوط، جنوب العاصمة، عن جوائز تتنوع بين وظيفة حكومية ووحدة سكنية إذا قام مواطن بضبط إرهابي. ويشترط للحصول على المكافآت أن يكون البلاغ قبل حدوث العملية التخريبية، أو عند ثبوت فاعلية القنبلة، ما يعني أن المواطن المُبَلِّغ يجب أن يكون خبيراً في المتفجرات!
محمد إبراهيم عامل في مقهى، يؤكد أنه سيبلغ عن أي شخص يشتبه في كونه إرهابياً، ويقول لـ DW عربية: "سأقبض عليه ... ولو وقع بين يدي لن أتركه." بينما تبدى المُعلمة وفاء أحمد (اسم مستعار) ترددها إزاء هذه الدعوات. فقد شهدت قريتها بمحافظة الشرقية اعتقال العديد من سكانها نتيجة لتعاون بين الأمن وأهل هذه القرية، حيث يعمل بعضهم كـ"جواسيس" يخبرون عن مشتبه بهم في دعم الإرهاب، حسبما تؤكد. تشعر المُعلمة بالخوف على ابنها الطالب بجامعة الزقازيق، حيث تقول: "مجرد حديثه مع الجيران والأقارب بشأن رؤية مختلفة عما تطرحه الحكومة حول إرهاب طلاب الجامعة قد يؤدي لحبسه، وفي الوقت نفسه هو يرفض أن يكون جاسوسا." وتابعت الأم القلقة على ابنها: "لهذا بدأت بنصحه بأن يكون حريصاً في حديثه وألا يتجادل مع أحد حول السياسة."
حرب على الإرهاب أم على الحريات؟
الناشطة الحقوقية ناني عبد الحكم تَعْتَبر أن تخصيص مكافآت وحالة الحشد ضد الإرهاب ستؤثر على الحريات العامة، وقالت لـ DW عربية: "إن هذه المكافأة، وحالات الحشد الإعلامي، ستحوّل المواطن لمخبر يراقب الآخرين أو تدفعه لحمل السلاح لمواجهة الإرهاب." مؤخرا بدأت سلسلة من عمليات حرق سيارات مملوكة لقيادات إخوانية، تبنتها حملة على موقع فيسبوك تسمى بـ "كتائب الثأر لشهداء الجيش". وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن هذه الحالة لا تدفع المواطن لتحليل أو مناقشة أداء الدولة في مواجهة الإرهاب، وتوضح: "ستؤدي للسكوت عن وجود أي تقصير. ومع تزايد أحكام الإعدام في قضايا مرتبطة بالإرهاب، لن يناقش أحد ما جاء بهذه الأحكام، بل سيؤيدها على اعتبار أنها قد تؤدي للقضاء على الإرهابيين.
كما تؤكد ناني عبد الحكم أن حق التعبير عن الرأي أصبح مهدداً على اعتبار أن البلد في حالة حرب، وأضافت لـ DW عربية :"النيابة العامة أصبحت توجه الاتهامات للأفراد بموجب ما يكتبونه على الفيسبوك." كما جرى مؤخراً التحقيق مع شاب مصري لحمله ملصقا كتبْ عليه "مكمّلين"، بإحدى محطات المترو بالعاصمة المصرية. وبعد تفتيشه وُجِّهت له تهمة التحريض ضد الدولة، بعدما عثروا على صور فوتوغرافية، مخزنة على الذاكرة الخاصة بآلة تصويره. وكانت هذه الصور لوقفة نسائية نظمت، يوم 29 يناير/ كانون ثاني الماضي، للتنديد بمقتل الناشطة اليسارية شيماء الصباغ، حسبما تؤكد عبد الحكم.
الدولة تصنع "مجتمع الخوف"
بينما يعتبر الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية صابر القزاز أن حالة حشد الناس خلف الدولة في حربها على الإرهاب يساهم في نشر الخوف بين أفراد المجتمع، ويقول لـ DW عربية: "ما تفعله الحكومة -بغض النظر عما إذا كان هدفها أم لا- يعتبر رسائل ضمنية قوية تساهم في تشكيل وعي الخوف، وأظن أنه سيتصاعد في المرحلة القادمة، ليكون هذا الوعي هو المحرك للمجتمع."
كما يري القزاز أن تكرار الحوادث الإرهابية أصبح مقنعاً لقطاع كبير من الناس بمدى ضخامة الإرهاب وقوته، وفي الوقت نفسه فإن فكرة الاحتجاج باتت مستبعدة من أذهان الناس نتيجة لتعامل كل من الشرطة والقضاء مع "الإرهابيين" من المتظاهرين، حسبما يؤكد المحلل الاجتماعي.
دعم حكومي للـ"هستيريا"!
بينما يقول الطبيب النفسي إبراهيم السيد لـ DW عربية: "ستساهم هذه الدعوات في زيادة خوف المواطن العادي، الذي قد يقوم بردود أفعال هستيرية تتراوح بين الإبلاغ عن كل شيء مريب، مثل من يتحدث بلغة لا يفهمها، أو يقوم بتعليقات سياسية، أو يحمل شعارً ما، أو قد يستخدم أحد ذلك المناخ بتقديم شكاوى ضد خصومه مما سيصنع حالة من القمع."
كما يتوقع الطبيب النفسي أن تؤدي دعوات حشد الناس خلف الدولة في حربها على الإرهاب إلى نقل حالة المواجهة بين الدولة والجماعات المسلحة، لتكون بين أفراد المجتمع، مما يعمق حالة الاستقطاب داخل المجتمع. وينبه إبراهيم السيد في حديثه مع DW عربية إلى أن هذه الدعوات: "ستجعل المواطن مرتبطا بالدولة كجندي في معركتها ضد الإرهاب، وتمثل خطوة تجاه تدعيم رقابة مجتمعية قمعية تواجه التعبير عن الرأي المعارض في الشارع أو المواصلات العامة، بينما تعتبر المكافآت دعما مباشرا من الدولة لهذا المواطن الخائف.