"الحوار لا الإقصاء" - الحل دون انزلاق مصر في الفوضى
٢٦ يناير ٢٠١٥عشرون قتيل وأكثر من ثمانين جريح والمئات من المعارضين يقبعون في السجون، فيما ينعم كل من علاء وجمال مبارك، نجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك، بالحرية بعدما أخلي سبيلهما رغم سجلهما المثقل بقضايا الفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ أيام حكم والدهما. هذه هي حصيلة الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، التي علق عليها المصريون آمالا عريضة في تحقيق مزيد من الحريات وتكريس العدالة الاجتماعية وانتعاش الاقتصاد. أربع سنوات مرت ولم تتغير الأوضاع إلى الأفضل، كما كان يأمل المصريون، بل كثرت الأعمال الإرهابية وزاد العنف وعاد العسكر للحكم ليحكم قبضته على المعارضة والحريات والحقوق السياسية.
"الصمت ليس الموت"
وشباب الثورة؟ إما يقبعون في السجون على غرار الناشط علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر أو أنهم مرغمون على البقاء بعيدا عن بلادهم مثل وائل غنيم الذي خير العيش والعمل في الإمارات بدلا من أن يلحقه نفس المصير الذي لحق بأمثاله من شباب ثورة 25 يناير. أما البعض الآخر الذي حالفه الحظ ولم يقض في السجن فترات طويلة على غرار الناشطة والمحامية ماهينور المصري، التي خرجت قبل فترة وجيزة من السجن بعد أربعة اشهر من الاعتقال، فلم تكل الكفاح، مقتنعة بأن الطريق لا يزال طويلا، حيث كتبت على صفحتها على فيسبوك قائلة: "بعد أربع سنين وبعد جولات قليلة كسبناها وجولات أكتر خسرناها لسة مصدقة في الناس وعارفة إن الصمت مش بالضرورة يعني الموت." فهل يعني ذلك تواصل المواجهات في مصر بين معارضة إسلامية ترى أنها صاحبة شرعية الحكم في البلاد وأن العسكر قد انقلب عليها وبين أخرى علمانية ترى أن ثورتهم قد سرقت وآمالهم في مستقبل أفضل قد خيبت؟ وفي ظل أعمال العنف المتواصلة التي تشهدها مناطق متفرقة من البلاد يطرح السؤال نفسه هل تنزلق مصر في دوامة فوضى؟
"العنف ولد العنف"
"أعتقد أن مسألة استقرار مصر أو انزلاقها في دوامة من الفوضى والعنف معقدة جدا"، على ما يقول يوخن هيبلر، خبير ألماني في شؤون الشرق الأوسط. ويضيف قائلا: "استقرار البلاد أو عدمه رهن مدى حدة المواجهة بين حكم عسكري ديكتاتوري من جهة، وقوى راديكالية على حافة المجتمع من جهة أخرى"، في إشارة إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة على غرار جماعة "أنصار بيت المقدس" والتي أعلنت مرات عدة مسؤوليتها عن عمليات إرهابية خاصة في سيناء. ويوضح هيبلر أن زعزعة بلد مهما كان حجمه وثقله الجيوستراتيجي ليست رهنا بانتفاضة أغلبية شعبية وإنما يكفي 2 أو 3 بالمائة من السكان من خلال أعمال عنف متفرقة أن تبث الخوف والذعر في قلوب الناس." ويعزو الخبير الألماني الوضع الحالي في مصر إلى الحكم العسكري المتشدد. ويقول: " بعد الانقلاب العسكري (على الإخوان المسلمين) وإقامة حكم عسكري متشدد، لا ندري كم سيدوم وهل سيخضع لإصلاحات، زادت في مصر العمليات الإرهابية العنيفة."
وقد دانت منظمة هيومن رايتس ووتش الاثنين "الاستخدام المفرط للقوة" من قبل الشرطة المصرية "ضد التظاهرات السلمية" بعد مقتل ما لا يقل عن 18 شخص أمس الأحد معظمهم من الاسلاميين خلال صدامات بين الشرطة ومتظاهرين. في سياق متصل، قالت مديرة ادارة الشرق الاوسط في هيومن رايتس ووتش سار ليا ونستون "بعد أربع سنوات من الثورة، مازالت الشرطة تقتل بانتظام المتظاهرين". فهل هذه بوادر تنذر بانفجار الوضع في البلاد؟
المؤسسة العسكرية - ضمانة للاستقرار؟
من جهتها، تستبعد حنان بدر، وهي أستاذة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، انزلاق مصر في دوامة الفوضى، لثلاثة أسباب رئيسية: أولا، لأنها ترى بأن المؤسسة العسكرية هي "الضامن الحقيقي للاستقرار" في منطقة تشهد صعود التنظيمات الراديكالية مثل "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق وتفككا وانهياراعلى غرار ما تشهده ليبيا، الدولة المجاورة. وتقول: "المصريون عموما أكثر قبولا لحكم السيسي لأنهم يرون أنه قادر على الحفاظ على وحدة البلاد والوقوف أمام أي محاولات من قبل تيارات الإسلام السياسي لجر البلاد إلى دوامة العنف (...) ورغم وجود عمليات تفجير واعتداءات في الوقت الحالي، فإن المصريين يرون في النظام الحالي أفضل ماهو متاح."
أما السبب الثاني فتعزوه إلى فشل الإخوان المسلمين عندما أنيطت بيدهم عهدة حكم البلاد في إدارتها والاستجابة للمطالب الشعبية. وتقول: "لقد اتضح بأن جماعة الإخوان المسلمين إنما تريد حكم البلاد بأي شكل كان دون أي رؤية إصلاحية واضحة أو رغبة حقيقية في إصلاح الأوضاع." كما ترى بأن الكثير من المصريين يربطون أيضا بين "المخزون الإيديولوجي لتيار الإسلام السياسي الذي وحتى وأن وصف بالاعتدال والجماعات المتطرفة التي تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية الأمر ينعكس سلبا على صورة الإخوان المسلمين."
أما السبب الثالث، فيعود وفق الخبيرة المصرية حنان بدر إلى حالة الإرهاق التي أصيب بها المصريون ورغبتهم في حياة أكثر أمنا واستقرارا، بحيث تقول: "الأوضاع العامة الاقتصادية والسياسية في مصر لا تبعث على الرضا. ولكن في نفس الوقت لا يوجد حراك واسع بالشكل المفهوم والزخم الشعبي الثوري كما كان عليه الأمر خلال ثورة 25 يناير عام 2011. بصفة عامة هناك إحباط وعزوف تدريجي عن السياسة."
هل الحوار هو الحل؟
ورغم الانتكاسة التي حلت بثورة 25 يناير، إلا أن الخبير الألماني يوخن هيبلر لا يستبعد أن تتحسن الأوضاع في مصر، ولكن بشرط: "في حال تخلت قيادة الدولة عن سياسة المواجهة المتشددة التي تتبعها حاليا من خلال حظر قوى المعارضة على غرار الإخوان المسلمين واعتبارها تنظيما إرهابيا، وإذا ما ربطت قنوات الحوار مع القوى الإسلامية والعلمانية، فإن المستقبل من شأنه أن يبعث على التفاؤل." بيد أنه يحذر في الوقت نفسه قائلا: "أما إذا تعمق الانقسام في المجتمع وإذا ما تبادل الطرفان الاتهامات بالوحشية والإرهاب، فإن هذا الاستقطاب سيتواصل وتحت ظلالها سوف تقوى شوكة التيارات الراديكالية لأنها من خلال هذه المواجهة والاستقطاب سوف تضفي شرعية على وجودها. وبالتالي بدون حوار بين العلمانيين والإسلاميين، فإن مصر لن تخرج من هذه الأزمة."
شمس العياري