فارُون من كوباني، حلمهم أن لا تسقط مدينتهم
٢٩ سبتمبر ٢٠١٤"كوباني" باللغة الكردية وبالعربية "عين العرب"، والكردية في اللغة الأم لسكان هذه المدينة التي تقع 160 كيلومترا شمال محافظة حلب. تفصل بينها وبين الحدود التركية 4 كيلومتراتن شمالاً، نزح عنها أغلب المدنيين في أكبر موجة نزوح شهدتها سورية منذ بداية اندلاع الحراك الشعبي المناهض لنظام الحكم في آذار/مارس عام 2011. ويقدر عدد النازحين منذ يوم الجمعة (19 سبتمبر أيلول) أكثر من 200 ألف، جراء المعارك الطاحنة بين تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" الذي يشن هجوماً يوصف بالأعنف من جهة، والقوات الكردية المؤلفة من وحدات الحماية الشعبية (YPK و YPG) ومتطوعين من أبناء المدينة من جهة ثانية.
محي الدين شامليان مسؤول فرع الهلال الاحمر في كوباني، يوضح لـ DW عربية أنه "لليوم العاشر على التوالي وأهالي كوباني ينزحون عن بلدتهم، اليوم الأول والثاني (19 و20 سبتمبر أيلول) واليوم التاسع (26 نفس الشهر) كانت نسبة النازحين أكبر، وقدر عددهم العابرين بأكثر من عشرة آلاف شخص دخلوا الجانب التركي".
أبو عمر-كما يلقبه زملائه- كان يقف إلى جانب الدكتور أحمد القادر في نقطة الصفر الفاصلة بين الحدود السورية والتركية. هنا لا يوجد اسم رسمي للمكان، ولكن بحسب أبو عمر فإن المنطقة يطلق عليها "نقطة سليمان شاه" وهي تابعة إدارياً لقرية جولك التركية. وصف المشهد بـ "المأساوي" وأفاد "يقدر عدد اللاجئين بأكثر من 200 ألف وهذه النقطة هي الرئيسية ويتم إرسال جميع الوافدين من باقي النقاط إلى هذه النقطة كونها أكثر آمناً"، وأضاف "بحسب الاحصائيات التركية الرسمية الصادرة عن مكتب شؤون اللاجئين والذي فتح مكتباً هنا، بلغ عدد العابرين 180 ألف لتاريخه، عدا أول يومين ولم يتسنى لهم تسجيل النازحين، لذلك نقدر عدد الوافدين أكثر من 200 ألف شخص دخلوا الاراضي التركية منذ يوم الجمعة الماضي".
ولفت الدكتور احمد قادر أنه ومنذ عبور النازحين من نقطة العبور الوحيدة، أنفجر حوالي 50 لغماً، مات منهم 3 وهناك 17 جريح في حالة خطيرة أسعفوا للمشافي التركية. وقال الطبيب لـ DW عربية "هذه المنطقة تعد حقل ألغام، ويومياً ينفجر لغم أو اثنين بالوافدين، والسلطات التركية تتحكم بالمنافذ الحدودية، تارةً تفتح الطريق أمام اللاجئين وتارةً تغلقها، وأخيراً تركت هذه النقطة الوحيدة مفتوحة لتستقبل الفارين من نيران المعارك الطاحنة موضحا "لا نملك سوى نقالتين وحقيبة طبية صغيرة، بداخلها أدوية للإسعافات أولية"، ويتشكل فريق الهلال الاحمر أو " Hiva Sor" كردياً، من 200 متطوع جلهم من مدينة كوباني يعملون بدون أجر، ينامون في العراء على الأرض منذ عشرة أيام لتقديم الخدمات للاجئين.
"يفترشون الارض ويلتحفون السماء"
اشتداد أعمال العنف والمخاوف من التعرض لانتهاكات الجهاديين المتطرفين، وتكرار مشهد شنكال العراق، دفع غالبية المدنيين من القرى والضواحي إلى الفرار إلى مركز المدينة في البداية مساء يوم الثلاثاء (16 سبتمبرأيلول)، إلا أنهم وبعد يومين من احتدام الاشتباكات العنيفة وسيطرة تنظيم "داعش" على 64 قرية، هرب هؤلاء مع سكان المدينة إلى الحدود التركية.
كوبان، نزح عن بلدته ليلة بدء قوات التحالف قصفها على مقرات داعش، وصل إلى مدينة سروج التركية. وعن مشاعره المشوشة عبر لـ DW عربية "في البداية ارتفعت معنوياتنا بعد القصف الجوي للتحالف الدولي على داعش، ولكن يوما بعد يوم أصبح اليأس سيد الموقف"، فالحرب وبحسب كوبان ستمتد لسنوات، والقصف الجوي لم يمنع زخف الجهاديين نحو مسقط رأسه، وأضاف "وصلوا إلى مشارف كوباني، ولا اعتقد أن هذه الحرب قصيرة الأمد، ولا نأمل عودة قريبة إلى ديارنا، أعلم تماماً أننا سنمر بأيام صعبة"، وعن الصعوبات التي يعاني منها، قالت دلزوز، زوجة كوبان التي كانت تجلس إلى جانبه في صالة أفراح: "النساء والأطفال الأكثر تضرراً، لا مكان يأويهم ولا مأكل، هنا يقدم فاعلو الخير ما تيسر، ولكن ينقصنا الكثير حتى المراحيض نحرم منها أحياناً لكثرة الأعداد التي نزحت إلى هذه المدينة الصغيرة".
وفتح أهالي سروج التركية الجوامع وصالات الافراح والمنازل المهجورة والمحال التجارية المغلقة، والمستودعات لتأوي الاعداد الكبيرة من النازحين.
وشكل شاهين عمر ومجموعة من أصدقائه من أبناء كوباني غرفة عمليات لتقديم المساعدات الإغاثية بجهود فردية، ووصف الحالة بأنها "الأكثر مأساوية منذ بداية الثورة"، واعتبر ان المساعدات المقدمة من بعض المنظمات الخيرية "لا تفي بالحاجة، فأغلبنا ينامون على الأرض ولا توجد أغطية كافية، ولا أماكن مخصصة للنوم".
عائدون من أجل الدفاع عن "كوردايتنا"
بهار وبهزاد وشرفان، جلسوا في إحدى مقاهي سروج، كانوا يتبادلون أخبار المعارك الواردة من كوباني. بهار وصل للتو، مصطحباً عائلته ليأويهم من ويلات الحرب والنزوح. قرر هو وبهزاد وشرفان العودة للقتال إلى جانب القوات الكردية المرابطة هناك.
يقول بهار لـ DW عربية ان "خمسة قذائف سقطوا على مركز المدينة، مما دفع القسم المتبقي من سكان كوباني إلى النزوح عنها"، القذائف استهدفت منازل المدنيين بحسب بهار، وتابع كلامه: "معنويات الأهالي تراجعت أكثر لا سيما ان طائرات التحالف تقصف داعش ولكن لم تؤثر على تقدمهم".
وتحتدم المعارك بين جهاديي داعش المزودين بأسلحة ثقيلة ودبابات من ناحية، ومقاتلين أكراد يدافعون عن مدينة كوباني بمساعدة أكراد قدموا من تركيا من ناحية ثانية.
وعلى الطاولة التي كان يجلس عليها الاصدقاء الثلاثة الراغبين في العودة للقتال، وضعت صفحة رسم عليها مخطط مدينة كوباني بالقلم الأزرق وحددوا النقاط التي تسيطر عليها داعش وجبهات القتال المحتدمة. وبحسب الصفحة المرسومة يسيطر جهاديو التنظيم على قرية سفتك وتمدد إلى مشارف الاذاعة وتبعد حوالي 7 كيلومترات عن كوباني من الجهة الغربية. ومن الجنوب تسيطر على محور قرية ايدقي ومنتزه سيران وتل غزال وجمحراني والتي تبعد عن مركز المدينة حوالي 9 كيلومترات. أما في الجهة الشرقية فقد استطاعت القوات الكردية استرجاع قرية شيران والتي كانت جبهة ساخنة. وتراجع التنظيم إلى قرى علي شار ومزرة اسماعيل والتي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن المدينة.
وعلق بهزاد على الاخبار الواردة وتراجع القوات الكردية في الجبهات الساخنة معللاً: "داعش تملك آليات مصفحة ومدرعات متطورة، ونحن لا نملك سلاح كافي وحديث يواجه قدرتهم عدداً وعتاداً"، أما صديقه شرفان والذي كان متحمساً للعودة والقتال، نقل لـ DW عربية أن "كوباني لن تسقط، وأنْ سقطت ستسقط كوردايتنا"، في إشارة الى القومية الكردية.
كمال شيخو- سروج التركية ( على الحدود مع سوريا)