لكل قصته – لاجئون سوريون وعراقيون في برلين
٢٣ سبتمبر ٢٠١٤"هربنا من الموت هناك، وجئنا هنا من أجل البقاء في الحياة ". إنها كلمات المواطن السوري علي (28 عاما) من دمشق، والذي رفض ذكر اسمه ونشر صورته. كان علي يعمل في المجال الإنساني في سوريا إلى أن علم أن جهاز الاستخبارات السوري تلقى أمرا باعتقاله. وأثناء رحلة الهروب وقع في قبضة إحدى الجماعات الإسلامية المسيطرة على إحدى المدن السورية.
لا يرغب علي في الحديث عن تجاربه والأحوال السائدة هناك بالتفصيل، "الحياة هناك غير ممكنة على الإطلاق ولم يبق أمامي سوى خيار الهروب". لازال الخوف مما عايشه في سوريا متمكنا منه بالكامل، رغم وجوده الآن في ألمانيا. وهذا يشرح سبب عدم ذكر إسمه. فهو يعتقد أن الكثيرين من الذين قدموا إلى هنا يؤيدون الفروع الدولية المختلفة للجهاديين. محطة علي الأولى كانت في مركز "غاتوو" لإيواء اللاجئين في برلينز وطلبه في الحصول على لجوء رهن بموافقة الحكومة الألمانية على ذلك، وقد تختلف المدد الزمنية إلى حين قبول طلبات اللجوء المقدمة.
عدد كبير من الشباب العراقيين والسوريين يغادرون بلدانهم بمفردهم. وغالبا ما يتم ذلك لأسباب مادية. فالرحلة إلى أوروبا عملية مكلفة جدا. وفقط بعد الحصول على حق اللجوء، يحق للاجئ تقديم طلب "التجمع العائلي" لإحضار بقية أفراد الأسرة إلى ألمانيا بشكل رسمي.
البقاء على قيد الحياة بشروط
هذا ما يأمله أيضا الشاب العراقي وسام الذي يبلغ من العمر 36 عاما. فبالرغم من وضوح مظاهر التعب على محياه إلا أنه لازال محتفظا بحيويته وكأنه لا يود الإستسلام. زوجته وأطفاله الثلاثة يوجدون حاليا في إحدى السيارات ،استعدادا لتهريبهم من كردستان، بعدما أصبحت عقيدتهم تشكل خطرا على وجودهم في العراق، كما يقول وسام " نحن كمسيحين تضعنا داعش أمام خيارات واضحة وهي إما دخول الإسلام أو دفع جزية أو القتل، ما يعني أن البقاء على قيد الحياة أصبح مرهونا بالهروب". لدى وسام أدلة واضحة تثبت ذلك. وبالرغم من وجوده في ألمانيا، فلازال يشعر بإنه ضحية تلك التطورات، فهو ينتمي إلى أقلية مسيحية في الشرق الأوسط، ولا يشعر بالراحة التامة في مراكز إيواء اللاجئين، وقد حصل على موافقة للإنتقال إلى غرفة خاصة به، بعد أن حاول بعض اللاجئين المقيمين معه في المركز إزعاجه عدة مرات من خلال شرائط تلاوة القرآن.
أروقة البناية طويلة تشبه أروقة دور الرعاية بإنارات خافتة ، ولصقت على كل باب لافتة تحمل رقما يشير إلى حجم الغرفة. الجلوس مع وسام في غرفته يعطي صورة واضحة عن حياة اللاجئين في هذه المراكز. فوسام يعيش في غرفة لا يتجاوز حجمها 9 أمتار مربعة، وتضم خزانة صغيرة، فيها بعض الأطباق وقليل من الطعام. وعلى طاولة صغيرة وضع وسام جميع الأوراق اللازمة لتقديم طلب "التجمع العائلي"، وللوصول إلى هذه المرحة، يجب الموافقة على طلبه في حق اللجوء. ويستطرد وسام قائلا: "ما يشغلني الآن بالخصوص هو إمكانية رؤية عائلتي مرة آخرى". وبسبب خوف وسام على عائلته فإنه يعمل على التواصل معهم باستمرار.
أمل في مستقبل أفضل في ألمانيا
عامر شاب آخر من العراق يبلغ عمره (32 عاما)، اضطر هو أيضا للهروب من العراق بين عشية وضحاها، حيث تلقى تهديدات لا يرغب في الحديث عنها كثيرا خوفا على عائلته المقيمة في بغداد. لم يخبر خطيبته بمشروع الهرب كي لا يعرض حياتها للخطر، كما يقول. وبالرغم من أن عامر يتواصل يوميا مع والدته، إلا أن شعور القلق لا يفارقه لحظة واحدة، رغم أن "أمي تحاول دوما طمأنتي بأن الوضع جيد، غير أن ذلك ليس صحيحا"، فعامر يعرف تماما ما يحدث من تفجيرات يوميا والتي يذهب العديد من الناس ضحيتها. وبالنسبة له فألمانيا هي المستقبل.
يسعى عامر للبحث عن دورات لتعلم اللغة الألمانية، فهو يرغب في متابعة دراسته بهدفه بناء مستقبل آمن في ألمانيا. ويعتقد أن الظروف المعيشية في هذه المراكز جيدة جدا، فهي تؤمن له حياة آمنة. كما إنه يتجنب الخوض في الأحاديث السياسية ويعبر عن ذلك بقوله "هربت من الصراعات ولا أرغب في الحديث عنها هنا".
في أجواء آمنة، يجلس جميع اللاجئين في مركز "غاتوا" في برلين، يتجاذبون أطراف الحديث، لكل واحد منهم قصته عن الأسباب التي دفعته للهروب إلى ألمانيا، إلا أن شيئا واحدا مشتركا يربطهم جميعا، وهو الأمل في إيجاد مستقبل أفضل لهم في هذا البلد.