هل تقاتل تركيا "داعش" بعد الإفراج عن رهائنها؟
٢٠ سبتمبر ٢٠١٤يتهم دبلوماسيون غربيون حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها لم تظهر سوى دعم فاتر للحرب ضد مسلحي "الدولة الإسلامية" الذين يسيطرون على مساحات واسعة من العراق وسوريا، رغم رفض المسؤولين الأتراك تلك الاتهامات بشدة. وبررت أنقرة، التي وضعت نفسها خلال السنوات الماضية كقوة كبرى في العالم الإسلامي، ذلك بأن أيديها مقيدة بسبب خطف التنظيم المتطرف 49 من مواطنيها بينهم دبلوماسيون وأطفال في حزيران/ يونيو 2014 في الموصل. لكن رغم الإفراج عن هؤلاء الرهائن السبت (20 أيلول/ سبتمبر 2014) يبقى من غير الواضح إن كانت تركيا ستغير مسارها.
ويقول العديد من المحللين أن سياسة تركيا التي قادها وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو، بدعم المسلحين الإسلاميين في الاضطرابات في سوريا بهدف الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، أسهمت في ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية". وقال مارك بيريني المحلل في مؤسسة كارنيغي يوروب وسفير الاتحاد الأوروبي السابق لدى تركيا إنه "حتى الأشهر القليلة الماضية، كانت الأراضي التركية مفتوحة للجميع على مصراعيها. وقد تغيرت الأوضاع اليوم بسبب الضغوط الغربية، وكذلك لأن الحكومة أدركت أن تنظيم الدولة الإسلامية يمكن أن يشكل تهديدا مباشرا لتركيا".
ورفض أردوغان بغضب الاتهامات بأن تركيا شجعت مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية"، قائلا إن اتهام أنقرة بدعم الإرهاب يعد "وقاحة". وأضاف: "لم نقبل ولا نقبل مطلقا مفهوم (الإرهاب الإسلامي)". وتتردد تركيا، العضو في الحلف الأطلسي، في المشاركة في العمليات القتالية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو حتى السماح للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بشن هجمات انطلاقا من أراضيها.
تعاون ألماني تركي
من ناحيته شكر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، أثناء زيارة الأخير إلى برلين مؤخرا، على "الالتزام التركي في مواجهة الجهاديين الأجانب"، الذين يحاولون المرور عبر تركيا إلى مناطق الصراع. وقال الوزير الألماني في هذا الصدد: "أنا مسرور للغاية بمعرفتي أن تركيا قد أوقفت ألف شاب كانوا على استعداد للقتال في العراق وسوريا، وبمعرفتي أن تركيا قد رفضت استضافتهم".
وذكر شتاينماير في هذا السياق أنه كان يوجد 6000 اسم من أسماء الرجال والنساء على قائمة الممنوعين من دخول تركيا. وسافر مئات المتطرفين من ألمانيا إلى مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، وقتل منهم أربعون شخصا لقي بعضهم مصرعهم في تفجيرات انتحارية، بحسب تقديرات خبراء أمنيين.
وأكد وزير الخارجية التركية على أن أنقرة قد شددت مراقبتها للحدود التركية مع العراق وسوريا، البالغ طولها 1200 كيلومتر، بهدف منع المقاتلين الأجانب من المرور عبرها، بالإضافة إلى مراقبة محطات الحافلات والمناطق الحساسة، مشددا على أن مراقبة الجهاديين يعتمد على مدى تعاون أجهزة المخابرات والسلطات الأجنبية، التي قال الوزير التركي إن عليها إرسال معلومات إلى تركيا حول المشبه فيهم من مواطنيها.
وأضاف جاويش أوغلو أن تركيا تعتزم، في المقابل، إبقاء حدودها مفتوحة للاجئين، حيث دخل تركيا مؤخرا 38000 من الإيزيديين، كما أن تركيا تساعد النازحين في المناطق العراقية الحدودية. من جانبه أشاد وزير الخارجية الألماني بالدور التركي في مساعدة اللاجئين السوريين والعراقيين. واتفق الوزيران على عدم التعاون مع حزب العمال الكردستاني التركي في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى أنه لا يمكن القضاء على "الإرهاب" بالعمليات العسكرية فقط.
تبادل المعلومات الاستخباراتية
ووافقت عشر دول عربية الشهر الحالي على مساعدة الولايات المتحدة في قتالها ضد التنظيم، وذلك خلال مؤتمر عقد في مدينة جدة السعودية. ورغم مشاركة تركيا في المؤتمر، إلا أنها لم توقع البيان الصادر عنه. وصرح مسؤول في الحكومة التركية أن قرار أنقرة عدم المشاركة عسكريا يأتي بناء على "سياسة الدولة". وقال: "لم نشارك في أي تدخل عسكري منذ الحرب الكورية، هذه سياسة دولة وليس لها أي علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية".
وفي عام 2003 رفضت تركيا كذلك السماح للقوات الأمريكية بدخول العراق من أراضيها للإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين. وبدلا من ذلك تفكر تركيا في إقامة منطقة عازلة على حدودها مع العراق وسوريا لمساعدة المدنيين على الجانب الآخر من الحدود، إلا أنه لا يزال من غير الواضح كيف ستفعل ذلك. وقال بيريني: "نظرا لمسلكها في الفترة السابقة، خصوصا خلال الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، أعتقد أن تركيا لن تغير سياستها ولن تتخذ جذريا موقفا مختلفا وهجوميا ضد الجهاديين".
وتشير التقديرات إلى أن آلاف المقاتلين الأجانب، الذين انضموا إلى التنظيم المتطرف، وصلوا من أوروبا والولايات المتحدة وعبروا من الحدود من تركيا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوفه. وأعلنت تركيا سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين السوريين، وتستضيف حاليا 1.5 مليون سوري. وتلقي تركيا باللوم على الدول الغربية لإخفاقها في تبادل المعلومات الاستخباراتية.
وقال مسؤول تركي في هذا الصدد إن "الأوروبيين لا يزودوننا بقوائم كاملة، أو أنهم يكتفون بإبلاغنا في اللحظات الأخيرة، أو أنهم يعلموننا بعد أن يدخلوا الأراضي التركية. لا يمكننا أن نحتجز أي شخص بسبب اسمه الإسلامي". وأضاف أنه رغم التقدم الذي تحقق خلال الأشهر الخمسة الماضية، ليس ممكنا وقف عمليات التسلل بشكل كامل. وتساءل "هل تمكنت أمريكا من وقف عمليات التهريب عبر الحدود المكسيكية منذ 40 عاما؟".
ع.م/ أ.ح (أ ف ب ، DW)