علاء الأسواني: جريمة الدفاع عن الحق
٢٥ أغسطس ٢٠٢٠عزيزي القارئ
افترض ان زوجتك كانت تمشي في الشارع فتعرضت إلى التحرش بواسطة أحد البلطجية. كانت وحيدة ولم تستطع الدفاع عن نفسها وقد خاف المارة من جبروت البلطجي فلم يحركوا ساكنا، ثم تصادف مرور شاب شجاع فقام بالدفاع عن زوجتك وخلصها من البلطجي وأعادها سالمة إلى البيت، لكن البلطجي تربص بالشاب الشجاع وضربه بوحشية ثم استغل صداقته بضباط المباحث فقاموا بتلفيق تهمة للشاب الشجاع وألقوا به في السجن.
إذا حدث ذلك ألا يكون من واجبك مساعدة هذا الشاب الشجاع بكل طريقة؟ ألا يكون من الطبيعي ان تحضر له محاميا للدفاع عنه وأن ترعاه وهو في السجن وتواسي أهله وتلبي طلباتهم؟ أكاد أسمعك وأنت تؤكد أن هذا أقل واجب تقدمه إلى الشاب البطل الذي عرض نفسه للخطر وتعرض للضرب والسجن ليدافع عن زوجتك.
ان واجبك نحو هذا الشاب الشجاع أمر بديهي لا يختلف عليه أحد.. نفس هذا الأمر البديهي يجب أن يدفعنا إلى التضامن مع الآلاف من معتقلي الرأي في مصر، لأنهم لم يقتلوا ولم يسرقوا ولم يرفعوا السلاح في وجه الدولة لكن جريمتهم الوحيدة كانت الدفاع عن الحق. لقد دافعوا عن حقوقنا وحريتنا وكرامتنا وأعلنوا آراء لم تعجب النظام فتم القبض عليهم واتهامهم بنشر أخبار كاذبة والتحريض ضد مؤسسات الدولة إلى آخر هذه التهم الملفقة المطاطة التي لا يعرفها أي قانون في أي دولة ديمقراطية.
معتقلو الرأي في مصر أبطال حقيقيون لأنهم دافعوا عن الحق وهم يعلمون أنهم سيدفعون ثمنا باهظا لمواقفهم، فلم يترددوا لحظة لأن شعورهم بالواجب وحبهم للحق كانا أكبر بكثير من خوفهم من الاعتقال. آلاف الرجال والنساء يقبعون الآن في السجون في ظروف غير إنسانية. كثيرون منهم يتعرضون للتعذيب والاهانات وكثيرون يموتون من الاهمال الطبي المتعمد ومع ذلك لا أظنهم ندموا لحظة واحدة على مواقفهم العظيمة. بعضهم محبوسون لأنهم دافعوا عن المال العام مثل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أعلن حجم الفساد في الدولة وتصدى لمحاربته وحاول أن يراقب ميزانيات المشروعات المدنية للقوات المسلحة فكان مصيره السجن خمس سنوات.
هناك من اعتقلوا لأنهم دافعوا عن حق مصر في جزيرتي تيران وصنافير المصريتين اللتين منحهما السيسي للسعودية متحديا أحكام القضاء المصري الذي أكد أن الجزيرتين مصريتان. هناك من اعتقلوا لأنهم وجهوا نقدا على فيسبوك لسياسات السيسي ورفضوا اعتداءه على الدستور والقانون مثل المهندس يحيى حسين والدكتور حازم حسني أستاذ العلوم السياسية الذي تم اعتقاله لأنه تكلم في السياسة وعبد المنعم أبو الفتوح المعتقل بسبب حديث أدلى به للتليفزيون البريطاني.. كثيرون معتقلون لأنهم اشتركوا في ثورة يناير مثل محمد اكسجين وعلاء عبد الفتاح وزياد العليمي واسراء عبد الفتاح وآلاف مثلهم.
المهندس العالمي ممدوح حمزه الذي حصل على أرفع الجوائز الدولية في تخصصه واشترك في تنفيذ مشروعات قومية عديدة. هذا الوطني النابغ قام بدراسات علمية متخصصة شرحت عيوب المشروعات التي يجريها السيسي بمليارات الجنيهات بدون دراسات جدوى (كما اعترف بنفسه). لقد قام المهندس حمزه منذ خمسة أعوام بإجراء دراسة علمية حذرت من سد النهضة وقدمت أفضل طريقة للمحافظة على حقوق مصر المائية، وبدلا من أن تستفيد الدولة من علم ممدوح حمزه فانها أحالته للمحاكمة أمام محكمة الارهاب بتهمة التحريض ضد مؤسسات الدولة والتشكيك في المشروعات القومية..
ان معتقلي الرأي في مصر هم بلاشك أفضل المصريين وعيا وشجاعة وقد كان بامكان كل واحد منهم أن يعيش حياة مريحة مع أسرته بعيدا عن السجن والمحاكمات لكنه فضل الدفاع عن الحق على الحياة المريحة.. علينا أن نسأل أنفسنا هل قمنا بواجبنا نحو هؤلاء المعتقلين؟ هل بذلنا كل ما في وسعنا لإطلاق سراحهم؟
في مصر آلاف الكنائس والمساجد التي يخطب فيها رجال الدين ويدعون المؤمنين إلى اتباع الحق ونصرة المظلوم، هل تكلم رجل دين واحد مسلم أو مسيحي عن المعتقلين؟ في مصر عشرات النقابات المهنية هل دافعت نقابة واحدة كما يجب عن أعضائها المعتقلين؟ هل دافعت جامعة مصرية واحدة عن معتقلي الرأي من طلبتها وأساتذتها؟ الاجابة للأسف بالنفي والتفسير الجاهز أن القمع الذي يمارسه نظام السيسي جعل الناس يخافون من التضامن مع المعتقلين؟ نحن نتفهم خوف الناس من بطش السلطة لكن ماذا عن ملايين المصريين المقيمين في الخارج بعيدا عن بطش السلطة لماذا لا يتضامنون مع المعتقلين؟ كما أن هناك وسائل كثيرة للتضامن مع المعتقلين لا تتسبب في أذى المتضامنين.
مجرد محاولة زيارة المعتقلين أو ارسال رسائل تشجيع لهم أو تنظيم حملات للتضامن معهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الاحتفال مع أسرهم بالأعياد أو تصوير لقاءات مع أصدقائهم وأقاربهم للتذكير بأنهم لم يرتكبوا جرما... كل هذه طرق آمنة لا تعرض من يقوم بها للخطر كما أنها ترفع من معنويات المعتقلين لأنها تشعرهم أننا لم ننسهم وأننا نقدر تضحياتهم.
ان معتقل الرأي يتعرض إلى الحبس والوحدة وقسوة التعامل وربما الضرب والتعذيب ومنع الزيارات داخل المعتقل.. كل ذلك بالطبع يؤثر في نفسية المعتقل لكن ما يحزنه أكثر هو أن يشعر أن الناس لا تقدر تضحياته ولا تفكر فيه وأن قضية الكرامة والحرية التي ناضل من أجلها لم تعد تهم أحدا.
واجبنا أن ندافع عن الذين دافعوا عنا.. الآن..
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.