علاء الأسواني: الحقائق القديمة لا تمحوها البروباغندا
١٨ أغسطس ٢٠٢٠أولا: في عام 2011 فوجئ نظام مبارك بثورة يناير وفشل في قمعها، فقد ظل الثوار صامدين برغم مقتل وجرح آلاف منهم في معظم محافظات مصر ثم حاول النظام الالتفاف على مطالب الثورة فدعا اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الثوار إلى التفاوض حول مطالبهم. رفض الثوار جميعا الجلوس مع عمر سليمان وأصروا على تنحي مبارك لكن الاخوان المسلمين جلسوا مع عمر سليمان وخرج قادتهم بعد اللقاء يكيلون المديح لعمر سليمان وأذكر أننى قابلت المرحوم عصام العريان بالصدفة في ستوديو الاذاعة البريطانية في القاهرة وسألته:
ــ لماذا جلستم مع عمر سليمان؟
ابتسم العريان وقال:
ـ السياسة لها أحكام
هكذا انعقد التحالف بين المجلس العسكري والاخوان المسلمين وكانت الصفقة هي تمكين الاخوان من السلطة التي يتوقون إليها مقابل مساندتهم الكاملة للمجلس العسكري الذي عمل على القضاء على الثورة، ولقد أدى الإخوان الدور المطلوب منهم في استفتاء 19 مارس، فأضاعوا على مصر فرصة كتابة دستور جديد يعكس مطالب الثورة وأشاعوا بين أعوانهم أن الثوريين يريدون إلغاء الشريعة الإسلامية من الدستور ودعوا الناس إلى التصويت بنعم لتعديل دستور مبارك عن طريق لجنة منحهم المجلس العسكري السيطرة عليها وقد أطلق شيوخ الإسلاميين على الاستفتاء اسم "غزوة الصناديق".
ثانيا: بعد خلع مبارك كانت استراتيجية المجلس العسكري تتلخص في عدة محاور: أولا، استمرار الانفلات الأمني واشاعة الرعب في كل أنحاء مصر وتحميل الثورة مسؤولية ذلك حتى يكرهها الناس. وثانيا، شن حملات اعلامية جبارة من أجل تشويه الثورة واتهام الثوار بالخيانة والعمالة لجهات أجنبية والعمل على اسقاط مصر في الفوضى. المحور الثالث كان قمع الثوار، فارتكب المجلس العسكري مذابح متعاقبة مدروسة بدقة ضد كل فصائل الثوريين مثل مذبحة محمد محمود ومجلس الوزراء وما سبيرو والعباسية الأولى والثانية وبورسعيد وغيرها. بينما كان شباب الثورة يموتون برصاص قوات النظام كان الإخوان المسلمون يصفقون ويعلنون تأييدهم للمجلس العسكري ويشتركون في تشويه سمعة الثوار واتهامهم بالبلطجة والانحلال الأخلاقي.
ثالثا: إذا كان المجلس العسكري يدهس المواطنين بالمدرعات (مذبحة ماسبيرو) ويقتل المتظاهرين ويلقي بجثثهم في القمامة (مذبحة محمد محمود) فهل يمكن الوثوق في أي انتخابات تجرى تحت اشرافه؟ هل يمكن تصور ان السلطة التي تقتل مواطنيها ستسمح بنتائج انتخابات لا تريدها؟
لقد كان الإخوان يشترون أصوات الفقراء بالأموال وشنط الزيت والسكر، ولقد تم توثيق هذه الانتهاكات عشرات المرات لكن المجلس العسكري تجاهل كل ذلك لأنه كان ينفذ اتفاقه مع الإخوان فتركهم يسيطرون على مجلس الشعب أما الانتخابات الرئاسية التي جاءت بالمرحوم محمد مرسي فقد أحاطت بها شبهات كثيفة وانتهاكات موثقة مثل منع الإخوان للأقباط في قرى الصعيد بالقوة من التصويت وطبع تذاكر انتخابية غير قانونية في المطابع الأميرية، بل ان أنصار المرشح أحمد شفيق أقاموا دعوى ببطلان فوز محمد مرسي وظلت هذه القضية منظورة في المحاكم حتى اليوم بعد أن تنحى عن نظرها ثلاثة قضاة. لقد تولى محمد مرسي الرئاسة بعد انتخابات مشكوك تماما في مصداقيتها ونزاهتها.
رابعا: لم يكن مرسي رجلا عسكريا ولكن لا يمكن أيضا وصفه بالرئيس "المدني" لأنه كان عضوا في تنظيم له طابع سري ولديه ميليشيات من آلاف الشباب الذين يتحركون في أي لحظة لسحق معارضي الرئيس بالقوة كما حدث في حصار قصر الاتحادية وحصار مدينة الانتاج الاعلامي وحصار المحكمة الدستورية وغيرها من المواجهات العنيفة.
خامسا: لم يكن مرسي رئيسا مستقلا وانما كان مندوبا لمكتب الارشاد في الرئاسة وفي يوم 22 نوفمبر 2012 أصدر مرسي اعلانا دستوريا ألغى به القانون المصري ووضع قراراته كرئيس فوق القانون وبالتالي كان من الطبيعي أن يتظاهر ملايين المصريين لنزع الثقة من الرئيس مرسي ولأن البرلمان كان منحلا في ذلك الوقت فقد وقع ملايين المصريين على وثيقة تمرد التي كان لها مطلب واحد هو اجراء انتخابات رئاسية مبكرة وهذا مطلب ديمقراطي تماما.
سادسا: اعتصم آلاف الاسلاميين من أنصار مرسي في ميدان رابعة العدوية. لم يكن اعتصام رابعة سلميا فقد رأينا المعتصمين على شاشات التليفزيون يهددون علنا بإحراق مصر بالسيارات المتفجرة بل ان القيادي الاخواني محمد البلتاجي صرح قائلا:
"في اللحظة التي يعود فيها مرسي إلى السلطة ستتوقف الاعتداءات على الجيش في سيناء".
هنا أدعو الجميع إلى مطالعة التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية بتاريخ 2 أغسطس 2013.. لقد رصد هذا التقرير بالتفاصيل والأسماء والشهود وقائع التعذيب والقتل التي مارسها معتصمو رابعة ضد معارضيهم.. على أن كل ذلك بالطبع لا يبرر اطلاقا المذبحة البشعة التي ارتكبها نظام السيسي في رابعة. لقد كان من واجب الحكومة فض الاعتصام بالطرق القانونية بدون قتل مئات الأشخاص ونحن هنا نطالب بمحاكمة المسؤولين عن مذبحة رابعة كما نطالب أيضا بمحاسبة المسؤولين عن المذابح الأخرى جميعا من أول ماسبيرو وحتى بورسعيد.
الحقائق السابقة تشكل التاريخ الحقيقي الذي تستمر محاولات طمسه عن طريق ماكينتين للبروباغندا. ماكينة اعلام السيسي تقابلها ماكينة اعلام الإخوان. الماكينتان تتناقضان في الهدف لكنهما متطابقتان في الأسلوب: الأكاذيب والتشهير والتلفيق. في مصر كما في قطر وتركيا يتم إنفاق ملايين الدولارات من أجل طمس الحقائق وتزوير التاريخ سواء لحساب السيسي أو لحساب الإخوان على أن كل هذه الملايين وكل هذه الساعات اليومية من الارسال التليفزيوني سوف تذهب هباء لأن الحقائق القديمة لا تمحوها البروباغندا.
الديمقراطية هي الحل
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.