"رفض ألمانيا لتحرك عسكري ضد سوريا لا يعني دعم نظام الأسد"
١ يونيو ٢٠١٢يجمع عدد من المراقبين على أن حديث الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا أولاند، عن تحرك عسكري دولي ضد النظام السوري لوقف حمام الدم هناك، خصوصا بعد مجزرة الحولة، يهدف في الواقع إلى زيادة الضغوط على روسيا والصين، لأن حصول تحرك من هذا النوع يبدو مستبعدا في المدى القصير على الأقل. DWحاورت الدكتور مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة، وسألته عن جدية ومحاذير الخيار العسكري في سوريا.
DW: كلام الرئيس الفرنسي أولاند حول عدم استبعاد تدخل دولي مسلح في سوريا جاء بعد مجزرة الحولة. لكن أولاند ربط بين هذا التدخل وتفويض من الأمم المتحدة. في غياب دعم روسي وصيني، ألا تبدو تصريحات الرئيس الفرنسي مجرد فقاعة إعلامية؟
مصطفى اللباد: أعتقد أن تصريحات الرئيس الفرنسي الجديد تهدف بالفعل إلى الضغط على الرئيس السوري، عبر التلويح بضربات عسكرية. نحن نعلم أيضا أن هكذا ضربات لا يمكن أن تتم دون غطاء من مجلس الأمن الدولي، حيث تحتفظ روسيا والصين بحق النقض / الفيتو. ربما يكون أعلى سقف نظري المتوفر في الوقت الراهن لخصوم النظام السوري، هو الخروج بقرار رئاسي غير ملزم، ولكن من شأنه تشديد الضغوط أكثر على دمشق. إن تصريحات الرئيس الفرنسي ليست بالتالي فقاعة، لكنها تهدف إلى استثمار مجزرة الحولة لتشديد الخناق الدولي على النظام السوري.
هل لاحظت تململا ما في الموقفين الروسي والصيني بعد مجزرة الحولة، وهل تعتقد أن البلدين سيغيران موقفهما من نظام الأسد في المدى المنظور؟
على المدى المنظور، قد يكون الأمر ممكنا، غير أن تصريحات المسؤولين في البلدين بعد المجزرة عبرت عن "الأسف"، لكنها استبعدت الخروج بأي قرار من مجلس الأمن. تصريحات استبعدت مسؤولية النظام السوري عن مجزرة الحولة، أو على الأقل وضعت المسؤولية في منطقة رمادية وكأن المسؤول غير معروف.
لذلك، لا أعتقد أن روسيا والصين ستوافقان على قرار جديد لمجلس الأمن يسمح بضربات عسكرية ضد سوريا. إنه أمر لا يرتبط فقط بتفاهم سياسي داخل سوريا ولكن أيضا بتفاهمات بين القوى الغربية وأطراف دولية وإقليمية من جهة ومع روسيا والصين من ناحية أخرى. والأكيد هو أنه لا الصين ولا روسيا ستغيران من موقفهما من سوريا دون الحصول على تعويضات جيوسياسية.
لنفترض نظريا أن موسكو وبكين سيكفان عن معارضة قرار من مجلس الأمن يجيز استعمال القوة ضد سوريا، هل تتصور تدخلا مماثلا لما حصل في العراق؛ أي غزو بري، أو ما حصل في ليبيا العام الماضي؛ أي ضربات جوية تؤدي إلى إسقاط النظام؟
أعتقد أن السيناريو سيكون أقرب إلى شكل سوري وليس عراقي أو ليبي. في النموذج العراقي كان هناك غزو بري، وهو نموذج سيكون من الصعب تنفيذه في الحالة السورية، على ضوء توازنات القوة على الأرض، لا من الأردن أو لبنان ولا من العراق، وبالتالي فإن الدولة الوحيدة المؤهلة لذلك نظريا، في حال اعتماد هذا السيناريو، هي تركيا.
لكن لتركيا محاذير كثيرة ومنها أنها ستكون بصدد تبديد "قوتها الناعمة" التي راكمتها خلال السنوات السبع الماضية. ثم هناك أيضا تشابك إثني وطائفي بين سكان البلدين على طرفي الحدود. ثم هناك أيضا التحالف السوري الإيراني وعلاقات أنقرة الطيبة مع طهران. حسابات تركيا في حال شن حرب على سوريا ستكون معقدة، فهي ستحتاج أولا إلى غطاء دولي من مجلس الأمن، ثم إلى مظلة من حلف الناتو حتى لا تكون بمفردها في الواجهة. ثم لا ننسى أن الحدود التركية السورية تم الدفاع عنها دائما وطوال عقود سياسيا وليس عسكريا.
أعتقد أن الطريق الأنسب للأطراف المناوئة لنظام الأسد هو إيصال الصواريخ المضادة للدروع إلى المعارضة السورية المسلحة، وهي صواريخ ليست كبيرة الحجم ولا الوزن ويسهل تهريبها عبر الحدود التركية السورية. الغرض من هذه الصواريخ هو استهداف دبابات وآليات الجيش السوري وبالتالي خلق ردع على الأرض بين المعارضة المسلحة والنظام. وفي مرحلة لاحقة خلق مناطق عازلة أو محررة، وفي هذه الحالة سنكون أقرب إلى السيناريو الليبي وليس العراقي.
رفض التدخل العسكري في سوريا لا يقتصر على روسيا وبكين وإنما هناك عواصم غربية أخرى كبرلين لا تؤيد هذا الخيار. كيف تفسر هذا الموقف الألماني؟
معروف أن ألمانيا تمتلك معرفة كبيرة بالشرق الأوسط، ثم إنها لم تكن طرفا استعماريا في المنطقة. إن مدرسة الاستشراق الألمانية تتمتع بمستوى رفيع من حيث المعارف النظرية والأكاديمية الخاصة بالمنطقة. وأعتقد أن الدوائر الأكاديمية في ألمانيا ترى أن سوريا هي محصلة معاهدة سايسبيكو، وأن هذا البلد هو مفتاح المشرق العربي وتوازناته. وفي حال حدوث أي خلل لن تقتصر التداعيات على الداخل السوري وإنما ستصل الارتدادات إلى كل المنطقة الجغرافية المحيطة بسوريا، سواء لبنان أو إسرائيل أو الأردن، أو العراق أو حتى تركيا.
إن حسابات برلين في هذه اللحظة لا ترتبط فقط بموضوع إزاحة النظام القائم في دمشق، ولكنها تأخذ بعين الاعتبار، على ما أعتقد، الموزاييك الجغرافي، الإثني الطائفي القائم في المشرق العربي. فمن الممكن تحديد بداية المعركة، لكنك لا تستطيع التكهن مسبقا بالنتائج. وهذا ما يدفع عواصم عديدة لها الخبرة والحنكة المعرفية، إلى التريث والتروي في الانخراط في هكذا سيناريوهات عسكرية، قد تكون لها عواقب وخيمة على كل المنطقة. أعتقد أن الموقف الألماني لا يعني مطلقا تأييد الموقف السوري في المذابح التي يقوم بها، بيد أن الحسابات السياسية تقتضي الوعي بفوائد كل خطوة. ففوائد ضربة عسكرية تبدو في الوقت الراهن، أقل بكثير من الأخطار التي ستنتج عنها.
أجرى الحوار: حسن زنيند
مراجعة: عبده جميل المخلافي