رشا حلوة: "هي سمراء.. ولكن جميلة!"
٢٧ سبتمبر ٢٠١٧أشعر بـ"اللبكة"(الارتباك) كلما كان عليّ استخدام الوصف بشرة سمراء أو سوداء، والسؤال المتكرر الذي يراودني كما كثيرين حول ما هي التسمية الأفضل وما هي التسمية التي يحب أصحاب البشرة السمراء/ السوداء أن يُطلق عليهم؟ كما وأنه لماذا ما زلنا في العام 2017 نحتاج إلى أن نوصّف البشر حسب لون بشرتهم؟
للأسف، إنّ موروثنا الثقافيّ المجتمعيّ في المنطقة العربيّة مليء بالمضامين السلبيّة الموجّه نحو اللون الأسود، كأن الخوف من استخدام الوصف "بشرة سوداء" نابع من أن اللون يحمل تداعيات "سلبيّة وجارحة" امتدادًا من هذا الموروث. في مدينتي التي وُلدت فيها، يُسمى الحيّ الذي يسكنه أصحاب البشرة السوداء، وهم من جذور أفريقيّة، باسم "حارة العبيد"، كما مدن وعواصم عربيّة عديدة. بالإضافة إلى التسميات التي تُطلق على صاحب/ة بشرة سوداء، مثل "عبد"، "وسخة"، والتعابير يوميّة، التي غالبًا لا ننتبه لها؛ عندما نوصف أحد بأنه مثل "البطة السوداء"، ويستخدم هذا التعبير لوصف من هو/هي أقل حظًا، كما استخدام البعض لوصف اليوم/ النهار بتعبير "يا نهار أسود"، المرتبط بوصف النهار السيء أو البشع ، كما هو الحال في إطلاق اسم "رأس العبد" على الحلوى بالحليب المغطاة بالشوكولاتة.
ولهذا، لا يمكن تجاهل العنصريّة التي يعاني منها أصحاب البشرة السمراء/ السوداء في المنطقة العربيّة، ولا يمكن تجاهل العنصرية المضاعفة التي تعاني منها النساء صاحبات البشرة السمراء/ السوداء، ووضعها من قبل بعض فئات المجتمع في خانات "دونيّة" بنظره، ووصفها بكلمات جارحة مبنيّة على رؤيته لنفسه بأنه أكثر قيمة منها لمجرد بأن لون بشرته فاتحة.
لطالما كان هذا الموضوع بمثابة "تابوه" في بلادنا، هو حاضر في حديثنا اليوميّ وسخرية البعض من كل صاحب/ة بشرة سوداء، في الشّارع وفي النكت الجارحة والتعرض للعنف الكلاميّ وأحيانًا الجسديّ، كما أن هنالك ترسيخ للصّورة النمطيّة لصاحب/ة البشرة السّوداء في السينما العربيّة.
في حديثنا عن السّينما العربيّة، وبالأخص المصريّة، هنالك أفلام تساهم في ترسيخ مستمر للصورة النمطيّة لصاحب/ة البشرة السّوداء، فالرجال عادة يظهرون في الأفلام على أنهم يعملون كبوابين أو سوّاقين، كما النساء صاحبات البشرة السوداء تظهر عادة كخادمات في البيوت، دون أن يكون هنالك أي تفكير في تداعيات هذه الصّورة المقدّمة في السينما على أصحاب البشرة السوداء في شعورهم بالانتماء إلى المجتمعات التي وُلدوا ويعيشون فيها أولًا، وكذلك تداعيات ذلك على المجتمع نفسه، فالسينما هي بشكل أو بآخر صورة مصّغرة عن المجتمع وكيف يرى بعض فئاته صاحبات البشرة السوداء، كأنهن لا يمكن أن يكن أي شيء آخر، وهذا مؤلم بحد ذاته في الوقت الذي تعلو أصوات عربيّة عديدة ضد تقديم الصّورة النمطيّة للعربيّ في السينما الغربيّة.
يمتد هذا إلى كيف تروّج أغلبية الإعلانات المخصصّة للنساء لكيف يجب أن يكون جمال المرأة، فنادر ما نرى إعلانا تجاريّا تقدّمه امرأة بشرتها سوداء، وفي عصرنا اليوم، ما زالت مستحضرات التجميل "لتبييض البشرة" حاضرة في الأسواق وتقتنيها النساء صاحبات البشرة السمراء، على الرّغم من منعها في بعض الدّول لاحتوائها على مواد يمكن أن تكون ضارة، مثل أكسيد الزئبق والهيدروكوينون، الذي تم حظره في أوروبا، كما أظهرت بعض فحوصات بان هذه المستحضرات بإمكانها أن تكون مسببة للسرطان. هذا كله بالإضافة إلى بعض تطبيقات الصّور في الهواتف الذكيّة، حيث انتشر مؤخرًا إعلان لإحداهن عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، يضمّ صورة لطفلة صغيرة صاحبة بشرة سمراء/ سوداء، وإلى جانبها نفس الصّورة مع بشرة فاتحة اللون، إشارة إلى ما يمكن أن يفعله تطبيق الصّور هذا، بادعاء يمتد من فكرة البعض عن مفاهيم جمال المرأة، بأن المرأة الجميلة هي ببشرة بيضاء وليست سوداء! ألم نسمع على الأقل مرة واحدة في حياتنا جملة: "سمراء، بس حلوة"!؟
في حديث مع صديقة صاحبة بشرة سمراء وتعيش في بلد عربيّ، عن العنصرية التي تشعر بها، قالت: "في المنطقة العربيّة، هنالك تهميش لأصحاب البشرة السمراء، وأحيانًا عندما نجتمع بأصدقاء عرب ونتحدث عن الجمال، فجأة يقول أحدهم، "كمان السمر حلوين"، هنا نفهم أن مثل هذه الآراء هي إثبات لوجود العنصريّة المبطّنة. توجّه لي أيضًا أسئلة غبيّة من قبل البعض، مثل: "هل عندكم بيوت؟ هل تنتقلون للسيارات أم الحيوانات؟"، وإنّ دلّ على شيء، فهو يدل على قلة الوعي تجاه بلادنا وناسها".
أشارت صديقتي أيضًا لانتشار استخدام مبيضات البشرة عند الكثير من السيدات صاحبات البشرة السوداء، وما يليه من انعكاسات على صحتهن، وتضيف: "والنساء ضحايا الضغط الجماعيّ والترويج لفكرة أنّ البشرة البيضاء هي الأفضل والأجمل. بالمقابل، هنالك مبادرات نسائيّة إعلاميّة جميلة ضد هذه المستحضرات، للتوعيّة حول مخاطرها من جهة، ومن جهة أخرى للتأكيد على أن اللون الأسمر هو جزء من هويتنا كنساء، ويجب أن نحتفي به".
بالطبع، هنالك استثناءات، ففي موروثنا الثقافيّ العربيّ أيضًا، هنالك أغاني تتغنّى بجمال المرأة السمراء، سواء أغاني في العراق أو في مصر وغيرها، كما قصائد غزل عربيّة عديدة. وبالرغم من أن هذه الثّقافة تبقى أحيانًا في الأغاني فقط، لكن تشير بعض النساء إلى أن هنالك تغيّيرات إيجابيّة في بلادنا، وغالبًا هي ناتجة عن نضال متواصل وحملات توعيّة يقوم بها نساء ورجال، أصحاب بشرة سمراء/ سوداء، على حد سواء، منها أيضًا تسليط الضوء على النكات والمصطلحات العنصريّة والحد منها. من المؤلم أننا ما زلنا نحتاج إلى التأكيد بأن لون بشرة الإنسان لا تجعل منه أفضل أو أسوأ من الآخر، كما دينه وعرقه وما إلى ذلك من هويّات خلقنا معها أو اخترناها. مع ذلك، لربما نحتاج اليوم، وفي ظلّ واقعنا العربيّ، أن نواصل تسليط الضوء على العنصريّة في مجتمعاتنا وأن نتحمل مسؤوليّة تغييرها، كلّ في طريقه، على أن نبدأ بأنفسنا وقناعاتنا، منها بأن الأسود هو لون، وطبعًا جميل.
* المقال يعبرعن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسةDW.