رشا حلوة: نساء يوشمنَ أجسادهنَ.. خفيةً وعلنًا
٢٠ سبتمبر ٢٠١٧بداية، لربما من المهم الإشارة إلى أنه عندما نكتب عن موضوع ما، فهذا لا يعني أننا بالضرورة نحكي عن أنفسنا مباشرة، فالكتابة عن والنضال من أجل والتضامن مع، هي قرارات أخلاقيّة لفرد أو جماعة ليسوا بالضرورة أن تكون هذه القضية هي شأنهم الخاص، إنما يرون بالقضية ما يستحق الحديث أو الدفاع عنها وعن أصحابها من أجل عالم أفضل.
مقدمتي هذه جاءت بعد قراءات بعض التعليقات على مقالاتي، وهي إضاءة بسيطة قبل أن نخوض بموضوع هذا الأسبوع، إلّا وهو النساء والوشوم على أجسادهن. حتى الآن، لا من وشم على جسدي، لأسباب متعلّقة بأني فقط مؤخرًا قررت شكله، على أن أرسمه قريبًا. لكن، وقبل أن سرد القصص والأسئلة، عن النساء والوشم، قرارتهن وأسبابهن، رفض بعض فئات المجتمع لوشم النساء على أجسادهن، تذكرت المرة الأولى التي رأيت فيها وشمًا على جسد امرأة، كنت طفلة، وكانت المرأة كبيرة في السّن، على يدها اليُسرى وشمًا جميلًا، عبارة عن شكل هندسيّ، عندها، ارتبط الوشم عندي بالنساء كبيرات السّن وجمالهن، قبل أن أكبر وأفهم أن الموضوع أكثر تعقيدًا، لدى البعض طبعًا.
في عصرنا اليوم، هنالك آراء متنوعة حول الوشم، خاصّة بما يتعلق بأجساد النساء، منها تلك الرافضة له من منطلق تقاليد مجتمعيّة و/أو دينيّة. تاريخيًا، وفي ثقافات وحضارات عديدة، قريبة وبعيدة، ارتبط الوشم بالنساء على وجه الخصوص، وتنوعت الأسباب التي وشمت فيها النساء أجسادهن، منها أسباب جماليّة، طبيّة، بما في ذلك ارتبط بمعتقدات آمنت فيها حضارات وثقافات مختلفة، على سبيل المثال هنالك ثقافات تباركت النساء فيها بالوشم من أجل إنجاب الأطفال، كما أن هنالك من وضع الوشم على الأجساد لأسباب علاجيّة.
بالطبع، اختلفت أسباب الوشم اليوم مقارنة بالماضي، ولم يعد يقتصر الوشم على النساء دون الرجال، فنجد في أماكن عديدة في العالم رجال بوشوم على أجسادهم، كما وبإمكاننا أن نشهد أيضًا ازدياد عدد النساء اللواتي يوشمن أجسادهن، لماذا؟ لأنهن ببساطة يعتبرن الوشم زينة جميلة.
بعيدًا عن وضع الوشم في خانة الموضة، ولا مانع من أن يكن كذلك. لكن الفكرة تكمن برفض بعض فئات المجتمع للنساء اللواتي يوشمن أجسادهن، ليس لأن هذه الفئات تقيّم الوشم كزينة جميلة أو بشعة، إنما الأسوأ هو بأن هنالك أحكام على أخلاق المرأة، والأخلاق هنا تعود بمعاييرها لما تراه هذه الفئات مناسبًا، فيصبح الوشم على جسد المرأة، بنظر البعض، بمثابة "انحلال أخلاقي".
عندما سألت صديقة عربيّة: "هل ترغبين برسم وشمًا على جسدك؟"، أجابتني: "طبعا، لكني لن أفعل ذلك خوفًا من رد فعل المحيط القريب في بلدي". وتابعت: "لأن الوشم له دلالات اجتماعيّة سلبيّة لدى البعض، كالانحلال. فيصبح الوشم على جسد المرأة بمثابة قاعدة لخيال يرسمونه عن المرأة وشكل حياتها، وتقيمًا قاسيًا لها".
كثير من النساء، اللواتي يحبنَ الوشم، ولتفادي التعليقات، يخترن أن يوشمن مساحات مخفيّة من أجسادهن، أو تلك التي لن تظهر مع ثياب الصيف أو حتى الشتاء. هي الفكرة ذاتها، الرّغبة بأن يفعلن ما يشأن بحياتهن وحرياتهن الفرديّة، وفقًا لقراراتهن، من خلال خلق فقاعة آمنة بعيدًا عن العيون الأوسع لبعض فئات المجتمع، كي يوفّرن على أنفسهن عناء "التبريرات" والمعارك الصّغيرة التي من حقهن أن يعتبرنها بأنها غير مهمّة لهن لخوضها.
صديقة عربيّة أخرى، لديها وشوم عديدة على جسدها، تعتبر عن الوشم هو زينة، مثل الكحل والخواتم والثياب. وتضيف: "هنالك متعة بأن يفكر المرء بأهمية معنى شيء ما بالنسبة له، كجملة أو شكل، ويحفره على جسده. أصبح استخدام كلمة وشم مجازيًا أيضًا، لوصف تفاصيل في الحياة حُفرت في الذاكرة، نقول عن شيء أو شخص ما بأنه محفور في قلبي". صديقتي هذه، منذ أن قررت وشم مساحات من جسدها، تختار مساحات مخفيّة عن العيون، عن قرارها هذا تقول: "ذلك بسبب بعض فئات المجتمع. كما إيمان البعض بأن الجسد يجب أن يكون طاهرًا عند الموت. لا أرى فرقًا بين الحلق في الأذن وبين الوشم على الجسد. هذا غير مقنع بالنسبة لي، لكن بنفس الوقت، هذه ليست معركتي الآن".
بالطبع هنالك تفاوت وتغيّرات حول قبول المجتمعات العربيّة للوشم على أجساد المرأة، لربما تغيّرات متعلقة بازدياد عدد النساء اللواتي يخترن وشم أجسادهن لأسبابهن الخاصة، وبالأغلب، هي أسباب جماليّة، وهذه قيمة بحد ذاتها. أن نرى الوشم شيئًا جميلًا أم بشعًا، هذا "ذوق" فرديّ وخاص، لكن من غير المجدي أن يتحوّل هذا الذوق الفرديّ الخاص إزاء الوشم بمثابة أحكام على الناس والنساء خاصّة، كما أنه بالطبع يقع ضمن الحريات الفرديّة للرجل والمرأة على حد سواء، حتى في اعتباره زينة دائمة، واستغراب البعض ممن تختار أن تزيّن جسدها بزينة لا تتلف مع الوقت، فهذا شأنها الخاص.
في هذا العصر، وبالإضافة إلى التعامل مع الوشم كفنّ وزينة على الأجساد، ترسم النساء أيضًا الوشم لتغطيّة جروحات وندبات جسديّة، والتي حصلن عليها جراء حوادث أصبن بها مساحات من أجسادهن، منها حوادث عنف ضدهن، كما ندبات من أثر استئصال الثدي بعد إصابته بالسّرطان. هؤلاء النساء قررن أن يغطين ندبات جسديّة بلوحات فنيّة جميلة، بالرغم من أنه غالبًا الندبات التي يشعرنها بأرواحهن، من الصعب إخفائها. من المؤلم أن نواصل العيش في مجتمعات، لا تبالي بعض فئاتها من بشاعة ندبات صنعها آخرين على أجساد نساء، في الوقت الذي امرأة قررت تزيين جسدها بوشم يضم جملة تذكرها بجمال الحياة، لا زالت تثير تحفظ البعض!
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW