رشا حلوة: يستخدمن تطبيقات التعارف بعيداً عن بلادهن
٩ أغسطس ٢٠١٧منذ أن اخترق الإنترنت حياتنا، ومع تنوّع استخداماته التي تطوّرت مع مرور السّنين، أصبحت هذه المنصة أيضًا بمثابة فرصة للتعارف على أشخاص، سواء أصدقاء وصديقات وكذلك للتعارف عاطفيّ. تتميّز بأنها عابرة للحدود الجيوسياسيّة، حيث أصبح بالإمكان التعرّف على أفراد ومعرفتهم للعمق، وهم يعيشون في بلاد أخرى، وأصبحوا جزءًا من حياتنا بلا مكان جغرافيّ واحد يجمعنا.
فقد أصبح الإنترنت عمومًا، ومن ثم منصات التعارف عبره، بمثابة فضاء جديد للانكشاف إلى أشخاص آخرين، ولعبت هذه المنصات دور التعارف التي تلعبه الفضاءات العامّة، كالشّوارع والمقاهي والبارات وغيرها، مع بعض الاختلافات. وضمن الظروف التي تعيشها النّساء في مجتمعاتنا، خاصّة المحافظة منها، أصبح الإنترنت بمثابة مساحة للسفر مجازًا وللتواصل مع العالم الخارجيّ، والتعارف العاطفيّ، سواء كان عابرًا أو لمدى طويل، كأي علاقة تحدث خارج العالم الافتراضيّ.
مع دخول الإنترنت إلى بيوتنا، كانت برامج المحادثات هي الأكثر شهرة، ونتج عنها قصصًا جميلة، منها صداقات، ومنها قصص حبّ وشراكات زوجيّة فيما بعد، ومنها خيبات أيضًا. حملتنا منصات التعارف عبر الإنترنت إلى صداقات وعلاقات عاطفيّة خارجة عن المحيط الجغرافيّ الذي نتحرك فيه، فقد أصبح العالم أوسع.
هذا العالم الجديد والغريب الذي دخل إلى حياتنا مع الإنترنت، وفرصة التعارف العاطفيّ من خلاله، رافقه الخوف في بداياته، خاصّة لدى النساء، حيث استغل البعض الإمكانية الواردة للتخفي من خلف الشّاشات وتقديم نفسه بهويّة مزيّفة، سواء باسم مستعار أو صورة لم تمت بصلة لوجهه الحقيقيّ.
مع الوقت، تطوّرت "أخلاقيات" استخدام الإنترنت عامّة، ومنصات التعارف عبر الإنترنت خاصّة، حيث أصبحت هذه المنصات مقبولة وشرعيّة، كأي منصة تعارف مخططة لها أو تلقائيّة كانت، على الأقل لدى الفئة العمريّة التي وُلدت في عالم "الأنالوغ" وراهقت مع بداية عصر "الديغيتال"، فمسألة تقديم هويّة شخصيّة مزيّفة، تقلّصت مع الوقت، في زمن أصبحت المعلومة أكثر مفتوحة، لكن، تبقى الأمور نسبيّة، وعلى الرّغم من إيمان الكثيرين، خاصّة النساء، بنجاعة هذه المنصات للتعارف العاطفيّ، إلّا أن الخوف ما زال حاضرًا، لكن هنالك من تتفاداه، بطرقها الخاصّة، حيث لا يمنعها هذا الخوف من مواصلة فتح باب التعارف العاطفيّ.
مع تطوّر التكنولوجيا، وبالإضافة إلى المواقع الإلكترونيّة لمنصات التعارف، نشأت تطبيقات للهواتف الذكيّة، حيث تشكّل هذه التطبيقات بمثابة فرص إضافيّة للتعارف العاطفيّ، للنساء والرجال، للمثليّين والمثليّات، وهي تتيح الإمكانيّة للتعارف خارج محيط علاقات الفرد. لكن، في حديث مع صديقات عربيّات يستخدمن هذه التطبيقات، كفرصة للتعارف العاطفيّ على رجال، بغالبيتهن ذكرن بأنهن لا يستخدمن هذه التطبيقات في بلادهن، منهن من يستخدمها فقط عند السّفر أو منذ أن انتقلن للاستقرار خارج بلادهن.
في حديث مع صديقة عربيّة مقيمة في برلين، وتستخدم أحد تطبيقات التعارف عبر الهواتف الذّكيّة، وهي تطبيقات تعمل حسب الموقع الجغرافيّ للمستخدم، تقول عن بداية استخدامها لها: "أردت البحث عن فرص عاطفيّة خارج دوائري الاجتماعيّة، بداية، لم أنشر صورتي الشّخصيّة، خوفًا من أن يعرفني الناس، فوضعت صورة غامضة وكتبت اسمي بطريقة غريبة، وعندما كنت أتعرّف على شاب ما، ويبدأ بتوجيه أسئلة شخصيّة، تتعلّق بالبلد التي جئتُ منه على سبيل المثال، شعرت بالرّعب، خوفًا من الكشف عن هويّتي".
وتستطرد قائلة: "ومع الوقت، تخطيّت هذا الحاجز وشعرت بالتحرر أكثر، وبدأت بالإجابة على الأسئلة بصراحة وأصبح لدي سيطرة على المعلومات التي أكشف عنها، لكني لا أتعرّف على أي شاب عربيّ غريب من خلال هذه التطبيقات، خاصّة بعد القصّة التي حصلت مع إحدى صديقاتي العربيّات التي تعيش في أوروبا، التي تعرّفت على شاب عربيّ من خلال أحد التطبيقات وأصبح يلاحقها وينعتها بأوصاف بذيئة لأنها تستخدم منصات التعارف عبر الإنترنت. بالطبع هناك شباب ليسوا عربًا لديهم صفات سيئة، لكن عندما تتعرفين على شاب عربيّ من خلال هذه التطبيقات، تفكرين فقط بالسيناريوهات المرعبة، تخافين أن تنتقل الديناميكيات المجتمعيّة تجاهنا كنساء، تلك التي نعيشها في بلادنا، إلى هنا، بلا أي ضمان اجتماعيّ لحمايتنا".
صديقتي ترى أن المخاطر بالتعارف عبر الإنترنت، في برلين المدينة التي تعيش فيها، ما زالت موجودة، لكنها تقول: "حاجز الخوف انتهى، وحتى لوّ ذهبت وتعرّفت على شاب وحاول أن يسبب لي الأذى بشكل ما، من السّهل أن أذهب وأقدّم شكوى للشرطة ضده. هنالك طرق في هذه الدولة قادرة على حمايتك. وهذا من الصّعب أن أعيشه ببلدي، لو استخدمت مثل تطبيقات التعارف هذه، فورًا سوف أضع ضمن خانات بشعة، هنا لا يعرفني أحد، وأعيش مساحة من الأمان".
للأسف، تقع منصات التعارف عبر الإنترنت في مجتمعاتنا، أينما كانت، ضمن نفس الأحكام المجتمعيّة، حيث تكون مقبولة على الرّجل لدى بعض فئات المجتمع ومرفوضة على المرأة، فوجود المرأة ضمن هذه التطبيقات لحاجتها الإنسانيّة بالتعارف العاطفيّ، يضعها في تصنيفات جارحة ضمن معايير مجتمعيّة ذكوريّة، تنزع عنها حقها الإنسانيّ بالمعرفة والانكشاف إلى عوالم جديدة، كما أن هنالك استهتار دائم بقدرتها وقوتها على القرار بكل ما يخص شكل حياتها واختياراتها العاطفيّة.
الخوف من المجهول، خاصّة في عصر نعيشه خلف شاشات الحواسيب والهواتف، هو حاضر دومًا، لكنه لا يقل عن الخوف الذي بإمكانه أن يكون حاضرًا حتى مع وجوه نعرفها عن عمق، لكن ستبقى النساء تبحث عن مساحات الأمان التي تشعرها بإنسانيتها ولا تنتقص من حقها بالتجريب، وتحارب من أجلها، على أمل أن يأتي ذاك اليوم الذي تعيش فيه النساء هذه المساحات بحريّة، بلا أحكام، تلك الأحكام التي لا تقلل من شأنها كامرأة، إنما تقلل من شأن المجتمع فقط.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.