رشا حلوة: مثليّات عربيّات يهربن من بلادهن بحثًا عن الأمان
١٣ سبتمبر ٢٠١٧نعيش دومًا في الصراع ما بين حقيقتنا كأفراد وكيف نستحضرها كما هي في الفضاءات العامّة، الصّراع بين ما نتكوّن من هويّات فرديّة وبين هذا الخوف من أن نحضر كل هذه المركبات على حقيقتها إلى المجتمع والمحيط القريب. يعيش الكثير منا في الظلّ، خاصّة النّساء في بلادنا العربيّة، من أن يكنّ كما يشأن بحريّة تامّة متعلّقة بقرارتهن واختياراتهن الفرديّة.
من ضمن هذه الهويّات الفرديّة، تقع أيضًا الهويّات والميول الجنسيّة، ولربما أكثر من يعيش في الظلّ هم المثليّين/ات ومزدوجي/ات الجنس والمحتولين/ات جنسيًا، من جهة هنالك الضغوطات الاجتماعيّة المتنوعة والمتفاوتة من مكان لآخر، وهنالك القوانين القامعة في بعض الدول العربيّة التي تبدأ من السجن وتنتهي بالإعدام. كل هذا يخلق دائرة من الخوف الفرديّ والجماعيّ إزاء الإعلان عن الهويّات والميول الجنسيّة كما الحرية بالتعامل معها في الفضاءات العامّة، فيخلق المثليّون والمثليات جنسيًا عالمًا موازيًا يعيشون فيه في بلادهم، وفي غالب الأحيان يكون هذا العالم سريّ، والكثير منهم/ن يختار الانتقال أو "الهرب" إلى أماكن تتيح له/ا الإمكانيّة بأن يمارس ميوله الجنسيّة براحة وحريّة أكبر.
في حديث مع صديقة عربيّة، ميولها الجنسيّة مثليّة، تعيش في برلين، كان محور حديثنا يدور حول تعاملها بحريّة مع ميولها الجنسيّة في مدينة مثل برلين مقارنة بتعاملها معها في بلدها، فتقول: "عشت في بلدي ببيت واحد مع شريكتي آنذاك، في بلد مساحة الحرية فيه للمثليّين/ات ضيقة جدًا، واعتقدت عندها بأن بيتنا المشترك كان كافيًا للتعامل بحرية مع ميولي الجنسيّة. مع ذلك، ومنذ قدومي إلى برلين، أحيانًا هنالك تدريب يوميّ على طرد الخوف الذي نحمله معنا من بلادنا فيما يتعلّق بتصرفنا بالفضاء العامّ. حيث أنّ الفضاء العامّ وهو أكثر ما يمكن مقارنته بين هنا وبين بلادنا في حديثنا عن المثليّة الجنسيّة. بالطبع هناك رهاب المثليّة في كلّ مكان. لكن الفكرة هي بأني أستطيع اليوم أن أقبّل صديقتي في الشّارع ولدي ضمان بأن البلد، الذي أنا فيه الآن، أي ألمانيا، سوف يحميني. بالإضافة إلى أني لا أشعر بأني محط أنظار في برلين، فكل ما كنت أتمنى أن أعيشه، أعيشه هُنا، بلا خوف أو شعور بالعيب".
من الجدير بالذكر بداية، أن المثليّة الجنسيّة تقع ضمن خانة الميول الجنسيّة، حيث تحدّد عند كل شخص حسب انجذابه من الناحيّة العاطفيّة أو الجنسيّة أو كلاهما، ومثلي الجنس هو من يميل جنسيًا لأفراد من جنسه، بالتالي، المرأة المثليّة هي من تميل عاطفيًا و/أو جنسيًا إلى أنثى. ومن المهم جدًا في هذا السّياق وحديثنا المتواصل عن الهويّات الجنسيّة ومركباتها، وضمن سيرورة متواصلة للمطالبة بحقوق المثليّين/ات، المزودجين/ات والمتحولين/ات جنسيًا، هو أن نستخدم المصطلحات الصّحيحة، وهي المصطلحات العلميّة والمقبولة، بدلًا عن تسميات مهينة مترسخة في أذهان بعض فئات مجتمعاتنا، بما في ذلك، أن نحاول قدر الإمكان تصحيح استخدام تسميات مهينة ورفض حتى استخدامها في السّخرية والنكات المسيئة.
صديقة عربيّة أخرى، ميولها الجنسيّة مثليّة، وتعيش بين بلد عربيّ وأوروبا، تطرقت إلى أن تعاملها مع ميولها الجنسيّة يختلف مع اختلاف المكان الذي تتواجد فيه. كانت بداية حديثنا تتعلّق بمظهرها الخارجيّ في الفضاء العامّ، عن هذا تقول: "عندما أكون في بلدي، لا ألغي نفسي تمامًا، لكني أتعامل بحذر في كيف سأظهر إلى الناس، أحاول أن أخفي ميولي الجنسيّة بشكل ما لكني لا ألغيها، لكن خارج البلاد لا أفكر بالأمر أبدًا، فأكون كما أشاء، معي كلّ الحرية بلا حواجز، خاصّة عندما أكون مع شريكتي، فنتصرف بحريّة في الفضاءات العامّة بلا أي خوف مما سيفكر الناس عني، ففي الخارج أولًا لا أعرف أحدًا، كما وأن المثليّة الجنسيّة مقبولة أكثر".
تواصلًا مع بداية المقال، وحول اختيار معظم المثليّين/ات جنسيًا في البلاد العربيّة بأن يعيشوا في الظلّ، فمن جهة هنالك خوف متواصل من بعض فئات المجتمع، ومن جهة أخرى هنالك حاجة إنسانيّة وأساسيّة بالبحث عن دوائر أمان يستطيعون أن يكونوا فيها على ما هم/ن عليه. صديقتي التي تعيش بين بلدها وأوروبا، تطرقت في حديثها إلى هذا المحور، وأضافت: "نسعى في بلادنا لأن نخلق على الأقل دائرة أمان قريبة، تشبه الأماكن التي في الخارج، نستطيع في هذه الدائرة أن نكون ما نشاء. أسمح لنفسي من خلالها أن أكون ذاتي، هي آمنة بلا أي حواجز، كما الأماكن التي لا أعرف بها أحد".
بالتأكيد أن نضال مؤسسات عربيّة عديدة في العالم العربيّ، بما يتعلّق بحقوق المثليّين/ات، المزدوجين/ات والمتحولين/ات جنسيًا له أثر إيجابي، لربما هو بسيط لكن بإمكاننا ملاحظته في بعض البلاد العربيّة. هنالك حملات إعلاميّة عديدة، منها الموجّه نحو المجتمعات، تثير قضيّة العنف تجاه من يعيشون ميول جنسيّة وتوجهات جندريّة مختلفة، ومنها الموّجه نحو قوانين قامعة في الدّول العربيّة والضغط على إلغائها. مع ذلك، لا زالت هنالك ضرورة ملّحة للثبيت، عبر كل المحافل المتوفرة، بأن المثليّين/ات والمتحولين/ات جنسيًا هم/ن عضو أساسيّ من مجتمعاتنا، في الماضي والحاضر والمستقبل، نرفض أن يتم عزلهم/ن وقمعهم/ن بأي وسيلة كانت، نرفض أن يعيشوا في خوف مستمر وفي الظلّ، سواء في المجتمعات و/أو القوانين، إلى أن يأتي اليوم الذي تتوسع دوائر الأمان التي تبنيها المثليّات جنسيًا في بلادهن، بتعاملهن الصّادق مع ميولهن العاطفيّة و/أو الجنسيّة، إلى المجتمع كلّه، وأن لا يضطررن دومًا إلى الهرب إلى أماكن قادرة على احتضانهن أكثر، وإن أردن الهرب، فليكن لأسباب أقل ألمًا على قلوبهن.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.