خريطة حزبية جديدة في مصر ما بعد مبارك
٣١ مارس ٢٠١١صدر منذ أيام قانون الأحزاب الجديد في مصر، وعلى الرغم من أحاديث كثيرة عن وجود نحو 4 أحزاب إسلامية إلا أن القوى اليسارية والليبرالية تبدو حتى هذه اللحظة أكثر التيارات تفاؤلاً بمستقبل الحياة السياسية في الفترة القادمة. دويتشه فيله قابلت ممثلين لأربعة أحزاب، وفرت لها الثورة بلورة أفكارها في برنامج سياسي في محاولة لتتبع أبعاد طيف الأحزاب الجديدة في مصر ما بعد حسني مبارك.
الديمقراطي الاجتماعي والنمط الأوروبي
يرى وكيل مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الدكتور محمد أبو الغار أن ما أفرزته ثورة 25 يناير هو ضعف الحياة الحزبية عامة، فـ"الأحزاب الورقية" تحت سلطة النظام السابق كادت أن تخنقها الطبيعة الأمنية التسلطية. "أما الحزب الحاكم الذي أدعى أن عضويته بلغت أكثر من ثلاثة ملايين مواطن لم يستطع إثبات قدراته خارج كونه حزب السلطة. وما نتج عن الثورة هو توق المصريين إلى أحزاب حقيقة تعيد رسم صورة مصر الجديدة"، بحسب أبو الغار.
"الحزب الديمقراطي الاجتماعي" يضم تنويعات من اليسار الإصلاحي والليبراليين المنادين باقتصاد السوق، خاصة وإن نسبة الفقر في مصر تصل إلى 40 بالمائة من عدد السكان، و"طبيعته في ذلك تشبه الأحزاب الإشتراكية الديمقراطية في أوروبا، ما يجعله نموذجاً تحتاجه مصر في الفترة القادمة، إذ لا يمكن أن يقوم الاقتصاد وتبدأ التنمية بدون عدالة إنسانية"، بحسب الناشط المصري. أما عن كون الحزب حاضنة سياسية لمشروع ترشيح محمد البرادعي لرئاسة الجمهورية فيعلق أبو الغار بالقول: "إن الأمر في يد محمد البرادعي نفسه وقناعته ببرنامج الحزب، وإن لم ينف أن كتلة مهمة من الحزب مؤيدين له".
إعادة بناء اليسار
إلهام عيداروس، أحد العاملين على تأسيس حزب "التحالف الشعبي"، تقول إن فكرة الحزب انبثقت من يوميات الثورة في ميدان التحرير، فقد ظهر خلال تلك الفترة كيف يفتقد اليسار المصري الذي شارك بتنويعاته وتنظيماته في الثورة لقيادة موحدة شبيهة بقيادات الإسلاميين والليبراليين في الميدان. وجاء الاجتماع التأسيسي في 26 شباط/ فبراير الماضي ليجمع الجسد الأعم لليسار الثوري واليسار الإصلاحي.
وتوضح الناشطة اليسارية أن الحزب يتبني تحقيق إصلاح من داخل النمط الرأسمالي، حيث تلعب الدولة دوراً أساسياً في الاقتصاد خاصة في قطاع الخدمات والصناعات الإستراتيجية بدون عداء للملكية الخاصة والمبادرة الشخصية التي ربما تصلح أكثر في قطاعات اقتصادية تحتمل اقتصاد السوق. "وللتحالف موقف جذري من قضايا الدولة المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما تضمنه الإعلان التأسيسي وبيانات الحزب المتعلقة بالموقف السياسي الراهن".
وتبقى مشكلة الحزب، كما تقول عيداروس، تتمثل في حسم أعضائه لعلاقتهم بتنظيماتهم السرية أو العلنية السابقة، فتيار كالتجديد الإشتراكي قدم نموذجاً عبر جمعية عمومية لأفراده أتخذت بالإجماع قرار الانضمام إلى التحالف. "إن الصيغة التجميعية لقوى اليسار ما زالت غير جذابة لبعض القوى قبل طرح برنامج واضح، خاصة وأن أحزاباً يسارية أخرى، ما زالت في طور التأسيس، اختلفت بين يسار اصلاحي بالكامل وآخر ثوري بالكامل"، كما تقول الناشطة المصرية.
أما عن موقف التحالف من الانتخابات المقبلة فواضح، إذ "يقوم على تبن صيغة التحالف الوطني مع أي قوى ثورية ديمقراطية، تتفق معنا في القطيعة مع لنظام السابق وتأييد الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية"، بحسب عيداروس.
الشباب قاطرة التغيير
من جانبه يرى محمد أنور عصمت السادات، وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية، أن حزبه الذي رُفض تأسيسه قبل عامين من قبل لجنة أحزاب النظام السابق، إنتبه إلى أن الشباب هم القوى المحركة الرئيسية للمجتمع المصري. وهذا الأمر ينعكس على تركيبة الحزب، إذ تبلغ نسبة الشباب فيه قرابة 99 بالمائة من مجموع الأعضاء. وشارك الحزب خلال العامين المنصرمين حتى دون ترخيص في عديد من الفاعليات والحملات الجماهيرية مثل رفض تصدير الغاز المصري وحملة "مياهنا حياتنا"، بل "وخاض أعضاء الحزب الإنتخابات كمستقلين، معتمداً على ارتباطه بالشارع واندماجه مع الجماهير"، كما يقول السادات.
والحزب ينهج نهجاً ليبرالياً يؤمن باقتصاد السوق بشرط الحفاظ على العدالة الاجتماعية، كما يهتم الحزب بقضايا مهمة مثل "أزمة مياه النيل". ويعتبر السادات جدية حزبه في طرح تلك القضايا على الجماهير معياراً للتفريق بينه وبين أي حزب ليبرالي آخر ظهر بعد الثورة. وفيما يتعلق بشكل الدولة الجديدة فإن الحزب يعتمد مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية، "وهو شكل لا يختلف عليه أي مصري مخلص"، كما يقول السادات، داعياً "كافة الأحزاب المدنية إلى خوض المعارك في الشارع أمام أصحاب طرح الدولة الدينية". ويجري الحزب، الذي ينتشر أعضاؤه في 16 محافظة، من الآن اختيار مرشحيه مبدئياً سواء كانت الانتخابات ستجرى بالقائمة النسبية أو الترشيح الفردي، دون إغلاق المجال أمام إمكانية بناء تحالفات مستقلة.
العمال الديمقراطي يحضر للثورة الثانية
أما هشام فؤاد، أحد مؤسسي حزب العمال الديمقراطي الذي ما زال في طور التأسيس، فيقول إن أهم النقاط التي أسهمت في تأسيس الحزب انطلاقاً من ثورة 25 يناير، هي إغفال العديد من القوى للطابع الاجتماعي والاقتصادي للثورة، "وذلك لصالح تغليب وعي سياسي فوقي يظهر الأزمة في نظام مبارك وضرورة إسقاطه، متناسية بذلك المطالب العمالية المتصاعدة منذ ما يزيد عن خمس سنوات، والتي نقلت الوعي المعارض من إطاره النخبوي الضيق كما مثلته حركات مثل كفاية والوطنية للتغير إلى نطاق أوسع وأكثر جذرية"، بحسب فؤاد.
ويقدم الناشط المصري تعريفاً مرناً للعمال يتعلق بكل العاملين بأجر، مما يدخل ضمنياً في حسابات حزبه نحو 90 بالمائة من عموم المصريين كما ينفي أن ما يُشاع عن أن نضال العمال لم يكن له جانب مطلبي إصلاحي في السنوات الماضية.
ويؤكد هنا أن عمال السويس والمحلة مثلاً لعبوا دوراً مهماً في الثورة منذ أيامها الأولى، لكن قوى أخرى كالإخوان والقوى الليبرالية وبقايا النظام تحاول اختصار المشهد في ميدان التحرير وشبابه فقط، مشيراً إلى أنه في شهر مارس/ آذار الماضي نُظم نحو 450 إضراباً عمالياً، وهو عدد يقارب ما كان يحدث في عام كامل. ويضيف فؤاد بالقول: "إننا أمام مشروع ثورة ثانية يقودها الكادحون في مواجهة مظاهر الألتفاف على روح ثورتهم الأولى، في حين لا تقدم الأحزاب الحالية، اليسارية منها بشكل خاص، إلا الطرح الإصلاحي الذي يخدم الليبراليين الذين فشلوا في صياغة مشروع على المستوى العالمي والمصري". وحين يطالب جموع العمال بإعادة الشركات التي جرت خصخصتها بفساد أو بدور أكبر للدولة في المجال الصحي والاجتماعي، أو تطبيق الحدين الأدنى والأعلى للأجور، "فهم في هذه المطالب يخلصون لروح الثورة الحقيقية"، بحسب تعبيره.
ويتكون حزب العمال الديمقراطي من "العمال أساساً وقياداتهم في نحو عشر محافظات كبرى، بنسبة تزيد عن 90 بالمائة، من المحلة إلى السويس إلى الإسكندرية، مروراً بعمال الضرائب العقارية وقيادات أنتزعت منذ سنوات حق تأسيس النقابات المستقلة". لكن الناشط المصري يستدرك بالقول إن الحزب لا يعتبر نفسه حزباً فئوياً، "ففي ورقة التحضير لبرنامجه جرى الحديث عن تهميش النوبيون وأبناء شمال سيناء، كذلك المساواة في الأجر بين الرجال والنساء بوصف هؤلاء جميعاً فئات جرى إقصاؤها وتهميشها عبر الممارسات الرأسمالية التسلطية للنظام السابق".
هاني درويش
مراجعة: عماد م. غانم