خبير أوروبي: الجماعات الإسلامية في سوريا سبب في تعقيد الأزمة
٢٤ أكتوبر ٢٠١٢DW- عربية: بيتر هارلينغ، أنت مدير مشروع "مجموعة الأزمات الدولية" من أجل العراق ولبنان وسوريا. نشرت مؤخرا وثيقة بعنوان " محاولات جهادية: المعارضة السورية الأصولية"، حيث توثق لوجود مجموعات إسلامية مختلفة في سوريا. ما هي الجماعات التي شملتها الدراسة؟
بيتر هارلينغ: أولا أتحدث عن القوى المنبثقة من المجتمع السوري نفسه، والمنتمية إلى الطبقة المحافظة، وهي الفئة التي ينتمي إليها معظم المقاتلين المحليين. هؤلاء ينتمون إلى طبقة فقيرة ومهملة اجتماعيا. هذا النوع من المقاومة هو غير رسمي، وينظمون أنفسهم بأنفسهم. هؤلاء الناس يميلون إلى نموذج محافظ. وهذا ما ساهم في تشكيل عناصر هذه المعارضة.
هناك جماعات إسلامية، على سبيل المثال جماعة "جبهة النصرة لأهل الشام"- المذكورة في التقرير- التي لا تريد فقط إسقاط نظام الأسد وإنما تريد أيضا فرض أجندة عسكرية سلفية، كما ألقيت عليها المسؤولية فيما يخص هجمات انتحارية على مناطق مدنية في الغالب. هذه الجماعة - كما كتبت- أقرب إلى " القاعدة في العراق" من المعارضة السورية الأصلية. ما هو موقف المقاتلين السوريين تجاه هذه الجماعة الجهادية والجماعات الجهادية الأخرى؟
الكثير من القوى هي ذات توجه علماني، وليس لها اهتمام كبير بالدين. مع ذلك فقد ساروا باتجاه المجموعات الإسلامية المسلحة، لأنها تتلقى الدعم من شبكات إسلامية خارجية. وأغلب الدعم يأتي من دول الخليج. ينبغي أن نشير أن هؤلاء في حالة حرب، وهم في حاجة إلى السلاح والذخيرة. والمال الذي يحتاجونه لذلك يحصلون عليه من دول الخليج، وخاصة الشبكات الإسلامية الموجودة هناك، والتي تنظم نفسها حول المساجد. كما أن المال يأتي أيضا من رجال أعمال سوريين أثرياء يعيشون هناك. كل هذه العناصر تشكل هوية المعارضة المسلحة، والتي تبدو في بعض الأحيان أنها تنهج طريقة انتهازية. في الكثير من الأحيان المقاتلون أنفسهم ليسوا مقتنعين بما يصدر عنهم من كلام، غير أنهم مدركون أنها الطريقة التي سترضي الجهات الداعمة.
كيف أصبح المعارضون لنظام الأسد يعتمدون على الجماعات الإسلاميين؟
في الأصل الثورة السورية مستلهمة من الربيع العربي. لقد أريد من خلال الاحتجاجات الكبرى إظهار لا شرعية النظام السوري. ولقمع هذه المظاهرات كان رد فعل النظام عنيفا جدا. في ظل هذا الوضع خلُص الثوار إلى ضرورة الدفاع عن النفس. فأمنوا المواقع التي أرادوا التظاهر فيها. لهذا الغرض تم إنشاء الجيش السوري الحر. وللبحث عن خيارات أخرى اقترب الثوار من الأصوليين الإسلاميين. وكذلك اتجهوا إلى العنف على نحو متزايد، فاستخدموا حتى القنابل، التي تسببت في خسائر كبيرة للمدنيين. كما كانت هناك عمليات خطف وسلوكات إجرامية أخرى، تم تبريرها بمقاومة النظام.
إذن هو تطور لا إرادي نحو مقاومة دينية؟
نعم. عموما تأثر تطور المعارضة بشكل كبير برد فعل النظام العنيف في التصدي للاحتجاجات الأولى التي شهدتها سوريا. وهذا التطور صار تلقائيا. فكلما تداخلت المعارضة مع القوى الإسلامية، كلما قل عدد الناس المستعدين لدعمها. ومع ذلك لاحظنا أمرا عكس الاتجاه: هناك سوريون في بعض المناطق يقاتلون بعنف النظام السوري ويدعمون كل من يقاتله أيضا.
هل يمكن أن نقول بهذا المعنى أن ضعف الدعم المقدم من الغرب للمقاومة السورية هو ما دفعها للاتجاه نحو الإسلاميين؟
نعم. كان السوريون يفترضون في البداية أن المجتمع الدولي سيتدخل عند مرحلة معينة. اعتقدوا أنه لن يتخلى عنهم في نهاية المطاف. وقد جاءت فعلا إشارات كثيرة من المجتمع الدولي تشجع المجموعات المسلحة المعارضة على تصعيد الوضع. لقد كانت هناك إشارات عديدة تعبر عن الدعم الدولي. لكن كل ذلك لم يتبعه أفعال. وكلما تحقق هي مجرد عقوبات أضرت بالمدنيين أكثر ما أضرت بالنظام. وعندما وُجد دعم فعلي لم يساهم في حصول تلك الجماعات على السلاح الذي يحتاجونه في القتال. وفي نفس الوقت توالت الإشارات المحفزة للثوار بعدم تقديم أي تنازلات سياسية، كان من الممكن أن تحرك العملية السياسية.
وفي نفس الوقت يمنع وجود الجماعات الجهادية الإسلامية المجتمع الدولي من تقديم الدعم للثوار السوريين.
نعم. وهذا التواجد الإسلامي الجهادي هو ما ترتكز عليه روسيا والعراق وإيران لتبرير مواقفهم السياسية. لكن هذه المواقف ستتراجع عندما لا يبقى لهذه الجماعات الإسلامية وجود في سوريا. لكن الغرب أيضا يميل إلى تبرير تحفظه بوجود المجاهدين. في هذا السياق يُقال أن الشأن السوري هو شأن معقد. فسوريا تقع في منطقة غير مستقرة وشديدة الحساسية. وهذا كله يجعل من الصعب اتخاذ نفس التدخلات العفوية التي تم اتخاذها في ليبيا.
ما الذي يمكن نهجه سياسيا لإنهاء العنف في سوريا؟
حاليا أصبح التحاور والتفاوض والوساطة أمورا شبه مستحيلة. فالكراهية كبيرة والدم الذي أريق كذلك. سيستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يجلس الطرفان على نفس الطاولة. وليحصل ذلك ينبغي على التحالفات الخارجية أن تغير موقفها. المعارضة المسلحة مجزأة جدا. والمجموعات الفردية تشكل وحدة، لكن في نفس الآن تتنافس مع بعضها البعض. وسيكون عاملا مساعدا إذا استطاعت المجموعة الدولية التنسيق بين هذه المجموعات، وبالتالي أن تتمكن من السيطرة على الموارد المتدفقة عليها. لكن في نفس الوقت كل مجموعة مسلحة لها جهة دعم مختلفة عن الأخرى وبرنامج مختلف. وهذا يرجعنا إلى الحديث عن الانقسام الحاصل داخل المعارضة السورية.
هل يمكن أن يساهم أنصار الأسد في وقف العنف في سوريا؟
نعم، يمكنهم المساعدة بإضفاء الطابع المؤسساتي والرسمي على قوات النظام. لأنه حتى الآن قام النظام بتجنيد مقاتلين خاصين يتولون الأعمال الأمنية. ولهذه الغاية أصبح لهؤلاء المقاتلين حرية مطلقة. ولذلك انتهجوا سلوكا سيئا، فارتكبوا المجازر دون أن يحاسبوا. هنا يمكن لحلفاء النظام أن يمارسوا نوعا من الضغط. وهذا من شأنه خلق نوع من الاعتدال في المشهد السوري.
بيتر هارلينغ هو مدير مشروع " مجموعة الأزمات الدولية" من أجل العراق ولبنان وسوريا. وهي مؤسسة خاصة ومستقلة لمنع وحل الصراعات العنيفة.