الدعم التركي للمعارضة السورية - بعدُ نظر أم مأزق سياسي؟
٢١ أكتوبر ٢٠١٢كثفت تركيا من تواجدها العسكري عند الحدود مع سوريا، حيث تم نقل المزيد من المقاتلات والدبابات إلى مدينة ديار بكير الواقعة في جنوب شرق الأناضول. وتحصل تقريبا يوميا حوادث حدودية، فالجيش التركي يرد على انفجار قنابل سورية في الأراضي التركية بعمليات مدفعية ليس من المعروف ما إذا كانت أدت إلى إصابة أشخاص أو مقتلهم. وقد أدى هجوم مدفعي سوري في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر على قرية أكجاكاليه التركية القريبة من الحدود إلى مقتل امرأتين وثلاثة أطفال. وفوض البرلمان في أنقرة في اليوم التالي للحكومة التركية التدخل في سوريا عند الضرورة.
وقد تصاعد التوتر بين الجارتين، عندما أجبرت طائرات عسكرية تركية في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر طائرة ركاب سورية في طريقها من موسكو إلى دمشق على الهبوط في أنقرة. ووفقا لما قاله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فقد تم العثور على متن طائرة الركاب على "مواد عسكرية". فيما نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ذلك، مؤكدا أن الطائرة نقلت قطع رادار شرعية كليا وأن الشركة الروسية التي أرادت نقل قطع الرادار إلى سوريا، تطالب تركيا بإعادة القطع المصادرة. وفي الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر حصل حادث مماثل، فوفقا لمسؤولين أتراك أجبرت مقاتلة تابعة للسلاح الجوي التركي طائرة مروحية اقتربت من الحدود، على الرجوع.
"تركيا تجد نفسها في مأزق"
ألحقت عملية إجبار طائرة الركاب السورية على الهبوط في أنقرة أضرارا بالعلاقات بين تركيا وروسيا، خاصة وأن هذه الأخيرة حليفة لدمشق، فيما أدار أردوغان ومنذ البداية ظهره للأسد. "اعتبرت تركيا أنه من المحتمل أن يمر شهر، شهران أو ثلاثة أشهر حتى سقوط نظام الأسد"، كما يقول غونتر زويفيرت الخبير في الشؤون التركية من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين. "وعندما لم تحصل على دعم من الغرب، أدركت بأنها قد أوقعت نفسها في مأزق".
وعندما أقدم الرئيس السوري بشار الأسد في ربيع عام 2011 على قمع المظاهرات، التي كانت في البداية سلمية، سارعت تركيا إلى فتح حدودها أمام اللاجئين السوريين. ولا تزال وفود اللاجئين الفارين من أعمال العنف في سوريا إلى تركيا مستمرة، فوفقا لوكالة أناضول التركية للأنباء فرّ في يوم واحد وبالتحديد في 12 من تشرين الأول/أكتوبر وحده حوالي 600 لاجئ إلى البلاد، بينهم جنرالان سوريان. ووصل عدد السوريين المقيمين في مخيمات اللاجئين في هذه الأثناء إلى 93 ألف شخص، فيما ترفض تركيا استقبال أكثر من 100 ألف لاجئ.
ولطالما طلب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرارا من حلفائه الغربيين إقامة مناطق عازلة على طول الحدود السورية لإيواء اللاجئين وإحداث ممرات لتقديم الدعم لهم. من جهته، يؤكد حلف شمال الأطلسي تضامنه الثابت مع تركيا، حتى أنه مستعد – إذا اقتضى الأمر - لتقديم الدعم والمساعدة لها في حال دخلت في حرب ضد سوريا. بيد أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أنديرس فوغ راسموسين يعتبر أن إمكانية طلب أنقرة المساعدة بناء على المادة الخامسة لميثاق الحلف ليست إلا إمكانية "افتراضية"، فحل النزاع مع سوريا لا يمكن إلا بالسبل السياسية.
أنطاكيا مركز لتزويد المعارضة بالأسلحة
لهذا السبب يبقى تزويد مسلحي المعارضة السورية بالأسلحة من داخل الأراضي التركية أهم شكل لتقديم الدعم إليهم. ومن خلال هذا الدعم نجح الجيش السوري الحر في السيطرة على شريط حدودي على الجانب السوري يبلغ عرضه حوالي 20 كيلومترا، بالإضافة إلى السيطرة على بعض المعابر المؤدية إلى تركيا. وقد رحل سكان القرى السوريون عن هذه المناطق، وبقيت المحلات التجارية فيها مغلقة وتحولت الأراضي الزراعية فيها إلى أراض بور. ويحصل المتمردون على الذخائر والخبز والماء من تركيا، التي تتم فيها معالجة المصابين منهم، ذلك أن قوات الأسد تغلق الطرق لنقل الإمدادات من الاتجاه السوري، كما أفاد صحفي تركي رفض ذكر اسمه.
وتعتبر أنطاكيا، عاصمة محافظة هاتاي التركية الجنوبية، مركز تزود المتمردين بالمعدات الحربية. وكانت هذه المنطقة حتى عام 1939 تابعة لسوريا، التي كانت آنذاك تحت الانتداب الفرنسي. وكما تقول تقارير في صحيفة غارديان البريطانية، يلتقي في هذه المدينة تجار أسلحة من قطر والسعودية ولبنان. ومن هناك تم تزويد المتمردين في الصيف الماضي بأكبر إمدادات أسلحة. ولكن هذه الإمدادات أصبحت في الأثناء غير كافية إلا "للصمود وليس لتحقيق النصر"، كما نقلت الصحيفة عن قائد للمتمردين.
ويعود ذلك إلى تزايد المخاوف من وقوع المدافع والبنادق والذخيرة العسكرية في أيدي ميليشيات إسلامية متشددة. ولذلك يراقب عملاء من وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية توزيع الأسلحة ويقومون باتصالات مع معارضي النظام المعتدلين، وفقا لما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وهذا التطور يثير قلق غونتر زويفيرت من مؤسسة العلوم والسياسة. "ما يثير القلق، هو أنه يُقال إن جنودا أمريكيين وصلوا إلى الأردن وتركيا للعمل هناك كمدربين في مجال تقديم الاستشارة إلى اللاجئين. إلا أنه من المحتمل أن يقوموا أيضا بالتدريب العسكري". ويعتبر الخبير أنه من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تصعيد جديد للنزاع.
مخاوف الأتراك من حرب في المنطقة
ولا يجد موقف أردوغان من النزاع في سوريا تأييد أغلبية الرأي العام التركي، فلأول مرة منذ توليه من توليه منصب رئيس الوزراء قبل عشرة أعوام، يتعرض لرفض واسع. ورغم أن نصف الناخبين أيد حزبه في الانتخابات البرلمانية في السنة الماضي، فحكم الحزب الإسلامي المحافظ ساهم في استقرار البلاد. كما أصبحت تركيا تحقق نسب نمو عالية، لتصبح من ضمن الدول العشرين القوية اقتصاديا في العالم. ولكن الأتراك أصبحوا اليوم يخشون من أن سياسة المواجهة التي اتبعها أردوغان مع الجارة سوريا، قد يشكل تهديدا كبيرا على هذا الاستقرار والنمر الاقتصادي.