حقوقي سوري: ما يجري في سوريا حاليا يتجاوز حالة الطوارئ بكثير
٢٢ أبريل ٢٠١١عرفت شوارع معظم المدن السورية مظاهرات كبيرة، رغم مصادقة الرئيس السوري بشار الأسد على ثلاثة مراسيم بإنهاء حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي. وقد لبى المتظاهرون السوريون دعوة المعارضة للخروج إلى الشارع فيما سموه يوم "الجمعة العظيمة" باعتبار الإصلاحات التي أقدم عليها الرئيس السوري غير كافية، كما سقط عشرات القتلى في هذه المظاهرات. دويتشه فيله حاورت الدكتور عمار قربي رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا وسألته عن رأيه في الإصلاحات المعلنة وعن مستقبل سوريا في ظل دعوة المعارضة الشارع السوري في مواصلة التظاهر.
دويتشه فيله: بداية دكتور عمار قربي ما هو تعليقكم على الخطوات التي قام بها الرئيس بشار الأسد بالمصادقة على ثلاثة مراسيم تخص إنهاء حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي؟
عمار القربي: نحن نرحب بأي إصلاحات في سوريا خصوصا إذا كانت تخص قانونا كان رابضا على رقاب السوريين لمدة أكثر من خمسين عاما. لكن في ذات الوقت أبدينا تخوفاتنا وشكوكنا في أن يجد هذا القانون صدى على الأرض. وقلنا لننتظر بعض الساعات لنتأكد من مدى جدية وإصرار السلطات السورية لتطبيق هذه القوانين والمراسيم الجديدة. وتبين للأسف، منذ يوم الأمس أن هذه المراسيم مجرد حبر على ورق ولم تجد طريقها إلى التنفيذ. بل الأدهى من ذلك، ما يمارس على الأرض هو تجاوز لقانون الطوارئ، ما يجري حاليا في الساحات السورية هو قانون الغاب بكل أبعاده. إذ سقط العشرات من القتلى ردا على تظاهرهم السلمي. واليوم في هذه "الجمعة العظيمة" خرج الكثير من السوريين في كل المدن وفي كل القرى و بأعداد أكبر من ذي قبل في تأكيد على أن الشعب السوري يراقب هذه الإصلاحات التي لم يلمسها على أرض الواقع.
هناك من يعتبر أن توجهات الحكومة السورية بإصدار هذه الحزمة من المراسيم خطوة جادة ومهمة لإرساء دعائم الديمقراطية في سوريا. كيف ترون ذلك من وجهة نظركم كمعارضة؟
يتضرر من قانون الطوارئ في سوريا حوالي نصف مليون شخص. ويوجد داخل سجون سوريا حاليا أكثر من ألف معتقل على خلفية التظاهرات الأخيرة. ولدينا آلاف الممنوعين من السفر وأكثر من مائة ألف شخص متواجد في الخارج منفي بشكل طوعي أو قسري، ولدينا أيضا عشرات الآلاف من المواطنين السوريين المجردين من حقوقهم السياسية والمدنية. فالمصادقة على رفع هذا القانون وفي نفس الوقت نشر الجيش وعناصر الأمن التي تقوم بفتح النار على المتظاهرين يتناقض وبادرة إلغاء قانون الطوارئ. إذا حسب رأينا لا يوجد أي إرادة حقيقية لرفع حالة الطوارئ.
الدوائر الرسمية تقول إن المعارضة السورية لا تتجاوب مع الإصلاحات التي تطلقها وتتهمها باللجوء إلى التعبئة المسبقة في الرفض. ما ردكم على ذلك؟
أولا نريد أن نلفت الانتباه إلى أن الشعب السوري الذي خرق حالة الطوارئ ونزل إلى الشارع منذ خمسة أسابيع لمواجهة رصاص قوات الأمن بصدور عارية تجاوز السلطات السورية وتجاوز أيضا المعارضة وأطروحاتها النظرية. في سوريا يوجد الكثير من المصاعب التي تعترض عمل المعارضة، وجاء تعبير الشارع ليتجاوز كل الخطوط. ونعتقد أن الشعب السوري قدّم تضحيات كبرى منذ اليوم الأول لبدء التظاهر. ومن جهة أخرى لا نرى أن هناك تناقضا بين التظاهر وتحقيق المطالب، ففي مصر مثلا مازالت تخرج المظاهرات كل يوم جمعة رغم نجاح الثورة ورموز النظام السابق تقبع الآن في السجون. نحن نطلب من السلطات السورية أن تظهر لنا حسن النوايا وأن تتعامل برفق ولطف مع المتظاهرين.
رغم سقوط ضحايا في المظاهرات، كما ذكرتم سابقا، لم تستخدم الدول الغربية أو العربية لهجة حادة في انتقاد الحملة الأمنية التي تعرفها سوريا. ما هو السبب في ذلك؟
لا أحد في الداخل السوري يعير اهتماما للموقف الغربي لأن الشارع السوري انتظر كثيرا تدخل الأصدقاء قبل الآخرين من أجل الضغط على السلطات السورية كي تغير معاملتها مع المجتمع المدني والتسريع في بدء الإصلاحات، لكن مواقف هذه الدول كانت مخيبة للآمال. لذلك أعتقد أن الشارع اقتنع أن عليه تحقيق مطالبه بنفسه. وحتى مواقف الدول الغربية لم تكن مشرفة في ثورتي تونس ومصر. هذه الدول الغربية عندما تتأكد أن هذه الثورات ماضية إلى تحقيق مطالبها وبدأت في تحقيق بعض الإنجازات على أرض الواقع، سرعان ما تغير مواقفها وتلهث وتلحق بركب هذه الثورات، بل وتزايد عليها أيضا.
دكتور عمار، إلى أين يمكن أن تتجه الأمور في ظل استمرار المظاهرات ودعوة المعارضة السورية لتكثيفها؟
أعتقد أنه وبالرغم من أن الفرصة تضيق أمام السلطات السورية، أستطيع أن أقول أنه ما زال يوجد بعض الأمل لتجنيب سوريا الدخول في نفق الدم والقتل والرعب. ويجب على السلطات السورية أن تعترف أن هناك أزمة سياسية في البلاد. وعلى هذا الأساس عليها أن تجري إصلاحات فعلية وحقيقية وتباشر بإطلاق دعوة إلى مؤتمر حوار وطني يضم كل الأطياف والقوى السياسية. وأعتقد أن الشعب السوري عندما يلحظ بأن سلطات بلاده صادقة في خطوات الإصلاح فإنه سيراقب في هدوء التطورات وسيعطيها الفرصة الكاملة. أما إذا حصل غير ذلك، فإن الشعب السوري مصمم على المضي في طريق دفع المزيد من التضحيات حتى ينال حقه المشروع الذي يتلخص في كلمة واحدة هي الحرية ولاشيء سوى الحرية.
أجرى الحوار: عادل الشروعات
مراجعة: أحمد حسو