خبير ألماني: الأسد يواجه المجهول بعد أن خذل القوى العلمانية
١٩ أبريل ٢٠١١أقر مجلس الوزراء السوري اليوم مشاريع مراسيم تشريعية تقضي بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد وإلغاء محكمة امن الدولة العليا وتنظيم حق التظاهر السلمي. تلك المطالب، التي رغبت بتحقيقها منذ سنين شريحة واسعة من الشعب السوري. ويبقى السؤال، إذا ما كان رد فعل النظام السوري هذا على المطالب الشعبية سيوقف حركات التظاهر. حول ذلك يقول كارستن فيلاند، خبير الشأن السوري بمؤسسة كونراد اديناور في حديثه مع دويتشه فيله، إن تطورات الشارع السوري لا تختلف عن تلك التي شهدها الشارعين المصري والتونسي، حيث حاولت الأنظمة أن تخفف من حدة الاحتجاجات عن طريق تقديم التنازلات أو استخدام القوة أيضا. لكنه يثير نقطة أخرى بالقول " ما يميز سوريا، هي أن هناك اختلافات عرقية ودينية متعددة، وهناك خوف من عودة الحرب الأهلية والاضطرابات. بالإضافة إلى الخوف من الجديد المجهول".
ويضيف كارستن فيلاند أن المعارضة في سوريا فقدت الأمل بتغيرات حقيقة في ترتيب هرم السلطة والنظام عموماً. ولكن النظام بدأ فعلا بتحقيق مطالب الجماهير الغاضبة بالشارع السوري، فهل ستؤدي هذه التنازلات إلى استتاب الأمور لصالح نظام حزب البعث مرة أخرى؟ يقول الخبير الألماني أن "واقع الحال هناك يشير إلى أن هذه التنازلات قد أصبحت بلا فائدة ولن تتمكن من تخدير الناس هناك أكثر، لأنها جاءت متأخرة جداً وقُدّمت من قبل النظام تحت ضغط الشارع. لقد بدأ نظام الأسد يفقد الورقة بعد الأخرى من يده. ويتنازل شيئا فشيئا، مثل أعادة الجنسية للأكراد و قانون الأحزاب، الذي ركن جانبا على الرف منذ عام 2005 . وهي سلسلة طويلة متراكمة من الإصلاحات التي لم يتم تنفيذها، والآن فجأة يحاول النظام أن ينفذها تحت الضغط الشعبي. اعتقد أن تقديم التنازلات قد أضحى بلا فائدة تعود على النظام."
نفس التكتيك ونفس الأخطاء
أستلهم الشارع المصري روح التغيير من نظيره التونسي. والبحريني واليمني والسوري من كليهما لكن ردود فعل الأنظمة العربية تختلف باختلاف حركات التغيير نفسها والعكس أيضا صحيح. إلا أن أساليب الأنظمة عموما لا تختلف عن بعضها البعض محاولة تجريم من يقوم بالاحتجاج عليها. مثلما يقول فيلاندر، عندما يصف الطبقة المطالبة بالتغيير في هذه البلدان، بأنها تمثل شريحة واسعة ومختلفة من المتعلمين والمثقفين والشباب وحتى بعض الإسلاميين. وهي شريحة واسعة تطالب بحرية التعبير وحرية الانتماء السياسي والقضاء على الفساد. ويضيف فيلاندر بالقول" هذا الخليط من الانتقادات الموجهة للأنظمة هي انتقادات علمانية سلمية وليست عنيفة بطبعها. مثلما حدث في مصر عندما حاول النظام أن يجرّم هذه التحركات أو القضاء عليها عن طريق إطلاق اليد للعصابات الإجرامية". لكنه يصف الوضع الليبي بالمختلف قائلاً "رد فعل النظام العسكري والشديد على الاحتجاجات أدى إلى عسكرة المحتجين، فنحن نتحدث الآن في ليبيا عن ثوار وليس محتجين". وليعود إلى الملف السوري الساخن مرة أخرى محاولا المقارنة بين النظامين بالقول "ربما يتخذ النظام في سوريا نفس الإستراتيجية محاولا تشكيل صورة ضبابية للموقف، حتى لا يميز المرء بين المثقف والمعارض ورجل العصابة. ويبقى السؤال هل ستكون حركة الاحتجاجات مطبوعة بصورة المثقف المطالب بالتغيير السلمي، أم تطغى صورة العصابات العنيفة على حركة التغيير. هذا ما يشغل المجتمع السوري ويخشى الوصول اليه".
"الإسلامي الفزاعة"
هتف مئات المتظاهرين في مدينة بانياس "لا اخوانجية ولا سلفية.. إحنا طلاب حرية." في محاولة منهم للتعبير عن هوية المظاهرات المطالبة بالديمقراطية والتغيير وحرق ورقة السلفيين والإسلاميين التي يستخدمها النظام، الذي يتهم جماعات إسلامية مسلحة تعمل انطلاقا من بانياس "وتنشر الإرهاب" في سوريا. حول ذلك يقول الناشط الحقوقي السوري غياث نعيسي من باريس واصفا الهدف من محاولة النظام هذه بالقول" الهدف هو شق الصفوف وإثارة الخوف والقلق عند المواطنين السوريين العاديين، الذين يمتلك جزء كبير منهم توجها علمانيا يساريا مثلا. تخويف المجتمع من إمارات طالبانية، حسب وصف النظام. هذا سخف".
لكنه لا ينفي رغم ذلك وجود هذه الحركات السلفية والجهادية، إلا انه يقول، إنها معزولة وضعيفة وقد تحاول أن تركب الموجة الآن. ويحاول الناشط الحقوقي السوري نقل مسؤولية ظهور هذه الحركات إلى النظام قائلاً "هي حركات كانت موجودة تحت أنظار النظام وربما دعمت من النظام أيضا. فالنظام يتحمل مسؤولية هذا الأمر وليس المواطنين العزل، الذين يعبرون عن رأيهم بشكل سلمي ومطالبين بالعدالة والحرية. وهي مطالب لا علاقة لها بالقرضاوي أو الشيخ عرعور أو الجماعات السلفية التافهه". حسب وصف الناشط الحقوقي السوري. أما الخبير الألماني كارستن فيلاند فانه يشير إلى أن هذه هي الوصفة، التي غالبا ما تستخدمها الأنظمة الشبيهة بالنظام السوري قائلا :"هذا هو أسلوب متبع من الأنظمة العلمانية الدكتاتورية، أن تثير المخاوف مستخدمة شبح الحركات الإسلامية وراسمة صورة كاذبة: أما نحن، كنظام مستقر علماني. أو الإسلاميين مع فوضى وعنف" مشيرا إلى أن الفزاعة قد فقدت تأثيرها اليوم.
"التأريخ يقول لا"
"المجتمع السوري مجتمع أسلامي سني معتدل وواقعي، ومحاور بطبعه". هكذا يصف فيلاند المجتمع السوري، الأمر الذي يدفعه للاعتقاد بأنه من الصعب تصور، فيما لو نشأ نظام ديمقراطي حر في سوريا. أن تصل قوة إسلامية متطرفة إلى السلطة. ويضيف" التأريخ السوري نفسه لا يقبل بهذه الفرضية. حتى لو بدأت بعض الحركات الإسلامية السلفية خارج سوريا بالتحرك. فهناك عوامل مختلفة على الساحة السورية. ويبقى أن من يقوم بالتحرك هي طبقة معتدلة داخل سوريا وليس خارجها".
ولكن من يحرك الرغبة بالعنف في الشارع السوري، هل هو النظام نفسه أم حركات إسلامية متطرفة وعصابات إجرامية؟ يقول غياث نعيسي، محملا النظام مسؤولية انفجار العنف في الشارع السوري ويضيف: "غياب الأمن والاستقرار سببه سلوك الأجهزة الأمنية وفضاضتها في التعامل مع المواطنين العزل. وهم أناس يطالبون بحقهم ويعبرون عن رأيهم كما هو منصوص عليه في الدستور السوري الذي يطالبون بتعديله. لن يركن الشعب السوري إلا بعد أن تكون هناك استجابة واضحة وحقيقية لمطالبه المشروعة."
أي الطريقين؟
ولكن كيف سيكون التغيير؟ أي سيناريو يمكن أن يتفق مع الوصفة السورية : نظام يستخدم العنف ضد شعبه، حسب قول الناشط السوري. ومجتمع مسالم محاور بطبيعته، مثلما يرى كارستن فيلاند؟ وللإجابة على هذا السؤال يرسم فيلاند صورتين ممكنتين للأحداث القادمة في سوريا. فالسيناريو الأول حسب رأيه دموي. ويقول "إذا ما سقط النظام في سوريا فلن يسقط بطريقة سلمية بل بدموية. لا توجد هناك رموز قيادية بديلة في سوريا. ولا يوجد أيضا دور للجيش مثلما هو الحال في مصر. هناك وحدات خاصة تقوم بحماية الرئيس مثل وحدات أخ الرئيس الأسد ماهر الأسد. الاحتمالية الأكبر أن يكون هناك سقوط عنيف ودموي للسلطة".
هذه هي الصورة المعتمة الأولى التي يرسمها خبير الشأن السوري. أما الصورة الأكثر تفاؤلا، فيحاول رسمها ناقلاً لوناً آخر من التاريخ السوري، لم يعتده جيل الشباب هناك. ويبدأ فيلاند رسم صورته بفرضية نقل سلمي للسلطة ويقول" لو تحقق ذلك، فانه أمر ليس بالغريب على سوريا، ففي الخمسينات والستينات كانت هناك تجارب ديمقراطية في سوريا". ثم يعرج على الحاضر لتبدأ الصورة بفقدان الضوء شيئا فشيئاً، حيث يقول إن نقل سلميا شفافا للسلطة، يكون الأسد طرفا فيه، كان مطلب الحركات المعارضة منذ العام 2002 . عندما طالبت هذه المعارضة أن يكون الأسد جزءا من الحل لا سببا في المشكلة. ويضيف كارستن فيلاند: "كانت هذه فرصة ثمينة لبشار الأسد، لكنه ضيعها على نفسه. كان من الممكن أن تشهد سوريا تغييراً تدريجياً للسلطة عن طريق حوار مع معارضة مدنية علمانية معتدلة. أما الآن فهو يواجه جماهير غاضبة مطالبة بالتغيير. يحاول أن يصفها بالإجرامية. ويحاول القضاء عليها بالقوة".
عباس الخشالي
مراجعة: يوسف بوفيجلين